لا يمكن أن نتحدث عن "عبدالناصر ومصر" إلا باستقراء الخريطة المعقدة للمناخ وللأمر الواقع الذي كان سائداً في أول الخمسينات في القرن الماضي، إذ انتهت الحرب العالمية الثانية العام 1945 بوجود معسكرين متناطحين، هما المعسكر الغربي برئاسة الولاياتالمتحدة الاميركية والمعسكر الشرقي برئاسة الاتحاد السوفياتي، وكان لا يمكن لمصر في ذلك الوقت تجاهل هذا الواقع خصوصاً وأن استراتيجية الاستقطاب كانت تعمل على قدم وساق للاحتواء والسيطرة مثل ما حدث مع حلف بغداد مع انتشار القواعد الأجنبية هنا وهناك في الساحة العالمية. وعلى سبيل المثال كانت توجد في منطقتنا قاعدة قناة السويس في مصر وقاعدة الحبانية في العراق وبنزرت في تونس وهويلس في ليبيا، وقواعد أخرى في السودان وعدن والسعودية والخليج والمغرب وكانت الجزائر ولاية فرنسية لها ممثلوها في الجمعية الوطنية في باريس. ولإستكمال قراءة الخريطة المعقدة لا بد وأن نتعرف على شخصية الزعيم الذي سوف نتحدث عنه حديث من عايشه وعاصره وعمل معه، وكذلك لا بد وأن نتعرف على حال مصر يوم أن قام عبدالناصر وصحبه بثورتهم صباح يوم 23 تموز يوليو 1952، لأن هذه هي النافذة الصحيحة لتقويم القرارات الخطيرة التي كان لا بد من اتخاذها فالقرار مرتبط بشخصية من يصدره، وكذلك فالقرار وليد ظروفه، وقد أعجبني ما كتبه تيودور سورنسون أحد معاوني الرئيس جون كنيدي في كتابه "اتخاذ القرارات في البيت الأبيض" إذ قال: "قد ينشد الرئيس من الكونغرس المشورة وقد ينشدها من وزرائه أو مستشاريه بل قد يطلب آراء الصحافة أو الأحزاب أو قد يستطلع اتجاهات الرأي العام ولكن مهما تعددت مصادر المشورة فإنه عندما تحين اللحظة الحاسمة أي لحظة مواجهة الحقيقة لا يكون هناك مجال لتعدد الآراء ولا يبقى سوى شخص واحد يتخذ القرار بمفرده ويتحمل مسؤوليته... ذلك الشخص هو رئيس الولاياتالمتحدة الاميركية". كان عبدالناصر مصرياً لحماً ودماً أو كما يقال أباً عن جد لا يميل إلا للأكلة المصرية والعادات المصرية والملابس المصرية وحتى حينما كان يدخن لم يدخن على الاطلاق السيجار أو يضع في فمه البايب واقترنت مصريته بعروبته فنظر إلى الأمن القومي المصري من خلال الأمن القومي العربي واشتهر الرجل بالاستقامة ما جعله لا يحني رأسه امام أحد واكسبته معرفته الواسعة واطلاعه العميق على ما يدور في العالم ثقة كبيرة بنفسه أثارت ضده حقد الكثيرين. وتميز بشجاعته الفائقة والتي جعلته يبدو أمام الجماهير المصرية والعربية كأحد فرسان الماضي الذي جاءهم على غير موعد، وربما قبل الأوان، وجعلته ثوريته الدافقة يخوض المعارك العديدة ربما بأكثر من موارده المتاحة وألّبت عليه القوى العديدة وأورثه عناده وأصله الصعيدي عدم قبول الضربات التي توجه إليه والرد عليها بضربات مضادة كعادة الأخذ بالثأر. وإذا انتقلنا إلى الحديث عن الوجه الآخر للعملة وهي مصر، لوجدنا انها كانت تعاني من حال اقتصادية متردية، فقد كانت آخر موازنة للدولة تعاني عجزاً قدره 39 مليون جنيه، كما كانت تعاني من النمو البطيء لفترات طويلة لم يتعد 5،1 في المئة من الدخل القومي، وهي زيادة لم تكن تكفي مواجهة الزيادة في نمو