عام 2000 يسرع الخطى حثيثاً في جميع الاتجاهات. هاتف "الويب"، الذي لم يكن متوقعاً مجيئه قبل عام 2002 سيكون ببن أيدي الناس في النصف الثاني من العام المقبل. هذا الهاتف النقال المتصل بشبكة الانترنت يضع العالم تحت أطراف الأنامل بالصوت والصورة والمعلومة والفيديو . إنه يولد من تزاوج صناعات المعلومات والاتصالات، وهو تزاوج حقيقي ليس على مستوى التكنولوجيا فحسب بل الأعمال أيضاً. وتشبه المصاهرات الجارية حالياً بسببه بين عمالقة صناعات المعلومات والاتصالات تشبه مصاهرات العوائل الملكية القديمة التي كانت تغير الخرائط الجغرافية. ويشهد الشهر الحالي اثنين من أكبر الاستعراضات الدولية الخاصة ب"هاتف الويب" وصناعات أجهزة لاسلكي المعلومات. "الويب" الهاتف كومبيوتر نقال، أو الكومبيوتر هاتف نقال. ليس أكثر من ثلاث كلمات في أي حال تصف ثورة الاتصالات القادمة. تلد الثورة أجهزة المعلومات اللاسلكية، وهي تبدو كالثورات السياسية لها بداية وليس لها نهاية. وبداية "هاتف الويب" هو الهاتف الخليوي، الذي أتاح للملايين الاتصال الهاتفي "على الماشي". ثم ألحقت بالهاتف الخليوي أجهزة تتسلم الكلمات المكتوبة SMS، وبعدها ظهر الهاتف الرقمي النقال GSM المتصل بكومبيوتر الجيب والانترنت عبر المودم. لكن الهاتف الرقمي الموصول بالكومبيوترالنقال لم يلاق الانتشار الواسع لسببين: أولاً بطء حركته التي تقل عن 10 كيلوبت في الثانية، وثانياً التسعيرة العالية للاتصالات النقالة. "هاتف الويب" القادم سيغير ذلك، فهو لا يحتاج الى ربط بشبكة الانترنت لأنه مربوط بها دائماً، وهو يعمل بسرعة تفوق مرتين سرعة أسرع أجهزة المودم الحالية. سرعة "هاتف الويب" ستبلغ 115 كيلوبت في الثانية وتختصر هذه السرعة جلب صفحات الأنترنت من دقائق بطيئة الى ثوان خاطفة. وستكون هذه مجرد خطوة اولى تعقبها خطوة ثانية تزيد سرعة نقل المعطيات بواسطة الهاتف الرقمي النقال GSM الى 384 كيلوبت في الثانية. ويأتي في إثر ذلك مباشرة هاتف الجيل الثالث الذي يطلق عليه اسم "خدمات الاتصالات النقالة الشاملة" UMTS، وهي خدمات عالمية ستوفر سرعة تبلغ 2 ميغابت في الثانية. "الهاتف الإعلامي" ولكن ما بين مختبرات التكنولوجيا والسوق مسافة طويلة تقاس بمئات الملايين من الدولارات. فمؤسسات وشركات خدمات الهاتف، التي تُدعى باختصار "تيلكو" Telcos تريد تكنولوجيا تنتج أجهزة قياسية لخدمة جمهور المستهلكين. وهي تحتاج الى نظام تشغيل خاص ب"هاتف الويب" على غرار نظام التشغيل الذي أحدث ثورة الكومبيوتر المكتبي. الصراع الحالي بين عمالقة شركات الاتصالات والمعلومات يدور حول هذه النقطة بالذات، والسؤال المطروح أمامها، هو: هل "هاتف الويب" هاتف خليوي أم "انترنت" لاسلكي؟ بعض الباحثين يعتقدون أن الهاتف النقال سيظل الجهاز اللاسلكي الأساسي ولن تكون وظائف الانترنت سوى ميزة إضافية لعمله الصوتي أساساً، على غرار علاقة "التليتكست" بالتلفزيون. لكن آخرين يعتقدون بأن ربط الهاتف بكومبيوتر الحضن والكومبيوتر الشخصي وبشبكة الانترنت لن يكون لمجرد سحب صفحات الويب، بل لاقامة اتصالات بالشبكة وتحريك ملفات كبيرة لمعالجات الكلمات وصفحات "سبريد شيت". ولا يستطيع الهاتف الخليوي الحالي بشاشته البلورية السائلة LCD الصغيرة وذاكرته المحدودة عرض مواقع الانترنت المملؤة برسوم الغرافيك الدقيقة ولقطات الفيديو، التي تتطلب قدرة حمل كبيرة. وعلى الرغم من هذا النقص فان الهواتف الخليوية المحدودة القدرات يمكن أن تعرض معلومات نافعة. وهي تُعتبر النماذج الاولى ل"هاتف الويب"، ويطلق عليها اسم "الهاتف الاعلامي" Media Phone. وتُطرح قريباً نماذج منها في الأسواق، كهاتف "نوكيا0711" Nokia7110 من انتاج شركة صناعات الهاتف الخليوي الفنلندية "نوكيا"، وهاتف "أريكسن" Ericsson R380 من انتاج الشركة السويدية "أريكسن". ويشبه هاتفا "نوكيا" و"أريكسن" الهاتف النقال الاعتيادي لكن لوح الحروف والأرقام يعرض عند فتحه شاشة عريضة لعرض البريد الألكتروني والاتصال بشبكة الانترنت إضافة الى عمله، كدفتر ألكتروني للمواعيد والعناوين. سوق البليون والأنظار معلقة الآن بردود فعل الجمهور على الهاتفين الجديدين، وتبدو عمالقة صناعات المعلومات والاتصالات الدولية كأسماك القرش التي تحوم حول الفريسة بانتظار لحظة الانقضاض. فشعب الهاتف النقال قد يبلغ عدده البليون خلال السنوات الخمس المقبلة، وكثير من هؤلاء لن يكتفي بالخدمات الصوتية المعتادة. و"هاتف الويب" يقدم الفرصة للقيام "على الماشي" بأمور كثيرة أهم من الكلام، تراوح ما بين هاتف الفيديو "وجهاً لوجه" ومتابعة آخر الأنباء عبر الصحف الألكترونية ومشاهدة محطات إذاعات وتلفزيون الشبكة وقراءة البريد الألكتروني، وحتى عقد صفقات البيع والشراء وحجز مقاعد على الفنادق والمطاعم والطائرات، إضافة الى الاستدلال بأنظمة تحديد المواقع والخرائط الجغرافية بواسطة الأقمار الصناعية وعشرات الخدمات الاخرى. ويبلغ عدد مستخدمي الكومبيوتر والانترنت حالياً نصف عدد مستخدمي الهاتف النقال، وكثير منهم سيرحب بالهاتف الجديد الذي يوفر لهم الاتصال الدائم بالكومبيوتر والشبكة. ويتركز الصراع الحالي بين عمالقة صناعات الاتصالات والمعلومات على تحديد مواصفات ومعايير أجهزة المعلومات اللاسلكية. وتشير تقديرات خبراء الصناعة الى أن حجم السوق وتشعبها يتجاوز القدرات المنفردة لأي شركة مهما بلغ حجمها. ويلاحظ استقطاب المتنافسين حول قطبين أعظمين. وعند نشوء قطبين عُظميين في صناعات الاتصال والمعلومات فلابد أن يدور أحدهما حول مايكروسوفت والآخر حول القطب المضاد لمايكروسوفت. عدو بيل غيتز وتذكر صحيفة "انترناشينال هيرالد تربيون" أن شركة "سيمبيان" Symbian، التي تعمل في تطوير برامج ل"هاتف الويب" أنشئت في الصيف الماضي. ومع حلول الخريف وجه بيل غيتز رئيس "مايكروسوفت" مذكرة داخلية الى موظفيه حذر فيها من أن "سيمبيان" واحدة من أكبر المنافسين الخطرين لشركته. كيف أمكن أن تشكل "سيمبيان"، التي يبلغ عدد موظفيها 260 خطراً على "مايكروسوفت" التي تعد واحدة من أكبر الشركات في العالم؟ تذكّر الصحيفة الأميركية في الجواب عن هذا السؤال بأن "سيمبيان" نشأت عن مصاهرة شركات صناعات الهاتف "نوكيا" و"أريكسن" و"موتورولا" وشركة صناعة الكومبيوتر المحمول باليد "سايون" Psion، المعروفة بتطوير أدوات الكترونية لتنظيم الأعمال تحمل الاسم نفسه. خطر هذه المصاهرة يكمن في أن الشركات الثلاث الاولى تسيطر على ثلاثة أرباع السوق العالمية للهاتف الخليوي. وشركة "سايون" تقوم بتطوير برنامج سوفت وير للهاتف الجديد، الذي يساهم فيه عدد من الشركات الاخرى، بينها "فيليبس" الهولندية و""إن تي تي" اليابانية. واعلن أخيراً عن انضمام الشركة العملاقة الأميركية "سن مايكروسيستمز" للمشروع الذي سيستخدم لغة البرمجة "جافا" التي طورتها "سن" للانترنت. التفاؤل بالخير ويتوقع أن يؤدي نجاح المشروع الى استخدام نظام التشغيل "إيبوك" Epoc، الذي طورته "سايون" لأجهزة الكومبيوتر الصغيرة وليس نظام مايكرسوفت "ويندوز إي سي". ويفسر هذا سبب تحذير بيل غيتز مستخدميه من الخطر القادم. وقد سبق لشركتي "نوكيا" و"أريكسن" التفاوض مع "مايكروسوفت" لكنهم تحولوا عنها الى "سايون"، لأن برنامجها حسب اعتقادهم أكثر تلاؤماً مع الأجهزة النقالة. وتشير "هيرالد تربيون" الى سبب آخر لعدم الاتفاق، وذلك خشية أن تهيمن مايكروسوفت على صناعة لاسلكي المعلومات كمثل هيمنتها على صناعات الكومبيوتر الشخصي. وكما هو متوقع لم يكتف بيل غيتز والمنافسون الآخرون بمراقبة تطور الأحداث، بل سارعوا الى عقد تحالفات مضادة. وقد نشأ تحالفان مضادان ل"سيمبيان، يضم أحدهما "مايكروسوفت" وشركة الاتصالات البريطانية "بريتيش تيليكوم"، ويضم التحالف الآخر شركة صناعات الكومبيوتر المحمولة بالكف Com Corp. وعملاق صناعات الاتصالات الفرنسية "ألكاتيل". هل تتسع سوق "هاتف الويب" لكل هؤلاء العمالقة؟ الجواب عن هذا السؤال غير ممكن في الوقت الحاضر، وهذا ما يعترف به أصحاب الصناعة أنفسهم. نائب رئيس شركة "سيمبيان" يقر بعدم وجود سوق في الوقت الراهن، حيث لم تصدر طلبيات لحد الآن إلاّ عن نسبة صغيرة من مستخدمي الهاتف النقال. مع ذلك فالصناعة تتمسك بالاعتقاد بأن الطلب سيزداد. وفق الحكمة المعروفة "تفاءلوا بالخير تجدوه". وهذه هي الروح التي تسود أجواء الاستعداد لاثنين من أكبر معارض ومؤتمرات "هاتف الويب" وصناعات أجهزة لاسلكي المعلومات. مؤتمر "وايرلس نيت" Wireless Net يعقد في العاصمة الهولندية أمستردام في الفترة ما بين 8 و9 من الشهر الحالي، ومؤتمر ومعرض "نقل المحتويات باللاسلكي" Wireless Content Delivery، يعقد في العاصمة البريطانية لندن للفترة ما بين 21 و24 الشهر الحالي. كلا المؤتمران سيكون مناسبة للالتقاء بأساطين الصناعة العالمية والاطلاع على أحدث التطورات التقنية والاقتصادية في "هاتف الويب" الذي قد يصبح في يد الملايين خلال السنوات القليلة المقبلة. موقع مؤتمر "شبكة اللاسلكي" Wireless Net في أمستردام على الانترنت: www.firstconf.com/wireless99 موقع مؤتمر ومعرض "نقل المحتويات باللاسلكي" Wireless Content Delivery، في لندن على الانترنت: www.aic.co-uk.com