بدأت ترتسم على شاشات دور العرض في أميركا والعالم أفلام ستدخل عرين المنافسة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وحتى نهاية آذار مارس المقبل، الموعد السنوي التقليدي لمسابقة الأوسكار. فمثل كل عام، تحشد شركات الانتاج بعض ما تعتبره أفضل انتاجاتها السينمائية للعرض في الأشهر الأخيرة من السنة، لكي تبقى تلك الأفلام ماثلة في ذاكرة أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية التي قد تنسى ما عرض من أعمال قبلاً. ومع ان الحملات الدعائية التي تخطط لها تلك الشركات تشمل أي فيلم فني أو فيلم ذي قيمة فنية عرض في أي وقت سابق من العام، الا ان الدعاية لفيلم معروض الآن تصيب هدفين معاً: الدعاية للفيلم جماهيرياً، والدعاية له بالنسبة الى المقترعين. وليس أعضاء الأكاديمية الوحيدين الذين يتعرضون لسيل عمليات لفت النظر والترويج المختلفة، بل كذلك أعضاء "جمعية مراسلي هوليوود الأجانب" الذين يوزعون، مطلع كل عام، جائزتهم السنوية "غولدن غلوب". أهمية الجمعية بالنسبة الى شركات هوليوود انها تحوي نقاداً وصحافيين دوليين يمثلون العالم العربي واستراليا ونيوزيلندا وجنوب شرقي آسيا وشرق أوروبا وغربها، اضافة الى القارة الأميركية، في وقت أصبحت ايرادات الفيلم الأميركي من خارج الولاياتالمتحدة وكندا تحتل نسبة 45 - 55 في المئة من ايرادات الأفلام اجمالاً. الأهمية الثانية هي جائزة "غولدن غلوب" التي تعد ثاني الجوائز السنوية أهمية بعد الأوسكار، كونها تأتي دائماً دلالة مسبقة الى توجه تصويت أعضاء أكاديمية الأوسكار لاحقاً. أفلام على المحك الأفلام التي على المحك هذا العام، مختلفة في ما بينها من دون أن يكون أي منها، وحتى الآن، تجسيداً للفيلم الذي اعتاد الحصول على الأوسكار. هذه السنة ليس هناك ما يلفت كفيلم أوسكارات لا محالة. ليس هناك حال انتاجية مثل "المريض الانكليزي" أو اجتماعية مثل "جمال أميركي" أو ثقافية مثل "الرقص مع الذئاب" أو تقديرية كما "غير المسامح" أو انتاجية كبرى كما "تايتانك". كل واحد من هذه الأمثلة ساد الأفلام الأخرى التي نافسته أولاً على الترشيحات الرسمية، ثم لاحقاً، تلك التي نافسته حالما أعلنت قائمة الأفلام المتسابقة. هذا العام، تتبدى واضحة حقيقة عدم وجود فيلم واحد أو أكثر بمزايا عدة متفوقة تجعله حديث الناس، ما يجعل مسابقة "غولدن غلوب" صعبة ومسابقة الأوسكار أصعب. وإذا كان ايجاد الفيلم المتفوق بين الأفلام الجيدة المتوافرة أمراً صعباً، فذلك يعني صعوبة اختيار العناصر الفنية الأخرى المؤهلة للفوز بالجوائز. ومع ذلك، يجب أن يأتي فوز الممثلين والكتّاب وباقي أهل المهنة من تلك الأفلام القليلة المتوافرة. وكلها تحتوي "خصالاً" فنية وانتاجية متميزة، ولو أنها لا تمثل خياراً لا مهرب منه أمام منتخبي جوائز "غولدن غلوب" والأوسكار. ولعل الحال التي تجسد هذه الحقيقة متوافرة في المقارنة بين فيلمين ينتميان الى تيار نقد الحياة الاجتماعية الأميركية على رقعة كبيرة. في العام الماضي خرج "جمال أميركي" بجوائز رئيسية عدة. عدا "غولدن غلوب" لأفضل فيلم وأفضل ممثل كيفن سبايسي، جمع