يقيم الفنان عدلي رزق الله معرضاً استعادياً يضم ألف لوحة قام بتنفيذها خلال ما يقارب عشرين عاماً 1980 - 2000. وتمثل هذه اللوحات خلاصة تجربة طويلة وعميقة نجمت عنها لغة خاصة وعالم تشكيلي خاص. في قصر الفنون في دار الأوبرا حيث يقام المعرض يتحدث عدلي رزق الله وسط لوحاته المعروضة، ويقول عن الدوافع التي حفزته على إقامة معرض استعادي شامل يضم أكثر من ألف لوحة: "فتنت اثناء رحلتي الباريسية بالمعارض الشاملة التي كانت من المفاجآت لعيني المتطلعة والمتشوقة لرؤية تاريخ الفن الغربي. المعرض الشامل ليس ككل المعارض بل هو استعادة زمنية لعدد من السنوات وقدر من اللوحات يتتابع فيعطينا رؤية اكثر شمولية. لاحظ معي العلاقة بين كلمة معرض استعادي شامل ورؤية اكثر شمولية. بالطبع حينما شاهدت تلك النوعية من المعارض التي اهتممت بها اكثر من غيرها، واعطيتها الاولوية في اهتماماتي والقدر الكافي من الوقت إذ ان المعرض الاستعادي يحتاج الى أكثر من زيارة. كانت الحصيلة لتلك المعارض انها تكاد تكون قاصرة على من اعطوا عمرهم كله للفن. بمعنى انها معارض محترفين، متفرغين وليست معارض الذين يقتطعون بعض الوقت بعد قيامهم بالوظائف التي يتعكزون عليها من أجل "لقمة العيش". فمن المعتاد ان يعمل الفنان في بلادنا اما في الصحافة كرسام أو في التعليم الفني كمعلم او في وظائف اخرى، ثم يعمل في ما تبقى من الوقت إن استطاع. من هنا كان قراري التفرغ الكامل للفن عام 1980 في القاهرة. عشرون عاماً مرت وتراكم العمل الفني، وكان من الطبيعي أن أقدم حصاد ذلك التفرغ او هذا الاحتراف في معرض شامل يشفي غليلي او حسدي حينما كنت أرى تلك النوعية من المعارض اثناء اقامتي الباريسية التي طالت الى عشر سنوات كاملة. نموذج أرجو له ان يعدي بعض الزملاء حتى يصبح الفرح الفردي فرحاً جماعياً وهو ما نتمناه ايضاً للناس في وطننا". ترى ماذا سيقدم عدلي رزق الله لجمهوره بعد هذا المعرض الضخم؟ عن هذا السؤال يجيب: "انا لا أعبر عن هم بل أحيا في هذه اللوحات، سأعيش سنوات العمر المقبلة في لوحات جيدة لا أعرفها بعد. ستكون اكتشافاً لي. فكيف يمكن الحديث عن درر لم تقبض عليها بعد". وعن تكرار التيمة الواحدة في لوحاته يقول: "منذ أن يهاجر الفنان المعبد او الكنيسة او الجدارية في المبنى العام الى مرسمه حيث اللوحات الصغيرة الحجم، تصبح اللوحة الكبيرة مجموعة لوحات صغيرة تتفرق في بيوتنا. من هنا اصبحت "المجموعة" هي هدف كثير من الفنانين. هناك ايضاً سبب آخر وهو مضاجعة الرؤية الفنية في كل احتمالاتها التي قد تكون لانهائية وهي بحث عن المستحيل في الفن. إن الفيديو كليب الحي هو مطلبي الفني". وعن تأثير الرسام المصري حبيب جورجي الذي يعتبر من أهم الفنانين التشكيليين الذين استخدموا الألوان المائية يقول: "حبيب جورجي هو الرائد، وللرائد شرف كبير لا يستطيع ان يدعيه غيره. تبع الرائد العظيم بعض الاسماء التي تراجعت خطوات. وقد كان اللون عند حبيب جورجي كما اقول مداعباً "عرقان" لكن من تبعوه من دون ذكر اسماء زخرفوا المناظر الطبيعية واصبح اللون "بمبوني" على العموم. الألوان المائية ظلمت سواء في الغرب أو الشرق مع استثناء تجارب عظيمة حدثت في اليابان والصين مثلاً. المدرسة الانكليزية التقليدية لم تقدم الكثير من وجهة نظري إذ انها اقتربت بشدة من الأعمال التسجيلية وابتعدت بالقدر نفسه عن الفن. اعطتني الالوان المائية ما لم تعطه لأحد من قبل لذا فأنا عاشق لها. "عمي"، كما نحب ان نطلق على كبار السن فينا، وبالمناسبة انا أفرح بالشباب حين ينادونني بتلك اللفظة الآن، دعاني الى بيته في شارع الملك آنذاك ورأيت أعماله الجميلة للأديرة بخاصة واحببتها ولم تفارق عينيّ لكنني لم أر تأثيراً مباشراً في ما انتجته. لكن هذا لا يمنع أن يكون الطبق الذي قدمه لنا جزءاً من غذائنا الفني الذي لولاه ما كنتُ". وإذا سألته عن غياب المشهدية في لوحاته، يسألك بدوره: و"ماذا تقصد بالمشهدية؟" ويجيب: "اعتقد أنك تقصد الوصف والشرح في بعض القضايا فأنت تريد أن تقف أمام اللوحة "لتقرأها" كما يقول البعض وأنا تفزعني تلك الكلمة التي شاعت في بعض ما يكتب عن الفن، للوحة يا صديقي طريق آخر ومشهدية بصرية تأخذك الى طريق بصري يثير فيك الانفعالات البصرية أساساً. لوحتي هي لمن يعطيها وقتاً وليست للرؤية العابرة مثلما تفعلون كثيراً. اجلس امام لوحة وقتاً ما، عاود تلك الجلسة في مرات أخرى، حينئذ ستصلك مشهدية لوحتي وان لم تفعل بعد". وعن نظرته إلى الحركة الفنية التشكيلية في مصر الآن يقول: و"حركة "زملاء". أخذت على نفسي عهداً ألا يكون لي رأي منشور لأنني لست ناقداً ولا مؤرخاً ولا جالساً على منصة، اعطاء الاحكام لزملائي سلوك فني أخلاقي التزمه وانفرد به ايضاً".