السكان، لدرجة ان مخصصات الاستثمار في مشاريع جديدة كانت صفراً في آخر موازنة قبل الثورة. كما أن رصيد مصر من الاسترليني المتجمد لها في مقابل ما قدمته من سلع وخدمات للقوات البريطانية في زمن الحرب، جرى استخدام معظمه، ولم يكن متبقياً منه إلا 80 مليوناً من أصل 400 مليون جنيه، تم الاتفاق مع بريطانيا على الافراج عن 20 مليونا منها كل سنة. كان الشعب علاوة على ذلك يواجه خللاً كبيراً بين الحقوق والواجبات. فالتعليم كان مقصوراً على عدد محدود يملك كلفته. واقتصر دفع ضريبة الدم على الفقير الذي لا يمكنه اعفاء نفسه من التجنيد بعشرين جنيها يدفعها للدولة، علاوة على مواجهته الخطر الداهم من الثالوث القاتل وهو الفقر والجهل والمرض، ووقوعه في الوقت نفسه تحت ضغطين رئيسيين يتمثل أحدهما في التفاوت الخطير بين الطبقات، ويتمثل الآخر في الديكتاتورية البرلمانية التي كانت انعكاساً طبيعياً للسيطرة الاقتصادية التي كانت في أحد جوانبها سيطرة رأس المال على الحكم. وتقرر لمواجهة ذلك انشاء مجلس أعلى للإنتاج ومجلس أعلى للخدمات لإزالة قلاع الظلم الاجتماعي عن طريق التخطيط العلمي الشامل. وحددت الثورة لنفسها هدفاً مضاعفة الدخل القومي كل 5 سنوات. واتخذ عبدالناصر اجراءات تكفل اعادة توزيع الدخل بما يصب في مصلحة قوى الشعب العاملة، واصدر قوانين الاصلاح الزراعي وتحديد الحد الأدنى للأجور وتحديد ساعات العمل وتطبيق نظام التأمينات الاجتماعية ومنع الفصل التعسفي واقرار حق العاملين في إدارة مؤسساتهم ونصيبهم في الأرباح كمحاولة لنقل السلطة السياسية من يد السلطة الاقتصادية. وكان نتيجة طبيعية لذلك أن يبدأ أول مجلس للأمة البرلمان بتطبيق ان تكون نسبة 50 في المئة من أعضائه من العمال والفلاحين، كما تقرر مبدأ مجانية التعليم في مراحله كافة. وإذا انتقلنا إلى قراءة خريطة الأمر الواقع الذي كان قائما من ناحية الشرق من مصر، على سبيل المثال، لوجدناه واقعاً مقلقاً. هذا الشرق الذي كان على مر العصور حتى منذ أيام قدماء المصريين تأتي عن طريقه التهديدات العظمى والغزوات الكبرى، فهو طريق الأنبياء والأعداء على حد سواء. كانت هناك إسرائيل التي قامت على حدودنا الشرقية وكانت هناك القاعدة البريطانية في منطقة قناة السويس ورئاستها في الاسماعيلية تقطع خطوط مواصلات قواتنا من القاعدة في الدلتا الى حدودنا الشرقية وتهدد بالتدخل واحتلال الدلتا في كل وقت بموجب معاهدة 1936 التي الغتها حكومة حزب الوفد قبيل قيام الثورة. وكانت هناك شركة قناة السويس الفرنسية التي كانت تدير القناة باسم مصر ظاهرياً بموجب امتياز ينتهي العام 1968 ولكنها كانت تملك القناة وتستولي على ايراداتها بصفة فعلية. إسرائيل كانت اصبحت دولة باعتراف غالبية دول العالم، وأصبحت عضواً في الأممالمتحدة. وكان هناك البيان الثلاثي للعام 1950 الذي ضمنت به كل من الولاياتالمتحدةوبريطانيا وفرنسا تحديد نقل السلاح الى المنطقة لإبقاء التفوق في ميزان القوى الإسرائيلي على كل الدول العربية حتى يتم فرض سلام واقعي غير عادل بين إسرائيل والدول العربية. وكانت هناك اتفاقية الهدنة العام 1949 تفرض استقراراً قلقاً في