سيدي الرئيس المنتخب بوش الابن، في البداية، أريد ان أهنئك على رغم عدم حسم مسألة فوزك بعد! باسم العرب الاميركيين الذين شاركوا، وللمرة الاولى في تاريخ وجودهم في الولاياتالمتحدة، بثقل وفاعلية في ممارسة حقهم وواجبهم الديموقراطي بالذهاب الى صناديق الاقتراع والتصويت لك. نعم، صوّتت الغالبية الكبرى من الاميركيين العرب لك في ولايات محورية ترجيحية مثل ميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا واوكلاهوما وغيرها، وكاد الصوت العربي ان ينتزع فوزاً لك في الولاية المهمة، ميشيغان، التي يقطنها حوالى 500 الف مواطن من اصل عربي، ويريحك من عناء ورعب المنافسة الوطيسة في ولايات اقل اهمية من حيث عدد المندوبين الى الندوة الانتخابية. وبالفعل، وللمرة الاولى، نزل العرب الاميركيين وبحماس شديد الى صناديق الاقتراع وصوّتوا لك لأنك لم تتهرّب من الاجتماع علناً بقيادتهم، ولم تتهرب من الاجابة عن بعض اسئلتهم بشأن بعض الممارسات العنصرية التي يعانون منها، وتجرأت على وعدهم بمحاولة الغاء بعض القوانين الظالمة والمتحيزة ضدهم، مثل قانون الأدلة الجنائية، التي تشكك في مصداقية مواطنيتهم وانسانيتهم، وعلى عكس المرشحين للرئاسة الاميركية في الماضي، اظهرت شجاعة اخلاقية حينما عبّرت علناً عن رفضك الممارسات غير القانونية دستورياً بحق بعض الشرائح العرقية مثل الجالية العربية، تحت اسماء وشعارات الامن الوطني والقومي لقد قدّر العرب الاميركيون هذه الخطوة المتواضعة وردّوا الجميل بالتصويت لك بنسبة تتعدى ال60 في المئة. والآن يتطلّع الاميركيون من اصل عربي الى تسلّمك زمام القيادة في منتصف كانون الثاني يناير والوفاء بوعودك واحترام الدستور الذي يكفل المساواة القانونية لكل المواطنين الاميركيين، بغض النظر عن انتمائهم العرقي - الاثني والقومي. المطلوب منك اخذ المبادرة للحفاظ على الحريات الخاصة والعامة ورفض تجريم جماعات عرقية تحت اي عذر وبسبب اي اعمال فردية يرتكبها اشخاص، هم المسؤولون الوحيدون عن افعالهم. فعلى رغم ادعاء ادارة كلينتون - آل غور الليبرالية والانفتاح على الاقليات والتواصل معهم والمحافظة على حقوقهم، لم تتورع تلك الادارة عن الموافقة الضمنية والرسمية على بعض التشريعات والممارسات الجنائية ضد مواطنين ينتمون الى شرائح اثنية ودينية معينة، خصوصاً الشريحة العربية / الاسلامية. صحيح ان ادارة كلينتون - آل غور استمعت الى شكاوى قيادات عربية / اسلامية، لكنها لم تقاوم بفاعلية او ترفض الموافقة والتوقيع على تشريعات تُخوّن وتُجرّم ضمنياً الجماعة العربية وتعرّض ابناءها للابتزاز والملاحقة القانونية من دون سبب، وتعمّق وتجذّر الشعور العنصري ضدهم داخل المجتمع الاميركي. لهذا لم يأخذ العرب الاميركيون وعود آل غور الجديدة لهم بإعادة النظر في القوانين التي تميز ضدهم والتي سنّت خلال وجوده نائباً للرئيس في البيت البيض. والاهم من ذلك، لم يتواضع المرشح الديموقراطي للرئاسة ويجتمع مع قيادات الشريحة العربية / الاسلامية كما فعل بوش الابن، المرشح الجمهوري. هذا على الصعيد الداخلي، اما في مجال السياسة الخارجية فسأتحاشى الحديث عن اية ابعاد اخلاقية وانسانية للموقف والدور الذي يمكن ان تلعبه ادارتك في المنطقة العربية وعملية