كذلك أوسكار أفضل فيلم وأفضل ممثل وأفضل سيناريو مكتوب خصيصاً ضمن أخرى. وكان تناول قصة تعرض أوضاعاً انسانية تؤلف نسيجاً اجتماعياً مثيراً، عن رجل استيقظ على انه مات وهو لا يزال حياً مذ تخلى عن أحلامه، ورضي بالتحول الى الآلة المستثمرة في البيت والعمل. يقظته تلك تؤهله لرحلة اكتشاف ذاتية يتحرر خلالها مما كبّله طويلاً، انما مع نهاية تجسد بدورها هيمنة المأزق في المجتمع الأميركي، كونه نموذجاً للمجتمع الأكبر نمواً واستهلاكاً. لم يكن الفيلم الوحيد الذي تناول هذا الموضوع "نادي العراك" لديفيد فينشر تطرق إليه من جوانب أخرى. وهذه السنة هناك فيلم يعمل على المنوال نفسه سيشق طريقه الى الجولة الأولى من المسابقة، وقد يبقى للجولة الرسمية الثانية. انه "قدم خيراً"، الذي ليس فقط أحد الأفلام الأكثر احتمالاً لدخول المسابقة، بل الأكثر توفيراً للاهتمامات الثقافية والاجتماعية التي جاء بها "جمال أميركي" العام الماضي. في هذا الفيلم الذي أخرجته ميمي ليدر عملت سابقاً في مجال سينما التشويق حين قدمت "صانع السلام" وفي الفيلم الكوارثي مع "تأثير عميق" نرى معلماً كيفن سبايسي مجدداً يخفي عواطفه تحت بشرته المحروقة بفعل حادث يكشف لنا الفيلم ماهيته في ما بعد. انه استاذ مدرسة يقف أمام تلامذته من الأحداث ويخبرهم ان مهمة تغيير العالم الى الأفضل يمكنها ان تنمو وتترعرع في بال كل منهم. ويسألهم تقديم أفكارهم عما يطمح كل منهم الى انجازه في اطار مهمة انقاذ العالم. احدهم تريفور هايلي جوويل أوزموند - الصبي الذي تعرفنا اليه في "الحاسة السادسة"، يقف عند اللوح الأسود في اليوم التالي ويرسم دائرة، ومنها ثلاثة خطوط لثلاث دوائر أخرى، ومن كل منها ثلاثة خطوط لثلاث دوائر لاحقة. ويشرح رسمه ذلك بقوله انه "متمثل في الدائرة المنفردة الأولى" إذا ما فعل خيراً لثلاثة أشخاص تمثلهم الدوائر الثلاث التالية وكل من هؤلاء الأشخاص فعل خيراً لثلاثة أشخاص آخرين. وتوالى الأمر على هذا النحو، فقدم كل من هؤلاء الثلاثة خيراً الى ثلاثة، ليعم الخير العالم بأسره. وينطلق الصبي للتطبيق، فيدعو متشرداً مدمناً المخدرات وبلا مأوى، الى النوم في مرأب البيت، وهذا ينقذ لاحقاً فتاة من الانتحار. ولكن في طي محاولة تريفور انقاذ العالم على هذا النحو، وبينما كان المبدأ ينتشر من دون علم منه، كانت خطوط علاقة عاطفية تنشأ بين الأستاذ وأم التلميذ هيلين هانت، وكل منهما لديه مشكلته. فهي تشرب كثيراً، وهو يخشى الارتباط بعلاقة عاطفية بسبب التشويه الذي يلف وجهه وجسده. لقد بنى عالماً آمناً له والمطلوب منه الآن كسر قوانينه والكشف، لا عن جسده فقط، بل وعن ماضيه الذي يحاول الاستئثار به وحده. فكرته نيرة متمثلة بالمبدأ الاجتماعي والأخلاقي الذي يبدأ الصبي بتطبيقه ويسري في المجتمع - ولو بعيداً من الشاشة - إذ نفاجأ بانتشاره في مشاهد لاحقة. ولكن ما يجعل تأثيره محدوداً عدم قدرة السيناريو للسلي ديكسون عن رواية لكاثرين رايان هايد على مزج جانبي الدراما جيداً. واختيارات السيناريو من الأحداث لا تتبلور على مستوى واحد مع الفكرة الأساسية. انها قصص جانبية صغيرة