المنطقة، ولم يضع عبدالناصر التعامل مع إسرائيل في أسبقياته عند نجاح الثورة، لا لعدم الرغبة، ولكن للعجز في القدرة وتركزت أسبقياته حينئذ في غرضين: الأول إنهاء الاحتلال البريطاني لمصر والثاني التخطيط لتنمية مصر بموجب مشروع تنمية طموح يتم تنفيذه. وأكد عبدالناصر ذلك لريتشارد كروسمان الوزير البريطاني السابق وعضو مجلس العموم في ذلك الوقت عند مقابلته اياه في مطلع العام 1953 حينما كانا يتحاوران في زيارة قام بها إلى مصر، ومن جانبه أكد كروسمان لعبدالناصر رفض بريطانيا الجلاء عن قاعدة القناة وأن عليه "أن يقتلهم لا قتالهم فقط قبل أن ينفذ ذلك". وغادر كروسمان الى لندن، ولكن بن غوريون - الذي كان صديقاً له - استدعاه إلى تل أبيب ليعرف ما دار بينه وبين عبدالناصر، ولما نقل إليه "عدم اهتمام عبدالناصر بإسرائيل الآن لتركيزه على التنمية، باعتبار ان هذا خبر سار، صاح: "هذه أسوأ معلومات سمعتها في الأيام الأخيرة"، فلن تسمح إسرائيل بخروج الانكليز من مصر ولا بدخولها مجالات التنمية قبل أن تسوي مشكلتها مع إسرائيل" وفعلاً لجأت إسرائيل في اتصالاتها مع كل من لندن أولا ثم واشنطن لتنفيذ ذلك. وكان هذا وراء الجهود التي بدأت لندن أولا ومعها واشنطن بعد ذلك لوضع خطط فرض سلام في المنطقة من بينها خطة ألفا ALPHA والتي لم تكن مصر تدري عنها شيئا علاوة على قيامها بالغارات العدوانية كنوع من أنواع الضغط. وليس هناك داع لتكرار ما هو معروف عن قتال عبدالناصر مع إسرائيل بمفرده أحياناً ومع بعض البلاد العربية أحياناً أخرى، والذي استمر فيه حتى مات ما جعل مناحم بيغين يعلق حينئذ يقول: "لا أريد مسايرة النفاق الذي يدور الآن في العواصم المختلفة لأنني أؤكد أن ألد أعدائنا قد مات اليوم". مات ولم يستسلم، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. أما عن القاعدة البريطانية في قناة السويس فقد حددت معاهدة 1936 حجمها بألا يتجاوز 10000 جندي إلا أنها زادت حتى بلغ تعدادها 80000 جندي بعد إلغاء حكومة الوفد المعاهدة والتهاب الموقف واشتعال المقاومة في المنطقة، وبعد مذبحة الاسماعيلية في 25/1/1952 التي راح ضحيتها 50 من رجال الشرطة وعدد كبير من الأهالي. حصلت الاستخبارات المصرية العام 1953 على وثيقة تتضمن خطة روديو RODEO لإعادة احتلال الدلتا عند الضرورة. وبدأت المفاوضات بين الثورة والبريطانيين للجلاء من دون جدوى. وكان لا بد من استئناف الأعمال الفدائية على شكل حرب منسية هي حرب التحرير. ولكن خوفاً من أن تتخذ القوات البريطانية من قواتنا في سيناء وعلى الحدود الشرقية رهينة تقرر سحب كل قواتنا من هذه المناطق، وقمتُ بوضع الخطة المناسبة، بحكم عملي في قسم الخطط في رئاسة الجيش، ووافق عليها عبدالناصر ونفذت تحت اشراف هيئة العمليات الحربية، وهكذا بدأت العمليات التي جعلت وجود القوات في المنطقة مستحيلاً، وكان من نتيجة ذلك توقيع اتفاقية الجلاء في 19 تشرين الأول اكتوبر سنة 1954 التي نصت على انسحاب كل القوات خلال 20 شهراً مع الاحتفاظ بالقواعد والمنشآت صالحة تحت مباشرة عدد من الخبراء المدنيين، إلا أنه تم الاستيلاء على القاعدة بما فيها من عتاد وأسلحة