السلام في الشرق الاوسط. فعلى عكس منافسك الديموقراطي، الذي شدد على اهمية القيم وعلى ان اميركا، الدولة - الأمة المركزية في النظام الدولي، التي لا يمكن الاستغناء عنها، ستتدخل عسكرياً احياناً للدفاع عن حقوق الانسان ومنع الاضطهاد والمجازر، كنت اكثر صدقاً مع نفسك وشعبك والعالم بالقول انك من انصار المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، وان منظومة المصالح هي المعيار الرئيسي للتفاعل بين الدول. من هنا، سيادة الرئيس، دعني اشرح قليلاً ما ينتظره العالم العربي/ الاسلامي منك، وماذا يمكن ان تحصل عليه الولاياتالمتحدة في المقابل. لنكن صريحين، العرب لا يطلبون من ادارتك ان تتخلى عن اسرائيل كحليف اساسي في الشرق الاوسط، ويتفهّمون الى درجة كبيرة دور العوامل المحلية في صياغة السياسة الخارجية الاميركية في المنطقة. اصبح العرب ايضاً يتفهمون جيداً ان ثمة ثوابت جوهرية في سياسة بلادكم الخارجية، خصوصاً العلاقة المميزة بين واشنطن وتل ابيب، لا يمكن القفز فوقها او إهمالها من دون تكاليف سياسية باهظة. يفهم العديد من العرب ايضاً تزايد اهمية دور الكونغرس في مراقبة وصياغة سياسة واشنطن ازاء المنطقة العربية وتقييد دور السلطة التنفيذية ومنعها من ممارسة اي دور يمكن ان يزعج الحليف الاسرائيلي واصدقاءه النافذين والاقوياء داخل الولاياتالمتحدة. صدّقني، يفهم العرب ويتفهّمون انه من الصعب عليكم لعب دور الوسيط المحايد بينهم وبين الاسرائيليين، لأن نخبة السياسة الخارجية الاميركية وتركيبة مجتمعكم لا تسمح لكم بذلك. طالما انك تهتم، يا سيادة الرئيس العتيد، بالمصلحة الوطنية الاميركية وتعتبرها المعيار المركزي لتقويم وصياغة سياسة بلادكم الخارجية، هل من الممكن المحافظة على المصلحة الوطنية الاميركية بلعب دور ساعي البريد لاسرائيل، كما تحاول الادارة الحالية على المسارين السوري والفلسطيني؟ هل تقتضي المصلحة الوطنية لدولة عظمى مثل الولاياتالمتحدة، ان لا تجرؤ على تقديم او طرح افكارها الخاصة بشأن قضايا السلام والاكتفاء بتسويق الاقتراحات الاسرائيلية وارغام الطرف العربي الضعيف على القبول بالشروط الاسرائيلية؟ هل تقتضي المصلحة الوطنية الاميركية على المدى الطويل القفز فوق قرارات الشرعية الدولية التي تخدم وتؤسس للاستقرار والسلام العالميين اللذين يصبّان اولاً واخيراً في مصلحة بلادكم؟ هل تقضي المصلحة الوطنية الاميركية اهمال وعدم احترام وجهة نظر حلفائكم العرب الذين يدفعون غالباً ثمناً باهظاً لمواقف واشنطن المعادية لحقوق شعوبهم؟ هل تتطلب المصلحة الوطنية الاميركية التركيز الوحيد على الحليف الاسرائيلي واغفال اهمية واستراتيجية الدول العربية المصدرة للنفط، التي تلعب دوراً محورياً في دوران عجلة الاقتصاد العالمي، خصوصاً الاميركي؟ كلمة تقدير بهذا الخصوص، حينما سُئلت في المناظرة التلفزيونية عن الشرق الاوسط، وعلى عكس منافسك، الذي نسي ان هناك شعوباً وبلداناً غير اسرائيل، قلت انك ستحاول تطوير علاقات بلادك مع بعض الحلفاء العرب. طبعاً، يخدم تطوير العلاقات الاميركية - العربية الطرفين، وليس فقط العرب، ومع ذلك نقدّر اهتمامك وبساطة ذاكرتك، في حين بدا آل غور انه تخلى عن ذاكرته! ندرك ان ليس لديك الاهتمام الشخصي او الخبرة الاولية بالشرق الاوسط، وانك ستعتمد على مساعديك في صياغة سياسة ادارتك ازاء المنطقة، نأمل ان يكون فريق عملك متنوعاً يضم شخصيات تمثّل اتجاهات عدة ووجهات نظر مختلفة، وتملك الارادة والقدرة على اخذ المبادرة وطرح الاقتراحات والبدائل الخلاّقة لتحقيق اختراق في عملية التسوية. تجدر الاشارة الى ان احد الاسباب المهمة لاخفاق الادارة الحالية يكمن في عدم رغبة الفريق المنسق للمفاوضات العربية - الاسرائيلية - الذي يتكون من لون واحد وتيار صهيوني واضح غالباً ما تبنى وجهة النظر الاسرائيلية - في ان يلعب دور الوسيط النزيه، لا المحايد. لهذا، يا سيادة الرئيس، نتمنى ان يضم فريق عملك المسؤول عن ملف الشرق الاوسط ليس فقط ريتشارد بيرل وبول ولوفوفيتز، المعروفين بتشددهما وتأييدهما غير المحدود لاسرائيل، بل ايضاً مساعدين مستقلين من امثال جيمس بيكر، وزير الخارجية السابق في ادارة والدك، وروبرت بيللترو، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط سابقاً. وهل من الممكن تعيين اميركي من اصل عربي لينضم الى طاقم عملية السلام؟ ألا يساعد ذلك على كسب ثقة الفلسطينيين والسوريين ويردّ الجميل ويكافئ الاميركيين العرب الذين صوّتوا لك بمئات الآلاف؟ ألم يحن الوقت بعد لمعاملة الشريحة العربية - الاميركية كغيرها من شرائح الاقليات في الولاياتالمتحدة؟ هذا بالنسبة الى عملية السلام، ماذا عن موقف ادارتك، يا سيدي الرئيس، من الحصار المفروض على الشعب العراقي وتجويعه، وسياسة العقاب الجماعي التي تفتك بالاطفال والنساء والمسنّين، وتفشل في الاقتصاص من النظام؟ كلامك عن العراق خلال حملتك الانتخابية أعطى الانطباع بأنك ستنتهج منهجاً تصعيدياً ضد الرئيس العراقي صدام حسين وستحاول الاطاحة به. طبعاً، يتناقض هذا الموقف الهجومي مع رغبتك في عدم التدخل العسكري في العالم. مرة اخرى، نرجو الا يعني ذلك ان ادارتك ستستمر في فرض سياسة العقاب الجماعي الباهظة الثمن على الشعب العراقي والابقاء على الوضع المأسوي كما هو عليه الآن. صدقّني، يا سيادة الرئيس، لن يخدم موت الاطفال العراقيين المصلحة الوطنية الاميركية على المدى الطويل! طالما نتحدث عن المصلحة الوطنية الاميركية على المدى الطويل، ألم يحن الوقت بعد للتفكير جدياً في مساعدة ودفع النظم السلطوية في المنطقة لايجاد آليات سلمية للتغيير وانتقال السلطة؟ ألا تتطلب حماية المصالح الاميركية على المدى الطويل اهتماماً حقيقياً بحقوق الانسان وترسيخ الديموقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في البلدان العربية؟ ألا يخدم الاستقرار السياسي في المجتمعات العربية المصلحة الوطنية الاميركية؟ نرجو، يا سيادة الرئيس، ان يشكّل عهدك انطلاقة جديدة للعلاقة المعقّدة والمركّبة بين حكومتك والدول والمجتمعات العربية على رغم تشاؤمنا من امكان قفزك فوق المعطيات والحقائق والمتطلبات الداخلية الاميركية ونحن نعتبر ان القائد الفذ هو الذي يقود ويُقنع جمهوره بأهمية التغيير، بدلاً من ان يُقاد ويصبح اسير المصالح الخاصة الضيّقة. سيكون الشرق الاوسط بمثابة ساحة اختبار وامتحان ليس فقط لسياستك ازاء المنطقة بل ايضاً لقيادتك شخصياً. * استاذ العلاقات الدولية والديبلوماسية في جامعة سارة لورنس في نيويورك