حين اكد المطرب هاني شاكر في حفل اختتام مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية التاسع في دار الاوبرا المصرية حضوراً لصورة المطرب العاطفي التي باتت مفتقدة في اغنيتنا العربية اليوم، فان ملمحاً ايجابياً آخر اكده الحفل وذلك عبر تكريمه اصواتاً جديدة فازت بجوائز مسابقته والتي كانت هذا العام في محور "القصيدة المغناة". واذا كان هاني شاكر غنى مجموعة من اغنياته التي توزعت على اسطواناته الصادرة في السنوات الثلاث الماضية وخص المهرجان وجمهوره بأغنية جديدة لم يسبق له ان غناها وهي "جرحي انا" فانه كرّس صورته عبر هذه الاغنيات كمطرب عاطفي بدت أقرب الى صورة حميمة طبعها بذائقة أو روحية المطرب الراحل عبدالحليم حافظ. و"الصورة العاطفية" لهاني شاكر لم تتوقف عند اغنيات مثل "نسيانك صعب" و"غلطة" و"انت السبب" بل هي لتمتد في طريقة اداء لتطاول "اغنيات وطنية" من نوع اغنية "على باب القدس" التي كتبها منصور الشاوي ولحنها حسن ابو السعود في صحوة لحنية تذكرنا بجهده القديم في اغناء اللحنية العربية المعاصرة. وجاءت الاغنية هادرة بحماسة لا تغلب الفجاجة كما هي عادة "الاغنيات الوطنية" وكانت بحسب روحية هاني شاكر وحميمية صوته بياناً عاطفياً عن قضية وطنية وانسانية مؤثرة اختصرتها لحظة اغتيال الاسرائيليين للطفل الشهيد محمد الدرّة. وتعزز اغنيات هاني شاكر "العاطفية" نمطية في الاداء يبدو صاحب "الحلم الجميل" بحاجة الى اعادة قراءة جوانبها كي يجتذب مناطق تعبيرية متجددة يمكنه تحقيقه في الاغنية المصرية والعربية عموماًَ، والاّ فان تكراراً او ثباتاً لالحان تدور حول هواجس الشكوى والانين والغدر والدموع يمكن ان يصيب روحية اغنيته بجفاف لا تستحقه. ومن هنا كان لافتاً في حفل الاختتام ان يغني هاني شاكر مجموعة من اغنيات عبدالحليم حافظ مثل "لا تكذبي" التي كتبها الشاعر كامل الشناوي ولحنها محمد عبدالوهاب. وفيها نجد لحناً يشع من اولى ضربات العازف على مفاتيح البيانو وحواره الراقي مع الكمانات وما صاحبته من آهات رقيقة من صوت هاني الذي ادى بطريقة شخصية من دون الوقوع في اسر الظل الشفيف لعبدالحليم حافظ. ولفت في اداء هاني شاكر "لا تكذبي" وبالذات حين غنى "ماذا اقول لادمع سفحتها اشواقي اليك" انه جعله اكثر رقة على رغم ما فيه من احزان عاشق مخذول، ودائماً بالاعتماد على لحن يذكرنا بقدرة عبدالوهاب على التعبير الراقي، فثمة تصوير مرهف وحساس لمشاعر الغضب الجياش والحزن والانكسار والتمرد. وفي غنائه "حبك نار" اضفى هاني شاكر من صوته تنويعات رقيقة جعلت الاغنية تتألق شباباً وحيوية، بينما اسبغ على حلاوة لحن محمد الموجي ورقة كلمات مرسي جميل عزيز في اغنية "ليه يا قلبي" التي ادتها باجادتها المعروفة المطربة اللبنانية الراحلة فائزة احمد، تعبيرية عاطفية جعلت الاغنية تنهض من الذكرى لتطل متدفقة على الواقع. وجاء غناء هاني شاكر ل"احضان الحبايب" التي غناها عبدالحليم حافظ في فيلم "ابي فوق الشجرة" اعتماداً على كلمات عبدالرحمن الابنودي والحان محمد الموجي، متطابقاً لا مع روحيته فحسب بل لاقتراب لحنها مع الحان غير اغنية له قدمها في اسطوانة "الحلم الجميل" 1998، من دون ان ننسى ان اعادة شاكر لاغنية عبدالحليم كانت اعادة موفقة وجاءت بشحنة إضافية من الرقة. وكانت لمسة ذكية من هاني شاكر ان يختم حفله بأغنية وطنية من عبدالحليم حافظ مثلما بدأه بأغنية وطنية من ادائه، وجاءت "احلف بسماها وبترابها" التي كتبها عبدالرحمن الابنودي ولحنها كمال الطويل تلويحة تختصر حكايات المواجهة العربية الطويلة ولكنها كانت اكثر صدقاً من جوهر تلك الحكايات. وبصحبة مجموعة عازفين من "فرقة عبدالحليم نويرة للموسيقى العربية" غنى اصحاب الجوائز الثلاث الاولى في المهرجان بما يؤكد ان اصواتاً جديدة يمكن ان تطل على الغناء العربي وهي تستزيد من ينابيع الاصالة والاشكال الغنائية والموسيقية العربية الرصينة. وغنى صاحب الجائزة الثالثة احمد شريف سورية بتلوينات جيدة في صوته موال "برضاك" الذي كتب كلماته بيرم التونسي ولحنه زكريا احمد وطبعته بادائها القوي الراحلة ام كلثوم، غير ان ما يلفت في صوت شريف نعومة زائدة قد يكون الزمن جديراً بحل تأثيراتها عليه. وغنت صاحبة الجائزة الثانية فدوى المالكي المغرب "شمس الاصيل" بشخصية واثقة على رغم ان الاغنية تحفل بمسارات لحنية متراكبة مقامياً، كما ان في صوت المالكي بعض جفاف ويحتاج لتقليل الحدة في نبراته. واكدت مي فاروق صاحبة الجائزة الاولى ان مصر ما زالت نبعاً للاصوات الجيدة، وان السائد في الاغنية المصرية لا يعبر بالضرورة عن واقعها الحقيقي، فأداؤها لاغنية "انت عمري" كان الاكثر حيوية وتأثيراً بعد اداء ام كلثوم لرائعة عبدالوهاب. وقدمت مي فاروق في ظهورها امام الجمهور مستوى في الاداء لجهة حلاوة الصوت وتلويناته يذكّر بمستوى المغنيات الكبيرات.