وصل الطلب الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين، المقدم إلى مجلس الأمن إلى طريق مسدود، بعد اصطدامه بحاجز عدم الحصول على الأصوات التسعة المطلوبة، التي بدونها لا تضطر الإدارة الأميركية إلى استخدام حق النقض "الفيتو" التي هددت باستخدامه؛ وفي ظل عدم اتخاذ القيادة الفلسطينية قراراً بعرضه على التصويت أو بالتوجه إلى الجمعية العامة للحصول على العضوية المراقبة، أو إلى الوكالات التابعة للأمم المتحدة، للحصول على العضوية الكاملة فيها. فالقيادة لا تزال تدرس إمكانية طرح الطلب على التصويت، وما يعنيه ذلك من مواجهة احتمال الهزيمة بعدم الحصول على الأصوات المطلوبة، أو استخدام الفيتو الأميركي إذا حصلت عليها، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على العلاقات الأميركية – الفلسطينية في الحالتين، وخصوصاً في الحالة الثانية. السلطة تتمسك بخيار المفاوضات ولجوئها إلى الأممالمتحدة لتحسين فرص استئناف شروط المفاوضات الخلفية التاريخية حاول الفلسطينيون والعرب، خصوصاً بعد هزيمة 1967، وبعد الاعتراف العربي والدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني سنة 1974، توظيف الشرعية الدولية لصالح القضية الفلسطينية عبر القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة، التي بالرغم من الغبن التاريخي الذي احتوته بالنسبة إلى الحقوق الوطنية الطبيعية والتاريخية الفلسطينية، إلا أنها تضمنت الحد الأدنى من هذه الحقوق المتمثلة في: حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير الذي يشمل حقه في إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وحق اللاجئين في العودة والتعويض على أساس قرار 194. بعد توقيع اتفاق أوسلو وما تضمنه من تنازلات كبيرة ، كان منها الاعتماد على التفاوض الثنائي بعيداً عن الأممالمتحدة وإهمال المؤسسات الدولية إلى أن انتهت المرحلة الانتقالية المنصوص عليها في اتفاق أوسلو دون التوصل إلى اتفاق نهائي ، وبعد فشل قمة كامب ديفيد التي حاول فيها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إنقاذ ما يسمى "عملية السلام" قبل انهيارها التام ، وبعد شن العدوان الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية ورئيسها الراحل ياسر عرفات ؛ عادت منظمة التحرير إلى المؤسسات الدولية ، وحصلت على الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي حول الجدار التي تضمنت كنزاً سياسياً وقانونياً هائلاً يمكن استخدامه ليس ضد إقامة الجدار فقط، وإنما ضد الاحتلال باعتباره احتلالاً غير شرعي وغير قانوني، وبالتالي ضد كل ما أقامه الاحتلال من استيطان وجدران ومصادرة وتقطيع أوصال، وما مارسه من سياسات وإجراءات باعتبارها غير شرعية وغير قانونية. ولم يتم تفعيل الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي مع أنها توفر سلاحاً مهماً، لأن الرهان على المفاوضات عاد بقوة، خصوصاً بعد وفاة ياسر عرفات في 11/11/2004. واستؤنفت المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين طوال عام 2008 وفشلت في التوصل إلى اتفاق، وتكرر الفشل بعد إحياء المفاوضات وانهيارها بعد استئنافها في التاسع من أيلول 2010. بعد مسلسل الفشل المتكرر للمفاوضات وانهيار عملية السلام، ترسخت لدى القيادة الفلسطينية فكرة ضرورة التوجه إلى الأممالمتحدة للحصول على العضوية لدولة فلسطين للأسباب الآتية: أولاً: هناك "ما يشبه الوعد الأميركي" الذي ورد على لسان الرئيس الأميركي في خطابه السنوي في افتتاح الدورة العامة للأمم المتحدة في أيلول عام 2000، حيث تمنى أن يرى مقعداً لفلسطين عند انعقاد الدورة القادمة. ثانياً: صدور بيان من اللجنة الرباعية الدولية يؤكد على التزامها بإنجاح المفاوضات الثنائية الفلسطينية – الإسرائيلية، ووصولها إلى اتفاق خلال عام يتضمن إقامة دولة فلسطينية بحلول أيلول عام 2010. وبدأت ملامح السياسة الفلسطينية تظهر بعد تداعيات تقرير غولدستون، ومن خلال خطاب الرئيس الفلسطيني في قمة سرت العربية 2010، حيث تحدث عن خيارات سبعة، كان من ضمنها اللجوء إلى الأممالمتحدة كمكمل