يقود فيلم "جمال أميركي" الأفلام المرشحة لجوائز غولدن غلوب بالنسبة لعدد المسابقات التي رشح فيه وهي ستة. يتبعه كل من فيلم "الداخلي" و"السيد ريبلي الموهوب" خمسة لكل منهما ثم "ان تكون جون مالكوفيتش" و"نهاية علاقة" أربعة للفيلم الواحد وبعد ذلك ثلاثة عشر فيلماً سينمائياً، علماً بأن هناك جوائز تلفزيونية بالنسبة للبرامج كما بالنسبة للأفلام التي صنعت خصيصا للشاشة الصغيرة. وفي الثالث والعشرين من هذا الشهر تتم الحفلة السنوية لهذا العام والتي يحضرها سينمائيون اميركيون وعالميون وتبثها محطات تلفزيونية اميركية وعالمية وتترقبها الوكالات الصحافية تماماً كما تفعل في نهاية دورة حافلة في مهرجان "كان" او مع حفلة الأوسكار التي تمنح في الأسبوع الأخير من الشهر الثالث من كل عام. تقوم "جمعية مراسلي هوليوود الأجانب" بمنح جوائز غولدن غلوب في حفلة سنوية بعد انتخابات تتم مباشرة بين أعضائها 82 عضوا الذين يمثلون نحو 75 بلدا بينها لبنان ومصر والكويت يمثلهما عضوان. والجائزة ليست جديدة او مستحدثة، بل انطلقت للمرة الأولى في العام 1943 ولا تزال مستمرة الى اليوم من دون إنقطاع، شأنها في ذلك شأن "العم الأكبر" الأوسكار. وبطبيعة الحال لم يخل هذا التاريخ من مواقع حادة في مقدمتها انقلاب موقف هوليوود من الجمعية وجوائزها 180 درجة من الرفض والهزء بها، الى السعي لنيل رضى أعضائها ومعاملتها معاملة متميزة بين ألوف الصحافيين والنقاد المحليين أو العالميين غير المنتمين الى الجمعية. وتشمل هذه المعاملة، تخصيص عروض سينمائية قبل العرض العام، بل قبل العرض الخاص للصحافة المحلية أحياناً، وإقامة مؤتمرات صحافية وتسهيل المقابلات بين المخرجين والممثلين وبين اعضاء الجمعية طوال أسابيع السنة، ثم دعوة الصحافيين الى أماكن التصوير والى بعض المهرجانات المحلية والعالمية. وتزداد درجة الإعتناء بالناقد او الصحافي المنتمي الى هذه الجمعية مع اقتراب الانتخابات في الشهرين الأخيرين من العام اذ يتم ارسال الهدايا وأدوات الترويج التي لها علاقة بالأفلام المقبلة على الترشيح وذلك من باب تزكية تلك الأفلام. معظم هذه الهدايا من النوع الذي لا قيمة كبيرة له والذي تسمح الجمعية بقبوله لأنه كذلك حقائب، أقلام، مفكرات، قمصان، أشرطة فيديو... الخ، وكلها تحمل أسماء الأفلام التي تروج لها. وحين الخروج عن مبدأ تحديد قيمة هذه الهدايا بأدنى ما يمكن لها تقوم الجمعية برفض الهدايا حتى لا تعتبر رشوة. وهذا العام فوجيء هذا الناقد، كما فوجيء باقي أعضاء الجمعية بوصول ساعة فضية تبلغ قيمتها400-500 دولار الى البيت مشفوعة برسالة خاصة من شارون ستون المرشحة عن دورها في فيلم "الملهمة" The Muse تتمنى فيها "أوقاتا سعيدة وأعيادا هنيئة" فما كان من رئاسة الجمعية الا أن طلبت من كل الأعضاء تسليم الساعات الى مركز الجمعية لإرسالها الى الشركة التي قامت بمهام التسليم حفاظا على صيت الجمعية. ولبى جميع الأعضاء الطلب بإستثناء ثلاثة كانوا خارج البلاد ولم يستلموها. على عكس جائزة الأوسكار تقوم "الغولدن غلوب" بالتفرقة بين الأفلام الدرامية وتلك الكوميدية وبين ممثلي كل من هذين النوعين. بالتالي، فإن هناك جائزة لأفضل فيلم درامي وأخرى لأفضل فيلم كوميدي او موسيقي علاوة عن جائزة ثالثة لأفضل فيلم أجنبي ورابعة لأفضل فيلم صنع خصيصا للتلفزيون. اي أن هناك 4 جوائز غولدن غلوب تمنح في أربع مجالات كل منها متقدم الآن بخمسة ترشيحات يتم، حين كتابة