اليوم الأحد تُدرك هوليوود أي فيلم سيفوز في مسابقة "الغولدن غلوب" فتعززت فرص فوزه في جوائز الأوسكار المقبلة. وفي حفل كبير يقام في "هيلتون بيفرلي هيلز" وتبثه شاشة الNBC الأميركية حيا كما تفعل محطة ABC مع الأوسكار في الحادي والعشرين من شهر آذار / مارس المقبل تعلن نتائج المسابقة ال"غولدن غلوب" ويتم اختيار أفضل الافلام وأفضل المواهب السينمائية، وأفضل البرامج والمواهب التلفزيونية في العديد من الأقسام. في العام الماضي بلغ عدد المشاهدين الاميركيين 24 مليوناً و300 الف مشاهد ما جعل الحفلة ثالث أكثر البرامج الاحتفالية نسبة لعدد المشاهدين مباشرة من بعد الاوسكار وجوائز غرامي الموسيقية. من الغولدن غلوب تنتقل نصف الافلام والمواهب المتسابقة على الأقل، لخوض معركتها التالية عندما تعلن أكاديمية العلوم والفنون السينمائية ترشيحاتها الرسمية. ليس فقط ان هذه الترشيحات الرسمية تتضمن العديد مما جرى ترشيحه في جمعية الصحافة الاجنبية، بل ان الكثير من الافلام الشخصية التي تفوز بالأوسكار هي من بين التي فازت بالغولدن غلوب، وهذا ما يجعل للمعركتين أهمية مطلقة بالنسبة للوسط السينمائي في هوليوود الذي ينطلق منذ مطلع الخريف في موجة عارمة من الترويج الدعائي لأفلامه بين اعضاء الجمعية، ثم وحالما تعلن هذه ترشيحاتها الرسمية، تقوم هوليوود بتحويل الموجة الجديدة، مستفيدة من النتائج المعلنة، الى اعضاء اكاديمية العلوم والفنون السينمائية، مانحة الاوسكار. عملياً، هذه ستة اشهر من العام تقريباً يمضيها مسؤولو الاعلام والترويج في شركات هوليوود الصغيرة منها والكبيرة في فرض طوق من الحملات الدعائية على اعضاء الجمعيتين لحملهم على اختيار هذا الفيلم أو ذاك. وهي ذاتها الاشهر الستة التي تعيشها هوليوود في حمى معركتين هما من أهم وأكبر المعارك السينمائية في العالم. هنا نظرة على عدد من الافلام التي اختيرت لجوائز "غولدن غلوب" وتلك التي من المؤكد دخولها سباق الاوسكار الذي تعلن ترشيحاته الرسمية في التاسع من شباط / فبراير المقبل. قلة من هذه الافلام كنا تطرقنا اليها سابقاً، لكن معظمها جديد لم يتم عرضه من قبل عربياً أو على هذه الصفحات. "الخيط الأحمر النحيف" **** - بعد غياب عشرين عاماً عن السينما يعود المخرج ترنس ماليك بفيلم لا يقل عن مستوى تلك التحف التي عهدناها سابقاً من الروسي ألكسندر زوخوروف "أم وإبن والياباني الراحل كنجي ميتزو غوشي أو الفرنسي آلان رنوار وغيرهم. انه فيلم حربي آخر والثاني خلال عام واحد من بعد "إنقاذ الجندي رايان" لستيفن سبيلبرغ. والمقارنة بن هذين الفيلمين لا مهرب منها: فيلم سبيلبرغ الماهر سينمائياً والمتعب عاطفياً هو أفضل إنجاز حققه هذا المخرج باعتماد اللغة الفنية والتعبيرية المستخدمة، اي من دون الانزلاق في ما يدعو أو لا يدعو الفيلم اليه. لكن "الخيط الاحمر الرفيع" يتجاوز فيلم سبيلبرغ بأشواط بعيدة. انه لا يسرد قصة غزو غوادا كانال لجزيرة الاسيوية التي كان يحتلها اليابانيون في الحرب العالمية الثانية فقط، بل يتحدث بإمعان مقصود وبتأملات فلسفية لا حصر لها، عما توفره الحرب اي حرب من مناسبات إمعان في الانسان والحياة والموت وكل ما بين هذه الابعاد الثلاثة من مسافات. انه الفيلم الحربي المثالي للمثقفين ومحبي الفن