تنعقد القمة الاسلامية اليوم في الدوحة، ولا شك أن انعقادها في هذا الظرف له دلالات واضحة، في مقدمها انها أول قمة تعقد في القرن الحادي والعشرين، كما أنها تعقد بعد عامين من قمة طهران التي نجحت ايران في أن تتحدى بها الولاياتالمتحدة في ذلك الحين. اما الدلالة الأهم، فهي انها تنعقد بعد فترة وجيزة من عقد القمة العربية في القاهرة، كما تنعقد في وقت تشتد ثورة الاقصى منذ اندلاعها في 29 ايلول سبتمبر الماضي، ويتصاعد الصلف والعناد من جانب اسرائيل، بما ينذر بتفاقم اشد للأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وزاد من بؤس الموقف ان مجلس النواب الاميركي يتبنى وجهة نظر اسرائيل ويلقي باللوم في ما يجرى في فلسطين على الرئيس ياسر عرفات وعلى الجانب الفلسطيني. معنى ذلك أن امام هذه القمة تحديات هائلة، في مقدمها ان تُشعر اسرائيل والولاياتالمتحدة بأن الاقصى يهم عموم المسلمين، وليس همه قاصراً على الفلسطينيين والعرب وحدهم. وفي هذا السياق يجب أن تواجه القمة القضايا الحيوية الآتية: - أولاً: دفع الفلسطينيون، رغم ظروفهم، نصيبهم في الدفاع عن الاقصى، ولا يمكن أن يستمر وضعهم في مواجهة غير متكافئة مع جيش كامل العدة والعدد تحركه أحقاد وسياسات طائشة وسط بيئة دولية غير مؤثرة. وإذا كان العالم الاسلامي يطالب بانقاذ القدس، فلا بد أن تقوم القمة بترجمة صمود الشعب الفلسطيني إلى ورقة سياسية في مواجهة اسرائيل وأن تتكفل بدعم هذا الصمود، فالثورة الفلسطينية وحدها وفي حدود ظروفها لن تحرر الاقصى، واستمرارها على هذا النحو امام البطش الاسرائيلي يدفعها إما إلى التصفية والانتحار، وإما الى اليأس والخمود. وهذان خياران أحلاهما مُرّ، لا تحتمله ضمائر المسلمين في أرجاء العالم. - ثانياً: إذا كان الدعم المادي للفلسطينيين مهماً، فإن الدعم المعنوي والسياسي لا يقل اهمية سواء بالمساندة الاعلامية أو العمل الديبلوماسي الناضج المباشر. وعلى القمة ان تحدد آلية لمساندة جهاد أهل فلسطين ضد الطغاة. - ثالثاً: أن مواجهة اسرائيل وحدها لا تكفي، بل لا بد من مصارحة الولاياتالمتحدة بأنها مسؤولة عن تدهور الأحوال. فالولاياتالمتحدة في الصراع ليست مجرد وسيط ضلَّ طريقه، أو قبل الوساطة وهو غير مؤهل لها وأن بوسعه أن يتخلى عن رعاية عملية السلام متى شاء إذا قدر أنها لا تسير حسب هواه، بل هي شريك في جرائم اسرائيل بمساندتها العمياء لها وبفضل رموز السلطة الصهيونية في الإدارة الاميركية. وفي هذا المقام، فإن القمة مطالبة بالتحالف مع الشعب الاميركي ضد الهجمة الصهيونية على مقدراته وتسخير الموارد الاميركية لمصلحة اسرائيل. فالمتابع لشبكة المصالح الاميركية والاسرائيلية على مستوى العالم لا بد أن يلحظ كثرة نقاط التماس والصدام والتداخل بين مصالح البلدين، بل وتضحية الحكومة الاميركية بمصالحها لإرضاء إسرائيل. ومن القضايا التي يجب أن تتناولها القمة تدارس المصالح المتبادلة بين الدول الاسلامية والولاياتالمتحدة وطرق خدمة هذه المصالح، وأن يكون الخطاب الاسلامي واضحاً وبناء يقوم على أساس ان السلام العادل الدائم الشامل ضرورة، وان اسرائيل يجب أن تُحمل حملاً على المضي في موكب السلام بما يجنب المنطقة والعالم طيش زعمائها. - رابعاً: لا بد أن تقدر القمة الاسلامية ان خطابها الى الولاياتالمتحدة خلال الانتخابات الاميركية قد لا يلقى الصدى المطلوب، ما دامت السلطة تجمدت الآن في يد الإدارة الحالية، وأنها تحركت فعلاً صوب الساكن الجديد للبيت الأبيض. ولكن القمة لا بد أن تقرر، باليقظة نفسها، أن المواجهة مع الولاياتالمتحدة حول القدس آتية بدرجة اليقين نفسها من صعوبة فصل واشنطن عن تل أبيب. ولذلك يجب أن تتنوع الديبلوماسية الاسلامية فتمتد ببصرها صوب الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وشعوب العالم اجمع وأن يكون طرحها محدداً ومنطقياً وأن تتسق سياستها مع خطابها الاعلامي في معركة تحرير القدس. ومن صور التنوع في الخطاب والحركة الاسلامية ان يكون الملف القانوني للقدس كاملاً وجاهزاً وألا تلتفت لحظة واحدة الى أصوات التخاذل التي تقلل من شأن الاعتماد على القانون والشرعية فهذا المنهج المتخاذل الذي طرحه أباطرة السياسة هو بالتحديد الذي أثمر أشواك اليوم. والأنكى أن طرحه مع عدو يملك الأرض والقوة والتحالف مع واشنطن جعل العالم الاسلامي في موقف لا يحسد عليه. ولكي يكون هذا الملف كاملاً يجب أن تدرس