انها مرة أخرى وليست بالجديدة التي نخسر فيها أخاً وصديقاً عزيزاً. إذ ذهب الدكتور ماهر غازي ضيا الى بلدة جباع الجنوبية اللبنانية، قرية زوجته، وكأنه على موعد مع أرضها، تلك الأرض التي احتضنت الكثير من الشهداء ونأمل أن يكون اخونا الأخير منهم. لم تنته الحرب، لكن الدكتور ماهر غادرنا من دون وداع، حمل صور الأحباب ومضى، ترك فينا الجرح ورحل. فحسبنا اللّه ونِعْمَ الوكيل، ولكن عزّ علينا عدم الوداع الذي لم نشأه، ولم يشأه، بهذه السرعة. جسده أشلاء كحّلت حمرة الأرض الجنوبية. أبى إلا أن يكون شهيد هذه الأرض التي ترعرعنا فيها جميعاً، والتي حضنت الشهداء وحضنته وستحتضننا. ولأبي جعفر، والد ماهر، قصة أخرى، فهو أب لخمسة. لكنه ربى الكثيرين، فكنّا جميعاً أبناءه وما زلنا. كان أحب علينا ممازحة أبي جعفر. لكنه الآن يحس الوداع الأليم، يحس وحشة الفراق، يحس برد الفراش، يقول أين "الحكيم"؟ وكانت أم جعفر، وهي أم صادق، وأم ماهر، وأم مازن وأم بلال في كل حين. فجميعاً كانوا كبارها، لكنهم بقوا جميعاً صغاراً في أعينها، يحلو لها أن ترى ريشهم ينبت. لكن ها هو ماهر يحلّق بعيداً خارج السرب، ونبقى لك جميعاً يا أم جعفر. ويا جعفر وصادق ومازن وبلال، لم أتصور نفسي أكتب لكم في مثل هذه المناسبة الأليمة، ولا حتى في مناسبة فرحة. فلم نعتد الكتابة في زمن اللقاء الدائم. كم يؤلمني أن أكون بعيداً عنكم اليوم يا أخوتي، ونحن نفقد "الحكيم الغالي". كبرنا الآن وبات كل واحد منا في مشاغله وهمومه، وأصبحت الكتابة واجبة ولكنني كنت أفضل مناسبة أخرى. ويا ريما، لم نلتق منذ فترة طويلة، ولم أشأ أن تكون رسالتي الأولى لك، لمؤاساتك وتعزيتك في رحيل الغالي المبكر. كنت أحلم بأيام أسعد تجمعنا، ربما مرة أخرى، نتعاتب على الأيام التي أضعناها، نرى الأطفال يسرحون ويمرحون من حولنا ونتذكر أياماً ماضية. ما أسوأها، فكرة التذكر من دون الغالي الذي رحل سريعاً. دبي - باسم زكريا الزين