قبل المادة. العمل الذي ينجلي عن قوة ماليك الباهرة لا في رصف المشاهد المتوترة لوقائع الحرب وتفاصيل معاركها فحسب، بل ايضاً في رسم صورة شاعرية / فلسفية وجمالية للمحيط تتبدى من خلاله قراءات متتالية عادة ما لا تكترث لها الافلام الحربية الأميركية ونجدها فقط في عملي ستانلي كوبريك "سترة معدنية كاملة" وفرنسيس فورد كوبولا "سفر الرؤيا... الآن". "إنقاذ الجندي رايان" **** - لم يتم ترشيح "الخيط الأحمر النحيف" لجوائز غولدن غلوب لانه ورد متأخراً، لكن "أنقاذ الجندي رايان" كان لديه كل الوقت لكي يتمتع بالساحة وحيداً. وقد يفوز بالجائزة التي تمنحها "جمعية صحف هوليوود الأجانب" في ميدان أفضل فيلم درامي عنوة على الافلام الاخرى المنافسة: "اليزابث"، ألهة ووحوش"، "استعراض ترومان" و"هامس الحصان". الفيلمان الاولان من هذه المجموعة من تلك المستقلة الصغيرة والجيدة جداً بينما التاليان، "استعراض ترومان" و"هامس الحصان" من تلك الانتاجات الرئيسية كشأن "إنقاذ الجندي رايان". وأقوى المنافسات تكمن في "اليزابث" لشيغار كابور و"استعراض ترومان" لبيتر وير. واذا كان من شبه المؤكد دخول "الخيط الاحمر الرفيع" مسابقة الأوسكار وانضمام "بولوورث" لوورن بايتي و"استعراض ترومان" اليها، فان المنافسة التي يواجهها فيلم سبيلبرغ تبدو أقوى، خصوصاً اذا ما خسر المواجهة أمام "استعراض ترومان" واذا ما ربح "بولوورث" جائزة "غولدن غلوب" كأفضل فيلم كوميدي تفصل الجمعية بين الافلام الدرامية والافلام الكوميدية أو الاستعراضية في مسابقاتها، بينما يضع الاوسكار كل الانواع في سلة اختيار واحدة. مشكلة "انقاذ الجندي رايان" عاطفية في الاساس: هذا مخرج متحمس جداً لكل ما هو يهودي ومعادٍ بوضوح للرموز الألمانية حتى ولو كانت على هيئة جنود يتبعون أوامر عليا. وأحد نقاط الاختلاف بينه وبين فيلم ترنس ماليك هو ان رسالة ماليك الاساسية تساوي بين الجلاد والضحية، بينما يفصل سبيلبرغ بينهما على نحو ما كانت تفعل افلام الخمسينات من ذلك النوع. لكن هذا لا يعني مطلقاً ان الفيلم ساذج او انه ركيك وضعيف على اي حال. ومن يعرف قليلاً في حقل الاخراج يدرك ان سبيلبرغ بذل جهداً لم يبذله كثيراً من قبل لاتقان واقعية المعارك ولتصويرها كما لو ان الكاميرا كانت هناك وسجلت ما نراه. إلمام كامل بالمفردات التقنية التي تؤدي الى الصورة المطلوبة ضمن اسلوب عرض مبهر. "بولوورث" ***** - كان "بولوورث" خرج الى الصالات في صيف العام الماضي وحصد نجاحاً محدوداً جداً من قبل ان يُطمر عليه التراب. فيلم وورن بايتي الرائع سينما من السخرية السياسية القائمة بذاتها. وكما ان بطله السيناتور بولوورث بايتي ممثلاً المرشح لانتخابات الرئاسة، يُصاب بلذعة إفشاء الحقيقة كاملة منتقداً هوليوود والكونغرس والنظام الانتخابي وتكريس الاوضاع المعيشية البائسة للأفرو - اميركيين وسياسة أميركا نحو العالم العربي، فان بايتي - مخرجاً لم يكن يستطيع الا ان يجاري الشخصية التي يلعبها. وعوض ان ينتهي بمشهد يعيد التوازن ضمن لعبة النهاية السعيدة، او ينتقص مما سبق بالحفاظ على خط الرجعة، ساند بايتي، الذي كتب السيناريو ايضاً، شخصية بولوورث حتى المشهد الاخير من دون تنازلات ليطلق أهم فيلم أميركي سياسي في التسعينات كلها. وكانت مفاجأة