ركزت الولاياتالمتحدة الاميركية جهودها، أمس، على ما تسميه "وقف اطلاق النار" بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، مواصلة بذلك رفض الاعتراف بمسؤولية اسرائيل عن اطلاق النار على الفلسطينيين ووقوع أكثر من 80 شهيداً حتى الآن. وقال وليام كوهين وزير الدفاع الاميركي في حديث صحافي في ختام زيارة قصيرة الى تونس انه "يجب وقف اطلاق النار فوراً في الشرق الأوسط للسماح للجانبين باستئناف المفاوضات". وحذر من انه "في حال استمر الوضع على حاله فإن أعمال العنف ستفلت من أي رقابة، وستؤدي الى المزيد من الدمار والقتل، ولا أحد منا يريد ذلك". اما الرئيس الاميركي بيل كلينتون فألغى زيارة داخلية الى أوهايو بسبب أحداث الشرق الأوسط واتصل بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك لاقناعهما بالموافقة على صيغة لمشروع قرار يصدر عن مجلس الأمن، ولا يتضمن ادانة اسرائيل أو دعوة لتشكيل لجنة تحقيق دولية، وذلك بعدما تعقدت المناقشات في مجلس الأمن حول هاتين القضيتين اللتين رفضتهما الولاياتالمتحدة واسرائيل، بينما يطالب بهما الفلسطينيون والعرب ودول عدم الانحياز حتى ان واشنطن هددت باستخدام الفيتو، مع خشيتها من ذلك لاقتناعها بأنه سيؤدي الى مزيد من التوتر في المنطقة. وسعى كلينتون الى تجاوز مجلس الأمن بالحصول على موافقة عرفات على الصيغة الاميركية المقترحة، باعتبار ان الموافقة الاسرائيلية مضمونة. وبينما كان المسؤولون الاميركيون منشغلين بهذا الأمر، تفجر الوضع بين لبنان واسرائيل، فيما تواصلت تظاهرات الغضب العربية في دمشق دعا اليها حزب البعث الحاكم، وفي القاهرة حيث اشتبك طلاب جامعة القاهرة مع الشرطة وجرح منهم 22 شخصاً، بعدما حاولوا التوجه نحو السفارة الاسرائيلية، وفي مدينتي تعز ومأرب اليمنيتين. واعلن مساءً ان السلطات المغربية حظرت تظاهرة غداً في الدار البيضاء، وسمحت بتظاهرة في الرباط دعت اليها الاحزاب. كما استمرت المواجهات في الضفة الغربية فاستشهد مواطن فلسطيني قرب مستوطنة نتساريم في قطاع غزة. وتوفي آخر في نابلس متأثراً بجروح أصيب بها أول من امس في محيط مستوطنة ايلون موريه. وأصدرت حركة "حماس" بياناً دعت فيه الى وقف المفاوضات، وتصعيد الانتفاضة، ووقف التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية واسرائيل، واطلاق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين. وصدرت بيانات مماثلة عن الجبهتين الشعبية والديموقراطية. بينما أعلن الرئيس ياسر عرفات في اسبانيا، حيث يشارك في منتدى حول الأمن في المتوسط، ان الحكومة الاسرائيلية "وضعت خطة عسكرية واقتصادية، وفرضت حصاراً على الأراضي الفلسطينية يهدف الى تجويع شعبنا، ومن أجل تفجير الأوضاع". أجواء احباط في مجلس الامن وكانت أجواء التوتر والغضب والاحباط انتقلت الى ساحة مجلس الأمن حيث تداخلت ديبلوماسية السعي الى مشروع قرار دعمته 14 دولة مع ديبلوماسية اقحام التعديلات والمماطلة وتأجيل التصويت التي تبنتها الولاياتالمتحدة في اليومين الماضيين. واستؤنفت المفاوضات على نص مشروع القرار، أمس السبت، وبقي مصيره مجهولاً لأن التطورات على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية أعطت الأمور بعداً جديداً. وأجرى الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي انان، صباح أمس اتصالات هاتفية مع "جميع القادة المعنيين في المنطقة وخارجها"، حسب مصادر الأمانة العامة، وقرر أن يحضر المشاورات في مجلس الأمن. وفيما تفاوض السفراء حتى الساعة الثانية من صباح أمس السبت، تظاهر أكثر من 2000 شخص في "تايمز سكواير" دعماً للفلسطينيين واحتجاجاً على الممارسات الاسرائيلية. وكانت المفاوضات أسفرت عن نص لمشروع قرار في الساعة السادسة مساء الجمعة. ثم، فجأة، تقدمت الولاياتالمتحدة بتعديلات جديدة، وبدأت عندها سلسلة المطالبة بتعديل تلو الآخر، بتعليمات من واشنطن. وبرز الاستياء في صفوف الدول الأخرى الأعضاء في المجلس لدى امتناع الوفد الأميركي عن إيضاح ما يريده وما يترتب عليه، اذ أنه رفض الكشف عما إذا كان على استعداد للتصويت لمصلحة القرار وفي أي ظروف، أو الامتناع عن التصويت عليه، أو ممارسة حق "الفيتو" لمنع المجلس من تبنيه. وقالت مصادر المجلس انها لمست حرجاً في الموقف الأميركي إذ تداخلت اعتبارات عدة فيه، أبرزها ما سيؤدي اليه استخدام "الفيتو"، أو حتى الامتناع عن التصويت، من ازدياد التوتر في المنطقة وانحسار الصدقية الأميركية واندلاع النقمة من مثل هذا الموقف على الساحة العربية. وأشارت المصادر الى اعتبارات انتخابية، ذات علاقة بالمرشح للرئاسة آل غور وبالمرشحة لمنصب سيناتور نيويورك هيلاري كلينتون، إذا صوتت الولاياتالمتحدة لمصلحة القرار. وأبلغ السفير الأميركي لدى الأممالمتحدة، ريتشارد هولبروك، ان الرئيس بيل كلينتون في حاجة الى المزيد من الوقت ليستكمل اتصالاته بالقادة المعنيين، وأنه على استعداد للتحدث مع كل عضو في مجلس الأمن، بهدف معالجة الخلافات. وقال "اننا نتعاطى مع وضع متفجر في المنطقة"، ولذلك "لكل كلمة أهميتها" في مشروع القرار، "فمن الصعب التعاطي مع وضع بهذا القدر من التفجر" مع وصول معلومات عن تطور بعد الآخر في خضم المفاوضات.