ومعهودة، ليس منها ما يمتزج جيداً مع الطرح الأرقى المنشود. تمثيل قوي من كيفن سبايسي قد يعيده الى واجهة الترشيحات. ولكن من غير المحتمل أن يؤدي به مجدداً الى الأوسكار. السيناريو مؤهل للتسابق في مجاله، لكن الاخراج ليس من العناصر المتقدمة. بحر القضايا القضايا الاجتماعية ستبقى أساسية في هذه المنافسة. وثمة آفلام تعزز هذا القول ليس "قدم خيراً" سوى واحد منها. ففي "تذكر التايتنز" كتابة غريغوري ألن هوارد واخراج بواز ياكين طرح للموضوع العنصري في اطار فكرة مثالية هي ميدان كرة القدم. الفيلم يفيد من ميدان الرياضة ومن الخلفية الواقعية ليطرح رسالة مناهضة للعنصرية. والحقيقة انه يستند الى تلك الأحداث، ويجعل رسالته تلك غير مباشرة، ما يريح أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية من مغبة تجيير مواقفهم مباشرة أيضاً. قصة أول مدرب رياضي دنزل واشنطن يتسلم مهمة قيادة أول فريق مختلط من البيض والسود الى النصر على رغم الخلافات الثقافية والاجتماعية العميقة بين الطرفين المناوئين. تمثيل واشنطن القوي، والجاذبية التي يمثلها، حتى بين البيض من المشاهدين، قد يرشحانه مجدداً الى خوض الأوسكار. أيضاً سيناريو "تذكر التايتنز" مؤهل لدخول المسابقة، لكن معالجة ياكين للفيلم، أسلوباً وتنفيذاً، تلقائية وآلية خالية من الإبداع والتحدي، ما يجعل من غير المحتمل مطلقاً وصول المخرج الى مستوى الترشيحات المقبلة. أيضاً في مجال الاقتباس من الواقع، وفي اطار الطروحات الاجتماعية والعنصرية تحديداً فيلم بعنوان "رجال الشرف" يتولى تقديم القصة الحقيقية لأول بحار أميركي أسود يصبح خبيراً أول في عمليات الغوص تحت الماء، ورحلته الطويلة والمضنية في سبيل اختراق سياج عالم بناه البيض حولهم في هذا التخصص. حتى السبعينات المرحلة نفسها التي تدور فيها أحداث "تذكر التايتنز" كانت البحرية الأميركية تعايش الأوضاع العنصرية الميدانية ولو على نحو مستتر. العلاقة دائماً كانت بين غالبية بيضاء مستقوية وقلة سوداء مغلوبة على أمرها. كارل براشير موضوع الشخصية المعنية التي يؤديها كوبا غودينغ أوحى بسيناريو جيد وضعه سكوت مارشال سميث وأخرجه الأفرو - أميركي جورج تيلمان. كارل كوبا ينخرط في البحرية فيُدلف به الى المطبخ مباشرة، لأنه المكان المثالي للبحارة السود آنذاك. لكن استعداده هو للغوص، وهو يندفع من دون إذن أحد لانقاذ بحار كاد يغرق، لفت الغواص الأول بيلي صنداي روبرت دي نيرو وان لم يُعر الأمر أهمية جادة. بإلحاح من كارل، تتم الموافقة على الحاقه بمدرسة لتعليم الغوص يشرف عليها بيلي الذي ليس أكثر من عنصري أبيض يدرك قوة كارل واستعداداته ويحاول تحطيمها حتى لا يصل الى المستوى المؤهل له. في احدى المرات يندفع كارل لانقاذ حياة شاب أبيض مرة أخرى، لكن التقدير يذهب الى رفاق ذلك الشاب بيض بموافقة بيلي الضمنية. في مرات أخرى يطلب بيلي من كارل أكثر مما يطلبه من الآخرين، وفي مشهد ذي دلالات نرى بيلي يساعد على إذكاء الشعور العنصري المنتشر بين طلاب المدرسة البحرية تلك، فيعزز انعزال كارل، لا بل يعاقب الشاب الوحيد الذي لم ينظر الى