هذه الأسطر، فرز الأصوات تمهيداً لإعلان الفيلم الفائز في كل مجال منها. هذا العام، نجد أن الأفلام الدرامية التي شقت طريقها الى ناصية الترشيحات الرسمية هي: - "جمال أميركي" لسام منديز: مادة اجتماعية صلبة عن العلاقات في إطار العائلة الواحدة - "نهاية علاقة" لنيل جوردان: اقتباس داكن لرواية غراهام غرين الذاتية. - "الإعصار" لنورمان جويسون: قصة واقعية لملاكم أسود سجن عشرين سنة لتهمة هو بريء منها تماماً. - "الداخلي" لمايكل مان: دراما واقعية حول تراجع محطة تلفزيونية في بث مقابلة تدين إحدى شركات التبغ خوفا على مصالح المحطة المنتظرة. - "السيد ريبلي الموهوب" لأنطوني منغيلا: اقتباس مثير لحكاية باتريشيا هايسميث البوليسية. الفيلمان الممتازان اللذان لم يصلا الى هذه الترشيحات هما "ثلاثة ملوك" لراسل أو ديفيز و"توبسي تيرفي" لمايك لي. لكن "جمال أميركي" حاز، على سبيل المثال، جائزة "الجمعية الوطنية لنقاد السينما"، بينما حاز "الداخلي" على جائزة جمعية نقاد لوس أنجيليس. أفلام أخرى كان متوقعا لها الوصول الى هذه المرحلة ولم تصل بالتالي تواجه مرحلة أصعب في ترشيح نفسها للأوسكار المقبل "مانغوليا" لبول توماس أندرسون و"رماد أنجيلا" لآلان باركر و"الثلج يهبط على الأرز" لسكوت هيكس. وهناك انتاجات عديدة أخرى في عام لم يكن بخيلا في الجيد من الأعمال. أما في نطاق الأفلام الكوميدية او الموسيقية فنجد "حلل هذا" لبول وايتز كوميديا عن المافيا، "أن تكون جون مالكوفيتش" لسبايك جونز كوميديا سوريالية عن التسلل الى دماغ الممثل جون مالكوفيتش، "رجل على القمر" لميلوش فورمان قصة حياة الكوميدي آندي كوفمان، "نوتينغ هيل" قصة حب خفيفة بين ممثلة وصاحب مكتبة اخرجها البريطاني روجر ميتشل و"قصة لعبة2" رسوم متحركة. أفضل هذه المجموعة هو "أن تكون جون مالكوفيتش" ليس من حيث التنفيذ بل من حيث الجرأة على تقديم فيلم لا علاقة له بالسائد من المضامين او الأشكال التعبيرية. ينطلق من فكرة غريبة ويستمر على منوالها. فيلم "رجل على القمر" الذي هو منافس رئيسي هنا، أقل أفلام ميلوش فورمان إجادة بسبب تنفيذه لسيناريو يجيز لنفسه شطحات خيالية عدة حين تناول حياة كوميدي لم يكن مميزاً الا بدرجة عدائيته لجمهوره. وعلى حسنات "نوتينغ هيل" إلا أنه ليس أكثر من مادة عاطفية جميلة. ربما "قصة لعبة2" هو الفيلم الأكثر فنا ومتعة في ذات الوقت. بالنسبة لأفضل فيلم أجنبي فإن الأفلام الكثيرة التي تنافست تبلورت عن الأعمال الخمسة التالية: من المانيا "آيمي وجاغوار" الذي افتتح مهرجان برلين في العام الماضي: دراما حول علاقة شاذة بين المانية مسيحية ويهودية خلال الحرب العالمية الثانية. اخراج ماكس فاربربوخ. من اسبانيا "كل شيء عن أمي" لبدرو ألمادوفار وهو الفيلم المتوقع له الفوز بسبب ما يحاط به من تمهيدات وردات فعل ايجابية. هذا الفيلم حاز على جائزة أفضل فيلم من الأكاديمية الأوروبية في الشهر الماضي وعلى خمسة جوائز من خمس جمعيات نقدية اميركية بالإضافة الى جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان "كان" سابقا. ومن فرنسا فيلمين: "شرق غرب" لريجبيس فارنييه: مأساة زوجة فرنسية لطبيب روسي كان غادر بلاده إبان الحكم الستاليني ثم عاد مصدقاً وعود السلطة برغادة العيش. و"فتاة على الجسر" لباتريس ليكونت، دراما عاطفية مفعمة بالجمال صورت بالأبيض والأسود. ومن كندا فيلم "الكمان الأحمر" لفرنسوا جيرار لا تتبع هذه المسابقة