وإلغاء هذه المعاهدة بعد اندحار القوات المعتدية اثناء العدوان الثلاثي العام 1956 علاوة على تمصير كل الممتلكات الأجنبية وأصبحت مصر للمرة الأولى مستقلة لا يوجد فيها جندي أجنبي وأصبح يتولى رئاستها مصري. أما عن شركة القناة فقد أممها عبدالناصر وخاض من أجلها حرباً والقصة معروفة ومسجلة في اشرطة السينما وفي كتب كثيرة ولكن هناك نقطتين أحب أن أبرزهما: النقطة الأولى تتعلق بخطة العدوان الثلاثي التي تم وضعها في التآمر في سيفر قبيل العدوان بأيام فقد وصلت الخطة إلى عبدالناصر صباح يوم 31/10/1956، وهو بداية العدوان، بحذافيرها، ولكنه لم يصدقها. أما النقطة الثانية فإنه ثبت أن السبب الرئيسي للعدوان كان صفقة السلاح التشيكية العام 1955 والتي وصفها فوستر دالاس وزير خارجية الولاياتالمتحدة بأنها أخطر حدث بعد حرب فيتنام. وكان التأميم حافزاً لذلك كما ثبت من الوثائق التي أفرج عنها بعد مرور 20 عاماً على حدوثها لأن صفقة السلاح سببّت خللاً في توازن القوى على المستويين العالمي والإقليمي. علامات أخرى في اطار موضوع عبدالناصر ومصر: - رفع عبدالناصر شعار الحرية والاشتراكية والوحدة وكان يعني بالحرية حرية الوطن والمواطن، وكان يعني بالاشتراكية تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق كفاية الإنتاج وعدالة التوزيع، وكان يعني بالوحدة وحدة العالم العربي ولو بتوحيد الهدف والعمل الجماعي. - كان يؤمن بأن الثورة يجب أن تكون معطاءة، فإذا كانت تأمل أن تنال المساعدة من الغير فعليها العطاء، فوقفت مصر إلى جانب ثورة اليمن والجنوب اليمني والجزائر ووقفت مع وساعدت كل الحركات التحررية في افريقيا. ولذلك ردوا لمصر الجميل بعد هزيمة 1967 وقطعوا العلاقات مع إسرائيل ولم يستأنفوها إلا بعد اتفاقية كامب دايفيد العام 1979. - كان يؤمن بأن الديموقراطية السياسية من دون الديموقراطية الاجتماعية هي مجرد وهم. فالديموقراطية ليست بالأحزاب ولا للأحزاب، ولكن الديموقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا بتحرير لقمة العيش. - كان الغرض من الاصلاح الزراعي والتأميمات ليس فقط اعادة توزيع الملكية ولكن كان الغرض منع سيطرة رأس المال على الحكم وزيادة عدد الملاك وتحرير الصوت الانتخابي ولذلك عمل على اشتراك العمال في الادارة وتحقيق نسبة 50 في المئة من العمال والفلاحين في المجالس النيابية. - كان يرفض القواعد العسكرية الأجنبية والأحلاف غير العربية وعدوان السلاح العربي على شعب عربي آخر كما حدث في أزمة العراق والكويت أيام حكم عبدالكريم قاسم. - كان يفرق بين الثورة والانقلاب، فالأخير هو مجرد تغيير وجوه الحكام ويصبح الحكم غرضاً في حد ذاته، أما الثورة فهي تغيير الأمر الواقع لمصلحة الجماهير. وهنا يصبح الحكم وسيلة لتحقيق أغراض الثورة وتكون السلطة هي مجرد طليعة للشعب للحصول على أهدافه وتمنياته. - آمن بعدم الانحياز، فلا ينحاز إلى كتلة من الكتلتين، ودفع الثمن لأن الولاياتالمتحدة كانت تؤمن بأن المنضمين تحت جناحها هم معها، وأما من ليسوا معها فهم ضدها. لم يكن طريق عبدالناصر سهلاً وهو يحاول النهوض بمصر فقد خاض معارك كثيرة: معركة