كارل على أساس لونه دور صغير جيد لمايكل رابابورت الذي نراه أيضاً في "مخدوعون" لسبايك لي. لكن تصميم الشاب هو سلاح قوته، والنصف الثاني من الأحداث هو اظهار كيف قاده ذلك التصميم الى النجاح حتى بعد حلول كارثة على الصعيد الشخصي، كان يمكنها ان تطيح كل جهود كارل لتحقيق المكانة التي يريد. ما ينشد الفيلم تقديمه الاشارة الى ان العنصرية التي كانت منتشرة على أرض المجتمع الأميركي في تلك المرحلة الستينات والسبعينات، وفي الهياكل العسكرية المختلفة، ولو دوماً متسترة. الفيلم جيد الناصية في هذا النطاق من الطرح، لكنه يتحول - كتابة واخراجاً - وسيلة لايصال رسالة توفيقية، حين انضمام بيلي الى جهود كارل. اخراجاً، هو أقوى سرداً وأكثر اتاحة لمساحات القراءة ضمن المشهد من الفيلمين الآخرين. تيلمان قد يجد نفسه بين المرشحين الرسميين في المسابقة، العام المقبل، وان كان فوزه بالأوسكار سيرتبط بفوز الفيلم على منافسيه. انه ليس المخرج الذي قد يفوز اذا أخفق الفيلم نفسه في الفوز أو لا. الى الآن، يدور فيلمان من الثلاثة المعروضة "تذكر التايتنز" و"رجال شرف" في محيط الستينات والسبعينات وقضاياه. الستينات هي الحقبة التي تتكون فيها القضايا وبينها العنصرية الى الظهور، وتحولت أرضية ثورة اجتماعية ضمن النظام نفسه. والسبعينات هي الحقبة التي ارتاحت فيها تلك الثورة، بعدما حققت ما بدا لها انتصارات واضحة: اطلاق القوة السوداء من معاقلها السابقة وكسر حاجز العلاقة العنصرية القائمة، الانسحاب من فيتنام واثارة الريب في هيكلية النظام السياسية بسقوط ريتشارد نيكسون نتيجة ممارساته وأساليب عمله. وبينما يقع "رجال شرف" في محيط البحرية الأميركية، يتقدم "تايغر لاند" ليروي قصة عسكرية تقع في محيط الجيش. فهو يتناول التدريبات الشاقة التي يخوضها المجندون حديثاً، تمهيداً لارسالهم الى الحرب الفيتنامية، والعنف المتمثل في رحى تلك التدريبات، والمشاعر العنصرية التي تشق الصف ولو ان الموضوع العنصري ليس الواجهة الأولى. ويشمل أيضاً الجانب النفسي المتبدي في رسم الشخصيات والمعالجة العامة للعمل. "تايغر لاند" هو اسم المعسكر المقام في بعض أنحاء الولاياتالمتحدة للتدريب الشاق. انه، كما يعلمنا الفيلم، الجحيم الذي ينتظر المجندين قبل انتقالهم الى الجحيم الأكبر في فيتنام. بطل الفيلم هو رولاند بوز الجديد كولين فارل الأكثر ثقافة وفهماً بين أترابه. انه يعرف ما ينتظر الجميع ويعارض الحرب، لا بل يوفر لعدد من رفاقه سبل التهرب من الخدمة. وفي الوقت نفسه، يواجه تلك الأحقاد والضغائن الصغيرة - الكبيرة في المؤسسة: تعنت بعض الضباط وعنصرية رفاق بيض له ضد رفاق سود. ويجلب، بسبب كل ذلك، ضغينة مجند معيّن تصل الى حد محاولة الأخير قتله. انها صورة داكنة لتلك المؤسسة العسكرية، يرسمها المخرج جوويل شوماكر عن سيناريو لروس كلافان ومايكل ماكارثر. وشوماكر حال شبه خاصة بين السينمائيين الأميركيين العاملين اليوم، إذ انه بدأ بأفلام صغيرة "مثل "نيران سانت إلمو" و"الفتيان الضائعون" ثم ولج الكبيرة باتمان وروبين"، و"وقت للقتل" الخ...