التقسيم السابق، بل يتم إجمال المخرجين للأفلام الخمسة عشر المذكورة في قسم واحد بصرف النظر عن هوية الفيلم كوميدية كانت أم درامية. والعادة جرت على أن ينال مخرجو الدراما أولوية في الترشيحات هنا وهذا العام ليس مختلفاً. سام منديز "جمال أميركي"، نيل جوردان "نهاية علاقة"، مايكل مان "الداخلي" ونورمان جويسون "الإعصار" وانطوني منغيلا "السيد ريبلي الموهوب" هم من وردت أفلامهم في اطار مسابقة أفضل فيلم درامي. الأمر يختلف قليلا بالنسبة لكتابة السيناريو من حيث وجود أسمين لكاتبين لم يتم ترشيح فيلميهما هما جون ارفينغ عن "قوانين عصارة التفاح" عن روايته وم. نايت شيامالان عن "الحاسة السادسة" وهو سيناريو كتبه خصيصا للسينما وقام بإخراجه. الباقون في هذا القسم هم آلان بول عن "جمال اميركي"، تشارلي كوفمن عن "أن تكون جون مالكوفيتش واريك روث ومايكل مان عن "الداخلي". عدد الممثلين الذين توزع عليهم جوائز الغولدن غلوب هو ستة في ستة حقول: أفضل ممثل في فيلم درامي، أفضل ممثلة في فيلم درامي، أفضل ممثل في فيلم كوميدي، أفضل ممثلة في فيلم كوميدي ثم أفضل ممثل وممثلة مساندين. النسيج الناتج عن هذه السعة واسع ومتعدد ويشمل العديد من المواهب الجديدة والقديمة. والمؤكد أن الجمعية لا تركض وراء الأسماء الكبيرة لمجرد لمعانها وحضورها. مثلا اختفى هذا العام توم هانكس الذي قاد بطولة "الميل الأخضر" كما اختفى آل باتشينو الذي نراه في فيلمين جديدين هما "الداخلي" و"أي يوم أحد" جديد المخرج أوليفر ستون، كذلك ليس هناك ذكر اميلي واتسون عن "رماد أنجيلا" أو وينونا رايدر عن "فتاة مقاطعة" احد أفضل ادوارها منذ زمن بعيد وكذلك لعدد كبير من المواهب التي قدمت بعض أفضل إداءاتها هذا العام عنوة عن أعوام أخرى عديدة. - أفضل ممثل في فيلم درامي: راسل كرو عن "الداخلي": يؤدي هذا الممثل الاسترالي الذي قدمه الينا فيلم "سري لوس أنجيليس" قبل أربع سنوات، دور الموظف السابق في إحدى شركات التبغ الذي يراهن على حياته العائلية وعلى مستقبله كله في سبيل كشف الحقيقة. تشخيصه لفت الأنظار بسبب دخوله عمق الشخصية التي يؤديها بلا تحفظات. آل باتشينو، شريكه في البطولة، هو أيضاً ممثل جيد، لكنه هنا استند الى معينه الكبير من الخبرة من دون أن يضيف اليه جديدا. كرو نال جائزة جمعية نقاد لوس انجليس والجمعية الوطنية للنقد. مات دامون عن "السيد ريبلي الموهوب": يخاطر هذا الممثل الشاب بالصورة الايجابية التي رسمها لنفسه من خلال تمثيل أدوار الفتى الطيب والبريء، منتقلاً إلى صورة داكنة من شخصية الرجل الذي تقوده نوازعه الداخلية الى الجريمة. ريتشارد فارنسوورث عن "قصة سترايت": لا يعتبر هذا الممثل العجوز نفسه ممثلا. كان فارسا في ميادين "الروديو" ركوب الجياد المتوحشة قبل أن يصبح ممثلا من المجاميع، ثم ممثلاً ناطقاً في عدد من الأدوار المساندة وأقل منها من أدوار البطولة، وعندما اعتقد أنه عاد الى مزرعته طلب منه المخرج ديفيد لينش أن يقوم ببطولة هذا الفيلم. لولاه، يلحظ المرء وهو يتابعه على الشاشة، لما كان هناك فيلم. انه يحمل مضمونه البسيط والعميق معا الى النهاية وبمفرده. فارنسوورث خطف جائزة جمعية نقاد نيويورك التي أعلنت قبل أسابيع قليلة. كيفين سبايسي عن "جمال أميركي": يقدم أحد أفضل إداءاته الى اليوم. الرجل الذي يفيق على اشلاء أحلامه الماضية ليجد نفسه مدفونا وهو بعد حيا. دنزل واشنطن عن "الإعصار": قوة إداء دنزل في هضمه الشخصية على