ومساعد وليس كبديل عن المفاوضات، التي استمر الرئيس "أبو مازن" يردد، حتى الآن، بأنها "خياره الأول والثاني والثالث". وتجلت السياسة الجديدة بصورة أوضح بعد الربيع العربي وتراجع الإدارة الأميركية واللجنة الرباعية عن وعودهما، ومع بداية حراك شبابي فلسطيني ضاغط من أجل إنهاء الانقسام. السلوك الفلسطيني تباينت ردود الفعل الفلسطينية على التوجه إلى الأممالمتحدة: - منظمة التحرير وأوساط شعبية واسعة اعتبرته تغييراً يستحق التأييد في السياسة التقليدية التي اعتُمدت منذ توقيع اتفاق أوسلو. - فيما حذرت قطاعات سياسية وشعبية أخرى من مخاطر هذا التوجه خشية من أن يؤدي طرح طلب الاعتراف بالدولة إلى الأممالمتحدة إلى المساس بحق تقرير المصير لجميع الشعب الفلسطيني وحق العودة ومكانة منظمة التحرير، على أساس أن قبول الطلب الفلسطيني يعني بأن مقعد فلسطين الذي تشغله منظمة التحرير ستشغله الدولة الفلسطينية. - كما رفضت قطاعات سياسية وشعبية وفلسطينية ثالثة التوجه الفلسطيني من حيث المبدأ، لأنه يكرس التنازل عن 78% من فلسطين، ويعترف بإسرائيل دولة يهودية، كما يظهر بالإشارة إلى قرار 181، ويمس بحق عودة اللاجئين، وكذلك لأنه يتم كخطوة انفرادية دون إشراك الفصائل والقطاعات الأخرى التي لا تزال خارج المنظمة، خصوصاً حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتأتي في ظل استمرار الانقسام الذي سيضر حتى بفرص نجاح الطلب الفلسطيني. وهذا ما حصل بالفعل، فالتقرير الذي رفعته اللجنة الفرعية المنبثقة عن مجلس الأمن بخصوص الطلب الفلسطيني جاء فيه: إن الدولة الفلسطينية لا تمارس سيطرتها على 40% من الأرض التي ستقام عليها الدولة، وعلى جزء من السكان، وهذا ما استخدمته الدول التي هددت برفض الطلب، أو الامتناع إذا عُرِضَ الطلب للتصويت. إن تقديم الطلب إلى مجلس الأمن بالرغم من الدعوات العربية والمبادرة الأوروبية، وتحديداً الفرنسية التي طالبت بتقديم الطلب إلى الجمعية العامة مقابل دعم أوروبي له على أساس التزام فلسطين بعدم اللجوء إلى مجلس الأمن واستئناف المفاوضات، وعدم تقديم طلبات للانضمام إلى الوكالات التابعة للأمم المتحدة؛ يدل على أن القيادة الفلسطينية متمسكة بالحصول على العضوية الكاملة، وفي الوقت نفسه، لا ترغب في الدخول في صدام مع الإدارة الأميركية التي تعارض التوجه إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وإن كان الخيار الأخير أقل إحراجاً لها لأنه يجنبها استخدام الفيتو. كما يدل أيضاً على أن القيادة الفلسطينية متمسكة بخيار المفاوضات، وأن ذهابها إلى الأممالمتحدة ليس بديل عن المفاوضات، وإنما من شأنه أن يعزز احتمالات استئنافها؛ ما يجعل اللجوء إلى الأممالمتحدة مجرد تكتيك لتحسين فرص استئناف شروط المفاوضات، وليس إستراتيجية جديدة متكاملة. السلوك الإسرائيلي إن الموقف الإسرائيلي معارض مبدئياً، وبشكل مطلق، للجوء إلى الأممالمتحدة لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لأنه يدرك أن مشاركة الأممالمتحدة ستستدعي القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة، ويضع ثقلها في خدمة القضية الفلسطينية، الأمر الذي يساعد الفلسطينيين على تحقيق مطلبهم بأن يصبح التفاوض على أساس مرجعية دولية ملزمة لتطبيقها وليس التفاوض حولها، وفقاً للسياسة التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وأدت إلى تآكل الموقف التفاوضي الفلسطيني من إعلان الاستقلال والبرنامج الوطني المقر في المجلس الوطني عام 1988 إلى الموافقة على مبدأ تبادل الأراضي وتقسيم القدس وضم الكتل الاستيطانية، وإيجاد حل عادل "متفق عليه" لقضية اللاجئين التي تمت الموافقة على حلها وفقاً لمعايير كلينتون التي لا تتضمن حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، ولا تحمل إسرائيل المسؤولية القانونية والتاريخية والسياسية عما حل بهم منذ النكبة حتى الآن. لقد فضلت إسرائيل دائماً المفاوضات الثنائية بعيداً عن القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة وعن مشاركة أي طرف حتى الولاياتالمتحدة، لأنها تريد أن تستفرد بالفلسطينيين، ليجد