القمة بالجدية الواجبة الاحتمال المحقق وهو ان سيد البيت الابيض الجديد سيبادر الى تحقيق وعوده وهو يستند الى مجلس النواب الذي لم يخلف توجهاته، ويعلن افتتاح السفارة الاميركية التي تم بناؤها في القدس ما سيؤدي الى تشجيع أو رفع الحرج عن دول كثيرة فتسارع هي الأخرى الى نقل سفاراتها. في هذه الحالة لن يُجدي تهديد العالم العربي لهذه الدول بقطع العلاقات معها والا أصبح العالم العربي في جانب والعالم كله في جانب آخر. هذا الاحتمال المحقق هو الخطر الذي تواجهه القدس عندما تقود الولاياتالمتحدة، بدلاً من عملية السلام، عملية نقل البعثات وعرقلة مجلس الأمن عن أن يقرر شىئاً، بل عن أن يقوى على الاجتماع وتدارس الموضوع. ولمواجهة هذا الاحتمال فقد أقترحتُ منذ العام 1995، مواجهة قانونية وقضائية تقوم على ثلاث ركائز: الركيزة الاولى: أن تسعى المجموعة الدولية في الجمعية العامة للأمم المتحدة الى استصدار قرار تطلب فيه الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً عاجلاً بشأن الآثار القانونية التي تترتب على أعضاء المنظمة الدولية إزاء قرار مجلس الامن الرقم 478 الصادر في آب اغسطس 1980 الذي دان قانون الكنيست بضم المدينة المقدسة الى الدولة العبرية، ورفض الاعتراف بأي آثر قانوني لهذا القانون الداخلي الذي أرادت به اسرائيل أن يسمو على القانون الدولي وعلى قرارات الأممالمتحدة المتعلقة بالقدس. وهذا القرار الذي يحمي القدس من الضم والتهويد ساندته الولاياتالمتحدة العام 1980، لكن مجلس نوابها بادر الى نقض هذا الموقف العام 1995، وسوف تنساق الإدارة الاميركية الى موقف مجلس النواب العام 2001. ويجب ألا تتوقف القمة لحظة واحدة أمام القائلين إن هذا المسعى سيزعج الولاياتالمتحدة وسيواجه برفضها على أساس منطقها السقيم القائل إن عملية السلام مغلقة على طرفيها. المحور الثاني: قيام مكاتب محاماة متخصصة بدرس رفع قضايا أمام القضاء الاميركي موضوعها التناقض بين موقف مجلس النواب وبين قرار مجلس الأمن حول القدس، بل وبين قرار التقسيم الذي ساندته اميركا بكل قوتها عندما استبان لها أنه أصلح للصهيونية من فرض الوصاية على فلسطين، بل وأفسدت واشنطن بعض الوفود وهددت الدول حتى تضمن الاغلبية اللازمة لصدوره. ويجب أن يختار القادة المسلمون بين إغضاب الله والتآمر على مقدساته أو السكوت على ضياعها وبين إغضاب واشنطن، فالقدس أمانة في أعناقهم جميعاً، يُسألون عنها أمام الله، كما يسألون عنها أمام شعوبهم وضمائرهم. بل لا أريد أن أقترح أن تطلب المجموعة الاسلامية من الجمعية العامة مراجعة موقف اسرائيل ووضعها في الأممالمتحدة في ضوء عدد من الحقائق، أولها عدم احترامها بشكل متسق ومتعمد لقرارات المنظمة الدولية، وعدم احترامها لقواعد القانون الدولي وأحكام الميثاق، وعدم اعترافها بقرار قبولها الرقم 273 للعام 1949 الذي تعهدت فيه أمام الجمعية العامة باحترام الميثاق وقرار التقسيم وسائر قرارات المنظمة الدولية. وهذا السلوك المتعمد يؤهلها بجدارة للطرد من الأممالمتحدة بوصفها دولة خارجة على قواعد السلوك الدولي المتحضر. أما المحور الثالث فهو اختبار القضاء الاسرائيلي بأن يرفع المواطنون الاسرائيليون من أصل عربي وسكان القدس دعاوى ضد السلطة الاسرائيلية بسبب الوحشية والخسائر التي كانوا ضحية لها رغم أنهم يدفعون الضرائب لهذه السلطة لحمايتهم والسهر على راحتهم. علماً بأننا لا نرجو خيراً من مثل هذه الدعاوى في بلد أيدت فيه محكمته العليا استخدام التعذيب بكل صنوفه ضد الفلسطينيين وتعتبر أحكامها أسمى من قواعد القانون الدولي. خامساً: يمكن للقمة الاسلامية أن تضيف سندا وتضامناً إسلامياً أوسع الى قرارات القمة العربية خصوصا في ما يتعلق بالسعي نحو محاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين وألا يقعدها عن ذلك معارضة الولاياتالمتحدة أو يأسها من تجاوب مجلس الامن، فلا يزال أمامها طريق الجمعية العامة، وهو الأيسر والأرحب حتى لا يفلت الطغاة من العقاب. سادساً وأخيراً يجب أن تصحح القمة الاسلامية موقف لجنة القدس، بأن تصرعلى استرجاع كل القدس شرقا وغرباً وألا تكتفي بالمطالبة بالقدسالشرقية، بل وأن يقلع الإعلام الاسلامي عن استخدام مصطلح القدسالشرقيةوالقدس الغربية، فالقدس واحدة شرقها وغربها وكلها حق للفلسطينيين العرب المسلمين والمسيحيين. * كاتب مصري، مستشار قانوني سابق لدى منظمة المؤتمر الاسلامي.