، قبل ان يعود الآن الى مثلها "بلا هفوات" و"تايغرلاند". وهو في رحلته لفت دوماً الى اختياراته من الأفلام، سواء حقق فيها مقداراً من النجاح الفني أو عسكت فشله الذريع على هذا الصعيد. في "تايغرلاند" يعمل بعناد على عرض ملكاته الفنية ودفعها في وجدان مشاهديه. انه يريد تلقيم المتفرج انفعالات شخصياته وحركات الكاميرا ودراياته الفكرية والنفسية، ليثبت انه مخرج فني يعتمد عليه، حين البحث عن فيلم جيد. لكن هذا الإثبات هو طريقه المعاكسة أيضاً، لأنه يأتي مفتعلاً وخالياً من الإبداع. القصة نفسها التي تقع هنا في ساعتين، كان ستانلي كوبريك ألف منها نصف فيلمه الفيتنامي الرائع "سترة معدن كاملة" وتفوق. وفي اطار الحقبة التاريخية نفسها، يتقدم "تقريباً مشهور" ليتحدث عن واحد من معالمها: الروك أند رول. في السبعينات انتقلت تلك الموسيقى من مدرستها القديمة ألفيس برسلي وتشاك بيري الى حيزها الجديد المعبر عن سمات العصر واهتماماته. وأصبحت أكثر نضجاً وتلويناً وانتشاراً. في هذا العالم من الموسيقى الصاخبة والتجسيد المازج بين الحرية السياسية والحرية الشخصية درجة الانفلات، يضع كاميرون كراو مادة فيلمه هذا عن ذكريات عايشها بنفسه: قصة صبي التحق بفرقة غنائية أفرادها أكبر منه كي يكتب تحقيقاً صحافياً لمجلة "رولينغ ستون". الفيلم عن مشاهداته ومعايشاته، وكلها غير جارحة، حتى للمحافظين من المشاهدين، وتتوخى نقل العالم المثار على الشاشة بألوان زاهية وفرحة، في وقت تحاول ان تكون صادقة في ما يتعلق بخلجات الصبي ومتابعاته، كونه في ذلك تجسيداً للمخرج نفسه كما اعترف في أحاديثه. ورسالة الفيلم تبدو، في دعوتها الى ترك الصبي يفعل ما يريد. "اتركوا الصبي يفعل ما يريد" هو أيضاً مجال فيلم يتوهج أملاً بأن يخترق المسابقات الأوسكارية القريبة. انه "بيلي ايليوت" للبريطاني ستيفن دولدري: الصبي بيلي يهوى رقص الباليه، لكنه يواجه معارضة أبيه وغضبته. هذا الأب محافظ ومثل روبرت دي نيرو المحافظ في "بلا هفوات" وكل محافظ آخر يجب ان يكون على خطأ، يرى ان رقص الباليه من شيم الفتيات فقط. يريد ابنه ان يكون قوياً وان يتدرب على رياضة مثل الملاكمة، تليق بجنسه. في النهاية ينتصر الصبي وخط سيره ويتراجع الأب عن موقفه وينقاد. تقع أحداث "بيلي ايليوت" في الثمانينات، أيام تسببت سياسة مارغريت ثاتشر بمواجهة بين بريطانيا العمالية ذات التقاليد الاشتراكية، وسياسة النظام الجديد الآيل الى تحويل البلاد ممارسة رأسمالية حديثة. لكنها مواجهة تبقى من لوازم الزينة ولا تتحول طرحاً اجتماعياً مهماً. ولن يشعر النقاد الغربيون الذين أعجبوا بالفيلم بذلك الا حين مقارنته بفيلم ثالث يدور على صبي آخر هو "ايجاد فورستر". هذه أفضل دراما عن العلاقات بين البيض والسود. وأفضل دراما عن الارتقاء الذاتي والاجتماعي بين كل ما عرض هنا. المخرج غس فان سانت لم يقدم في تاريخه فيلماً ناصعاً وجاداً وحميماً على هذا النحو: قصة صبي أسود ومثقف أبيض عجوز شون كونيري يتعلم كل منهما قيماً خاصة لم يكن يعرفها في الآخر. وقد يبدو أقل تحدياً من أفلام أخرى، لكنه أكثر غوصاً منه في الواقع ومن دون تزيين ومواقف توفيقية.