نحو لا يمكن مزاحمته فيها. انفعالاته الكبيرة محدودة، وتلك الصغيرة التي يعبر عنها همساً أو بأقل حركة ممكنة هي القوية. لولاه لواجه المخرج نورمان جويسون صعوبة جمة في تطوير فيلمه هذا على النحو المنشود. في هذه المسابقة نجد روبرت دي نيرو مرشحاً عن "حلل هذا" وهو أفضل ما في الفيلم، كذلك جيم كاري عن "رجل على القمر" وهو - بالتأكيد - أفضل ما فيه. روبرت ايفيريت عن ذكاء تجسيده دورا رسمه اوسكار وايلد في مسرحية "الزوج المثالي". هيو غرانت انكليزي كإيفيريت عن دوره في "نوتينغ هيل" جيد انما من دون تجديد وشون بن عن دوره في "حلو ومتواضع". بن هو الإختيار الشخصي على أساس من أن هذا الممثل لا يحاول أن يمثل للكاميرا، كما يشترك جميع المذكورين هنا على نحو او آخر، بل يتجاوزها تماماً. نجد آنيت بانينغ عن "جمال اميركي" تلعب دور الزوجة التي فقدت العلاقة الضرورية مع الحياة الزوجية. المرأة الغائبة في طيات طموحاتها المشروعة وغير المشروعة عن مسؤولياتها المختلفة. وتطالعنا سيغورني ويفر في "خريطة العالم" لاعبة دور امرأة عادية جداً وهذا نوع من الإداء على الراغبين فيه التمتع بصلاحيات معينة لعكسه كما يجب. ويفر تفعل ذلك بلا حدود وتذوب في الشخصية ذات الوضع المأسوي. هيلاري سوانك، هي أصغر المرشحات سنا وفي فيلم "الفتيان لا يبكون" تقدم إداء مقبولاً، في فيلم يحصد إعجاباً نقدياً أعلى مما يستحق. سوانك فازت بأربع جوائز من أربعة محافل نقدية اميركية حتى الآن. جوليان مور، التي لعبت في أفلام كثيرة من بينها "الزوج المثالي"، مرشحة عن دورها في "نهاية علاقة": المرأة المتزوجة التي وقعت في الحب ثم قررت التوقف عن خيانة زوجها انما انعكاسات العلاقة تلاحقها وتعذبها أيضاً. الشخصية مثيرة وغنية، لكن المخرج نيل جوردان ليس أفضل من يدير ممثلة. وأخيراً في هذه المسابقة هناك ميريل ستريب عن دورها في "موسيقى من القلب" وهي مثل باتشينو، جيدة دوما، لكن التجديد غير وارد بالضرورة. جوليان مور مرة أخرى انما في نطاق فيلم "الزوج المثالي" تتنافس وجوليا روبرتس عن دورها في "نوتينغ هيل" وشارون ستون عن دورها في "الملهمة". والثلاثة يتنافسن ضد ممثلتان حديثتان نسبياً: ريز ويذرسبون عن "انتخاب" وجانيت ماكتير عن "اعشاب برية". ولا تخلو مسابقة الممثلين والممثلات المساندين من زخم التنافس والإثارة: كاميرون دياز عن وكاثرين كينر كل عن دورها في "أن تكون جون مالكوفيتش"، الممثلة الجديدة التي تبرهن سريعا عن أنها أكثر من وجه مشرق انجلينا جولي عن "فتاة مقاطعة" وسامنتا مورتون عن دورها كفتاة خرساء في فيلم "حلو ومتواضع" ثم ناتالي بورتمان عن "في أي مكان عدا هنا" تلعب إبنة سوزان ساراندون التي غابت عن الذكر و كليو سيفيني عن دورها في "الفتيان لا يبكون". على الصعيد الرجالي نجد مايكل كين يقود المجموعة بإدائه البارز في "قوانين عصارة التفاح" وتوم كروز عن دوره المساند في "ماغنوليا" دور جديد عليه تماما وجد لو عن دوره الجيد في "السيد ريبلي الموهوب" مع الفتى هايلي جوويل أوزمنت ابن العاشرة عن "الحاسة السادسة". لكن الممثل الذي يستحقها لأنه يقدم على أهم عمل له والفيلم/ الدور الذي قد لا يجد مثيلا له في المستقبل هو مايكل كلارك دانكن: عملاق أسود لعب في بضعة أفلام أدوارا مساندة منها أمام بروس ويليس لكنه في "الميل الأخضر" يخطف الأنظار عن ممثلين أقوياء مثل توم هانكس وديفيد مورس بصدق أحاسيسه. بقي يومان على إعلان النتائج فلنترقب.