الاصلاح الزراعي والتأميم وكسر احتكار السلاح، حلف بغداد، تأميم قناة السويس، الوحدة مع سورية، السد العالي، الانفصال، معركة 1967، حرب الاستنزاف، عدم الانحياز. وكان من الطبيعي أن يصيب ويخطئ وينتصر وينهزم، فقد خسر نابليون في روسيا أمام استراتيجية ميخائيل كوتوزوف ثم هزم في ووترلو أمام ولنغتون وبلوخر، ولكنه مكرم معز في مثواه الأخير في الانفاليد، وكان عبدالناصر قبل كل شيء إنساناً وليس ملاكاً، تحرك في ظروف صعبة وضغوط هائلة، ولكن ظل علمه مرفوعاً في يده وظل رأسه عاليا لا يعرف الانحناء وظلت ارادته قوية لم تنكسر وظل غرضه السامي، وهو رفعة مصر، أمام نظره وفي قلبه حتى مات. وعندما مات عبدالناصر ترك لمصر ولشعبها الكثير والكثير حتى يستمروا في رفع اعلامها وترديد أناشيدها. فقد ترك لهم مجانية التعليم في كل المراحل، ونسبة 50 في المئة من العمال والفلاحين في مجالسهم النيابية، والحكم المحلي لمحافظاتهم في كل انحاء الوادي. ترك لهم حائط الصواريخ قريباً من القناة لتعبرها قواتهم تحت ستارها في حرب تشرين الأول اكتوبر وجيشاً مدرباً مستعداً لتلقي الأوامر لمحو عار الهزيمة عندما يحين الوقت المناسب. وأقام السد العالي الذي يحفظ مياه النيل لهم ليقيهم شر الجفاف ويؤّمنهم من غرق الفيضان والذي ما كان لا يمكن من دونه التفكير في مشروع توشكى العظيم ولا في عبور مياه النيل إلى سيناء. وأقام لهم القاعدة الصناعية الضخمة التي يبيعون بعضها الآن لتسديد ديونهم ولاستثمار البعض منها في زيادة الدخل القومي، ورقعة زراعية كبيرة يعملون على توسعتها، وكهرباء فائضة ليعملوا على مضاعفتها لإنارة القرى وإدارة المصانع. وترك لهم حكماً جمهورياً بديلاً من الحكم الملكي بالوراثة. فنحن شعب - كما قال الزعيم أحمد عرابي للخديوي توفيق - لا نورث. وأهم من كل ذلك ترك لهم ثروة لا تقدر بمال من العمال المهرة الذين تدربوا في اقامة وإدارة منشآت وصناعات لم يمارسوها من قبل. وليس غريبا بعد كل ذلك أن ودعه الشعب بنشيد لا يعرف من كتبه أو لحنه: الوداع يا جمال يا حبيب الملايين الوداع ثورتك ثورة كفاح عشتها طول السنين الوداع انت عايش في قلوبنا يا جمال الملايين الوداع انت ثورة انت جمرة نذكرك طول السنين الوداع انت نوارة بلدنا واحنا عذبنا الحنين الوداع انت ريحانة زكية لأجل كل الشقيانين الوداع الوداع يا جمال يا حبيب الملايين الوداع ولا غرو بعد ذلك أن يرثيه نزار قباني في قصيدة رائعة باكية: قتلناك يا جبل الكبرياء وآخر قنديل زيت يضيء لنا ليالي الشتاء وآخر سيف من القادسية قتلناك نحن بكلتا يدينا وقلنا المنيه لماذا قبلت المجيء إلينا فمثلك كان كثيراً علينا ونشرت "رويتر" تعليقاً لمناحم بيغن زعيم كتلة جحل في إسرائيل قال فيه "إن الرئيس عبدالناصر كان أخطر أعداء إسرائيل.. ان وفاة عبدالناصر تعني وفاة عدو مُرّ. انه كان أخطر عدو لإسرائيل. ولهذا السبب لا نستطيع أن نشارك في حديث النفاق الذي يملأ العالم كله عن ناصر وقدرته وحكمته وزعامته". ولعل بيغن كان من القليلين الذين صدقوا مع أنفسهم فلم يغير لون جلده بمرور الوقت كما تفعل الحرباء وكما فعل آخرون. * كاتب ووزير دفاع مصري سابق.