} منذ أُعلن، أواخر العام 1999، إطلاق نظام "واب" لوضع خدمات الانترنت في متناول الهواتف الخلوية، شهدت السوق الاوروبية إقبالاً عليه، بينما تحفظ آخرون عنه. ما هي المشكلات الفعلية لنظام "واب"؟ وما هي آفاق تطوره؟ تكاد تمر سنة على اعلان خدمات إنترنت "النقّالة" وتقديمها عبر ما يسمّى "بروتوكول التطبيقات اللاسلكية" WAP إلى الهواتف المحمولة. ومذاك، غصّت المعارض والأحداث التكنولوجية والمعلوماتية بالعروض التي تروّج للنظام الجديد. وسارعت شركات الهواتف المحمولة إلى استحداث أجهزة خاصة بهذا النظام وطرحها في الأسواق، مستبقة الطلب عليها والحاجة الفعلية إليها. وتزايد عدد المستهلكين الذين يطلبون الأجهزة المتوافقة ونظام "واب"، حتى لو كانوا لا يستفيدون من خدماته راهناً، "ربما بسبب الفضول وتقليد الغير"، على حد قول المراقبين. نتيجة لذلك، وجدت الشركات نفسها في حال تنافس حاد، واضطرت إلى البقاء حاضرة مستعدّة دوماً في هذا القطاع. ولأن خدمات "واب" مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإنترنت، تكاثرت مواقع "ويب" التي تؤمنها للزبائن. يبدو أن لكلمة "واب"، السهلة اللفظ، وقعاً جيداً في نفوس المستخدمين. وهي أعطت زخماً قوياً للشركات الأوروبية - من أوصيائها - والتي اعتبرتها دليلاً الى نجاحها في تجسيد مبدأ "التلاقي" Convergence، بمعنى تلاقي عدد من التقنيات الحديثة في مجال الاتصالات وتداول المحتويات والإنترنت، ودمجها لتقديم خدمات "ويب" متنوّعة، مقروءة ومسموعة، عبر الهواتف المحمولة. في الوقت نفسه، حاولت الشركات الأميركية التقليل من أهمية "الاستنباط"، ربما لأنها لم تكن السبّاقة إليه. ولم تترك مناسبة معلوماتية ولا منشورة متخصّصة إلاّ راشقت من خلالها المعيار الجديد الذي يقع خارج نطاق سيطرتها. ولعلّ نظرة سريعة الى "بروتوكول التطبيقات اللاسلكية" WAP وما يقدّمه من خدمات، توضح الواقع الراهن والمشكلات العالقة في هذا القطاع الصناعي، والتي تتناقلها معظم الوسائل الإعلامية، ولا سيّما المتخصصة منها. "فجميع اللاعبين في سوق الهواتف المحمولة وخدماتها لا يزالون في حال ريبة وحذر من تلاقي الإنترنت والهاتف المحمول، ومن الطبيعي أن يستشرفوا آفاقاً متنافرة. إنها أيضاً مرحلة تدعو إلى... الابتكار الذي يجب أن يتركّز على خدمات تنهل من كل الموارد التكنولوجية لتأتي بأشياء بسيطة"، كما جاء على لسان المدير التنفيذي لشركة "فرانس تيليكوم" جان-جاك دملاميان في مقابلة أجرتها معه "لو موند انتيرأكتيف". ونظام "واب"، الذي باتت تعتمده غالبية شركات الهواتف المحمولة وخدماتها، يسمح باستقبال البريد الألكتروني وبمعاينة صفحات "ويب" على شاشة الهاتف المحمول بنسق خاص. ومن الناحية المبدئية، يمكن تكييف محتويات الإنترنت، اياً تكن لتتماشى ونظام "واب". الآن، نلاحظ أن مزيداً من مزوّدي المحتويات في المنطقة العربية وأوروبا بدأوا يقدّمون خدمات محددة نذكر منها: البريد الألكتروني، الألعاب، إدارة الشؤون المالية، تصفّح الإعلانات، التسوّق، تخطيط السفر، أخيراً وليس آخراً التجارة الألكترونية وتسمى أيضاً "تجارة-م" m-commerce، أي التجارة عبر الهاتف المحمول. إذاً، أين تكمن مشكلات نظام "واب"، علماً ان كثراً من اللاعبين والمصنّعين الأوروبيين واليابانيين من دعاة نظام I-mode المنافس وحتى الأميركيين الممانعين، سيعتمدونه في تشكيلة الأجهزة التي سيطرحونها، نهاية هذا العام، وعلى رغم قلة اهتمام المستهلكين به؟ للرد سريعاً على هذا السؤال، يمكن القول إن مشكلات "واب" تكمن في صغر حجم الشاشة، وخصوصية النظام والبنية التحتية الخلوية الراهنة للاتصالات أي نظام GSM. وفي ما يتعلّق بصغر الشاشة، لا يمكن القبول بتحديد معاينة صفحات "ويب" بأربعة أسطر نصاً فقط وهي سعة شاشة الهاتف المحمول، إضافة إلى أن لوحة أحرف الهاتف ليست ملائمة تماماً للكتابة. من هنا، يصعب على مصمّمي خدمات "واب" توليف محتويات "ويب" وإعدادها لتتماشى والنظام الجديد. ويحكى الآن عن توافر بضع خدمات "واب" وبأسعار أو رسوم مرتفعة. ومردّ ذلك إلى أن الإبحار أي التنقّل في الفضاء الألكتروني يكون محدوداً أحياناً، بسبب الميزة المعروفة باسم "قفل الواب" waplocking أي قفل المعبر أو الموقع المخصص لخدمات "واب". وهي ميزة يعتقد أنها تتسبّب بزيادة الأعباء على خوادم الشبكة وملقّماتها. وهذا يعني أن النظام، من أساسه، ذو طابع خصوصي والتوافق معه يستدعي أعمال تطوير خاصة به. وفي المقابل، فإن حرية التنقّل من موقع إلى آخر هي التي أسهمت في نجاح شبكة "ويب". وبالنسبة إلى البنية التحتية، يقرّ أهل الصناعة الأوروبيون بالمشكلات التي تواجهها "الإنترنت النقّالة". ويراهنون من الآن على نظام UMTS نظام الاتصالات الخلوية الشامل، الذي يمتاز بقدرة عالية، لكي يحقق "بروتوكول التطبيقات اللاسلكية" WAP انطلاقة حقيقية. الا أن تطبيق نظام الاتصالات المذكور لن يتحقق قبل بضع سنوات. وإلى حين تحقق نظام UMTS، يعمل قطاع الاتصالات في أوروبا الآن على تطوير نظام GPRS "الخدمة العامة لبث رزم البيانات" الذي يعدّ تحسيناً لنظام "جي إس أم" GSM المعروف. وفي حين يزعم أهل القطاع أن نظام GPRS لا يستدعي إجراء التعديلات على البنى التحتية والشبكات الحالية، يقول خبراء آخرون إنه يحتاج إلى شبكة خلوية أكثر كثافة، وهو أمر يحصر التغطية بالمناطق المدنية على الأقل في المدى القريب. من الخيال العلمي وإلى حين إيجاد حل ناجع لشجون نظام "واب"، تذكّرنا هذه الطريقة في جمع الخدمات وتداولها عبر جهاز صغير بحجم راحة اليد، ب"سكين الجيش السويسري" المتعددة الأدوات والاستعمالات سكين، منشار، مفك براغ، مقص، ملعقة... إبرة خياطة، مسواك لتنظيف الأسنان، وغير ذلك. صنعت هذه السكين الحمراء الشهيرة في القرن التاسع عشر وراج استخدامها كثيراً، حتى أن روّاد الفضاء استخدموها في أعمال تصليح المركبات والمحطات والأقمار الاصطناعية. واتّخذت أشكالاً مختلفة مع مرور الزمن، لكن هيكلها البسيط ظلّ مكاناً ل"تلاقي" أدوات عدة تسهّل على المرء تنفيذ أعمال كثيرة. ومع التطور المتسارع الذي نشهده هذه الأيام، ونزوع "الأشياء" التكنولوجية إلى الضآلة في الحجم، قد يأتي يوم نرى هجيناً من سكين سويسرية وهاتف محمول. أطلقوا العنان لمخيّلتكم الخصبة وتصوّروا كيف سيعيش صاحب "الهاتف-السكين" في عصر "الواب". [email protected]