لهوليوود، ولبايتي نفسه، ان تذكرت جمعية الصحف الاجنبية فيلمه الرائع وضمنته ثلاث مسابقات أفضل فيلم كوميدي، أفضل اخراج وأفضل سيناريو ما دفع شركة فوكس المنتجة لتبني حملة اعلانية جديدة لتعزيز احتمالات دخوله مسابقة الاوسكار ايضاً، وأعادت طرحه في السوق التجاري ايضاً. "شكسبير في الحب" **** - مع "بولوورث" في مسابقة أفضل فيلم كوميدي "قناع زورو" و"شيء ما حول ماري" و"لا يزال مجنونا" و"باتش أدامز" و"شكسبير في الحب" المجموع ستة افلام وليس خمسة كما جرى التقليد. والاخير هو ثاني أفضل هذه المجموعة. جون مادن، الذي أخرج قبل عامين "مسز براون" يعود الى الفترة الملكية البريطانية في القرن السادس عشر أيام حكم الملكة اليزابث التي تؤديها هنا جودي دينش بطلة "مسز براون" ليقدم من خلالها قصة خيالية لا تستند الى الواقع كثيراً عن ويليام شكسبير. الكاتب العالمي الرائع في أزمة خلق. انه لا يستطيع كتابة عمل جديد رغم محاولاته ووعوده. لكن هذا يتغير عندما يلتقي بفيولا، المرأة الشابة وهي على أهبة الزواج من اللورد ويسيكس وتحب التمثيل وتتنكر في زي صبي لتؤدي دور فتاة في مسرحية وضع شكسبير خيوطها الأولى ويحاول عبثاً إكمالها. حينما يكتشف شكسبير حقيقتها يقع في حبها والحب يفتح عروق الابداع في دماغه فيكتب، تبعاً لما يتولى الفيلم سرده، رائعته "روميو وجولييت". الفيلم نسيج رائع من الخيال القصصي والشخصيات الحقيقية مزود بحفنة من الممثلين الجيدين في مقدمهم جوزف فاينس شقيق راف - الضابط النازي في "قائمة شيندلر وغوينث بولترو في دور فيولا. وميدان السرد يتنقل ما بين "بروفات" المسرحية ذاتها ثم ما ين تقديمها فعلاً على خشبة المسرح لجمهور الفترة، وبين ما يحدث من مفارقات بين شكسبير وفيولا واللورد ويسيكس كولين فيرث وقيام الاخير باغتيال الكاتب كريستوفر مارلو دور صغير لروبرت ايفيريت معتقداً انه شكسبير. هذه شطحة تاريخية يسمح بها كاتبا السيناريو المسرحي توم ستوبارد ومارك نورمان اذ ان ظروف مقتل مارلو في العام 1993 تشير الى ورطة كاتب آخر هو توماس كيد ولا علاقة لشكسبير بها. "قضية مدنية" **** - هذا فيلم تجاهلته جمعية صحف هوليوود الاجنبية والغالب ان الأوسكار سيتبناه، كشأن "الخيط الاحمر النحيف" انه الفيلم الاول للكاتب ستيفن زيليان الذي سبق أن كتب سيناريو الفيلم الذي منح سبيلبرغ اول أوسكار له "قائمة شيندلر". وهو كشأن فيلم "باتش أدامز" المرشح من دون جدارة لجائزة غولدن غلوب في مجال الفيلم الكوميدي، مأخوذ عن شخصية واقعية وجملة من الاحداث المتصلة بما وقع فعلاً: محام اسمه يان شليتمان يؤديه جيداً جون ترافولتا يتبنى قضية تقدمت بها ثماني عائلات خسرت أفراداً لها نتيجة طمر مخلفات كيماوية في أرض قريبة لوّنت مياه الشرب. يحلم المحامي بنجاح مادي كبير مقرونا، بالتدريج، مع شعوره بالغبن الذي أصاب تلك العائلات وضرورة انتصار القضاء لها. وفي سبيل حلمه المتحوّل الى ايمان، يخسر، وشركاءه توني شلهوب، ويليام مايسي وزيليغو ايفانيك قضاياهم الاخرى، ثم يرهنون بيوتهم وممتلكاتهم حتى يصلوا الى اقفال المكتب بعدما سقطت القضية في المحكمة بفعل محامي الشركة الصناعية العملاق روبرت دوفول وعدم حياد القاضي ومنع المحلفين من اعتماد أدلة الاتهام والتأثير على شهادة المرأة التي