المفاوض الفلسطيني نفسه ضعيفاً عاجزاً أمام الاختلال الفادح في ميزان القوى والتطبيق المتسارع للمشاريع التوسعية والاستيطانية والعنصرية الإسرائيلية التي تهدد بضياع ما تبقى من أمل بتحقيق حل متوازن. التداعيات لقد لا حظنا أن الذهاب إلى الأممالمتحدة، والحصول على العضوية الكاملة في اليونسكو أدى إلى تجميد مؤقت للمساعدات الأميركية ومنع تحويل العائدات الضريبية الفلسطينية التي تجمعها إسرائيل وتصل إلى 100 مليون دولار شهريا، أي ثلثي الإيرادات الفلسطينية، وأمام مخاطر تقويض السلطة والمساس بدور الأجهزة الأمنية التي تقوم بالتنسيق والتعاون الأمني مع قوات الاحتلال، وفي ظل الخشية من أن يؤدي ذلك إلى فتح الفلسطينيين لخيارات وبدائل أخرى بعيداً عن مسار المفاوضات الثنائية، مثل العودة إلى خيار المقاومة، ولو من خلال التركيز على المقاومة الشعبية وعلى حملات المقاطعة لإسرائيل، أو إلى التهديد بحل السلطة أو إعادة النظر في شكلها ووظائفها والتزاماتها، أو إنجاز المصالحة الوطنية واستعادة البعد العربي للقضية الفلسطينية. وبالفعل، لجأت السلطة الفلسطينية إلى تنظيم حملة لمقاطعة المنتجات التي تنتجها المستعمرات اليهودية ودعت إلى تعزيز المقاومة الشعبية وتطوير حملات المقاطعة لإسرائيل، وتم توقيع اتفاق المصالحة الوطنية في 4/5/2011 في القاهرة، وتتزايد حالياً الدعوات الرامية إلى تطبيقه، وهذا إن حدث على أساس الشراكة الحقيقية والقواسم الوطنية المشتركة على أسس ديمقراطية فإنه سيقوي الفلسطينيين ويزيد مناعتهم في مواجهة التهديدات والضغوطات الأميركية والإسرائيلية. في هذا السياق وأمام تعهد فلسطيني بوقف القيام بأي خطوات أحادية في الأممالمتحدة، خصوصاً عدم تقديم طلبات جديدة في الجمعية العامة والوكالات التابعة لها، وتأجيل تشكيل الحكومة التوافقية الفلسطينية إلى ما بعد 26/1/2012 (موعد انتهاء المهلة التي منحتها اللجنة الرباعية للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حتى يقدما رؤيتهيما حول الحدود والأمن)، الأمر الذي قدمته السلطة الفلسطينية، ورفضته إسرائيل، لأنها لن تقدم رؤيتها إلا بعد استئناف المفاوضات الثنائية المباشرة، وهذا موقف يَحظى بتأييد الإدارة الأميركية، بدليل أنها دعت مجدداً لاستئناف المفاوضات أولاً. السيناريوهات المحتملة لتطور الأحداث السيناريو الأول:الاستمرار في تقديم الطلب إلى مجلس الأمن وعدم عرضه للتصويت إلى أن يتم الحصول على الأصوات المطلوبة، وهذا متعذر الآن، ويمكن أن يصبح أصعب مع بداية العام القادم، حيث سيشهد خروج خمس دول من عضوية مجلس الأمن، أربع دول منها من المرجح أن تصوت لصالح الطلب الفلسطيني، ودخول خمس دول جديدة، ثلاث منها من المرجح أن تصوت لصالحه. ويحتمل هذا السيناريو إمكانية عرض الطلب للتصويت مع عدم حصوله على الأصوات التسعة المطلوبة، والذهاب بعد ذلك إلى تقديم طلب جديد إلى مجلس الأمن لمرة ثانية وثالثة وهكذا، إلى أن يتم موافقة مجلس الأمن وتحصل فلسطين على العضوية الكاملة. وهذا السيناريو يُحرج الولاياتالمتحدة، ولكنه لا يؤدي إلى أي مجابهة أميركية – فلسطينية، وهو مرجح في ظل المعطيات المطروحة حالياً. السيناريو الثاني:طرح الطلب الفلسطيني للتصويت وحصوله على الأصوات المطلوبة وأكثر، وهذا يؤدي إلى الفيتو الأميركي وحصول مواجهة فلسطينية مع الإدارة الأميركية التي لا تريد أن تظهر أمام العالم، خصوصاً بعد الربيع العربي كطرف يقف ضد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته، خصوصاً أنها أيدت قيامها منذ سنوات عديدة، واعتبرت إقامتها تحقق مصلحة إستراتيجية أمنية أميركية. وهذا السيناريو مستبعد، إلا إذا غيّرت بعض الدول التي ستمتنع عن التصويت مواقفها. السيناريو الثالث: تقديم طلب للحصول على العضوية المراقبة في الجمعية العامة مع أو بدون تقديم طلبات للحصول على العضوية الكاملة في الوكالات التابعة لها، وهذا السيناريو يؤدي إلى مواجهة فلسطينية أقل حدة مع الولاياتالمتحدة الأميركية وإسرائيل، ولكنها يمكن أن تؤدي إلى قطع المساعدات وتجميد العلاقات ومنع تحويل العائدات الضريبية إلى السلطة الفلسطينية.