فقدت ابنها كاثلين كوينلين. شليتمان الذي كان رفض عرضاً بأكثر من عشرين مليون دولار لتسوية القضية خارج المحكمة انتهى الى تحصيل ثمانية ملايين دولار لثماني عائلات ومن بعد خصم تكلفة القضية التي من بينها جلب جيولوجيين للتنقيب والإتيان بدلائل قاطعة على وجود التلوث تحصل كل عائلة على 350 الف دولار. وينتهي هو الى لا شيء. في الحقيقة، فان شخصية شليتمان تركت المهنة كلها لثلاث سنوات بعدما أعلن افلاسه الشخصي. والفيلم إذ يأتي على ذكر ذلك انما يبحث في النظام القضائي وأميركا المادية أساساً مختاراً نموذجاً جيداً. وهو، على عكس العديد من افلام التسعينات التي اقتربت من هذه المسألة، يعمد الى استبعاد اي تنازل أو عنصر يكون من شأنه تخفيف حدة الوقع أو إعلاء شأن الإبهار تلبية لسرد أكثر تسلية. مدير تصوير هذا العمل هو كونراد هول، فنان عريق من الستينات والسبعينات قدم، في ما قدم، "بوتش كاسيدي وسندانس كيد" جورج روي هيل - 1969 "وجحيم في الباسيفيك" جون بورمان - 1969 ورائعة جون هوستون المنسية "مدينة سمينة" 1977. وهو هنا، كما في تلك الاعمال، يبرهن عن خبرة باهرة في تصوير الاجواء ويضيف طابعاً مجرداً من الألوان الساطعة الاحداث تقع في طقس ولايات الشرق الأميركي البارد يناسب كثيراً غاية الفيلم تناول برود العلاقات بين فصائل مجتمع قائم على المادة وفي سبيلها. "عروس بولندية" **** - من جملة الافلام المرشحة لغولدن غلوب أفضل فيلم أجنبي. انه الجهد الاول للمخرج كريم تريديا. جزائري يعيش منذ سنوات بعيدة في هولندا وسنحت له فرصة تحقيق عمل يتحدث عن معاناة مهاجرين آخرين: بطلة الفيلم بولندية هاربة من جماعة من الهولنديين الذين يعتدون عليها ويوظفونها في الدعارة. مطلع الفيلم مؤلف من مشاهد الهرب في صقيع المدينة. امرأة تركض في الطرق العامة وعليها معطف وتحته لا شيء. الفجر مقبل وسع طلوع شمس الصباح وهي تكون خرجت من المدينة الصغيرة الى الحقول المترامية خارجها، هناك تقع عند هضبة ارض يملكها مزارع في منتصف العمر. ينقلها الى البيت ويُعنى بها لتنشأ من هنا قصة حب بأقل الكلمات لا تجيد الهولندية ولا يعرف هو كلمة بولندية واحدة وأقل اللمحات ايضاً. هذا إنجاز على قدر كبير من اللغة الفنية التعبيرية الموجزة والممعنة. شيء تتوقعه من بضعة مخرجين أوروبيين لا يكترثون للموجة التجارية العارمة في بلادهم. المخرج تريديا يتمتع بالعين المطلوبة لالتقاط التفاصيل والاجواء معا وبالقدرة على تأليف ثنايا العمل القائم على احداث قليلة وملاحظات كثيرة. هو ينافس في هذه المسابقة أفلاماً قوية اخرى قد يكون من الاسهل لأي منها شد الحبل صوبها. في الحقيقة، "عروس بولندية" هو أقل هذه الافلام تمتعاً بما يلزم من هالات عمل اذا ما كانت هذه تلعب دوراً في الاختيار. هذه الافلام الاخرى هي: "تانغو" للمخرج الاسباني كارلوس ساورا و"رجال ببنادق" للأميركي لجون سايلس. و"الإحتفال" الفيلم الدانماركي للمخرج توماس فينتربيرغ الذي يتحدث عن حفل عائلي ينقلب فتحاً لجروح اجتماعية وذاتية عميقة. طبعاً هناك الجانب الذي أشاد به العديد من النقاد الأجانب، في أوروبا خصوصاً، وهو أسلوب "دوغما" في التصوير القائم على الغاء كل ما هو صناعي من العمل السينمائي لكن ذلك لا يصنع وحده أفلاماً جيدة أو رديئة.