محمد هجرس - الإسماعيلية في احتفالية أسطورية حضرها عدد من قادة وزعماء العالم ، دشنت مصر عصر أمس، مشروع قناة السويس الجديدة، حيث أعطى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إشارة بدء الملاحة رسميًا بالمجرى الجديد بعد عام بالضبط من بدء تنفيذه. ووسط فرحة شعبية عارمة في الشوارع والميادين المصرية، تزامنت مع إجراءات أمنية عالية المستوى، مدعومة بعناصر القوات الخاصة -الأكثر تأهبًا- التي فرضت قبضتها على محافظات القناة الثلاث، وأحكمت سيطرتها القوية على الطرق ومداخل ومخارج المدن، عبر أكمنة تفتيش وبوابات إلكترونية بدأت مراسم الحفل الرسمي، بعد اكتمال وصول الوفود المشاركة من أكثر من 100 دولة عربية وأجنبية، رافقتها عروض استعراضية جوية من قبل أسراب من المروحيات العسكرية تحمل العمل المصري، وكذا مشاركة 4 طائرات حربية تابعة لسلاح الجو الملكي السعودي، وفق ما صرح به سفير المملكة ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية السفير أحمد بن عبدالعزيز قطان لفضائية مصرية صباح الخميس. وأضاف أيضًا: «إن السعودية ستشارك بقوة في مشروع تنمية محور قناة السويس». بالزي العسكري وقبيل الحفل الرسمي استعرض الرئيس السيسي الذي ظهر -للمرة الثانية منذ توليه السلطة في يونيو 2014- بزي القائد الأعلى للقوات المسلحة على متن اليخت الملكي التاريخي «المحروسة» مجرى قناة السويس الجديدة، بمرافقة قطع من البحرية المصرية، تتقدمها الفرقاطة «فريم» التي حصلت عليها مصر قبل أيام من فرنسا. فيما حلقت طائرات الاستطلاع المبكر وF16 في الأجواء. وكذلك قدمت طائرات التخرج «سيلفر ستارز» التابعة لسلاح القوات الجوية، عروضًا جوية أطلقت خلالها أدخنة بلون العلم الوطني. وبعد أن وصل الرئيس المصري إلى المنصة الرئيسية يرافقه ضيوف البلاد من ملوك ورؤساء وأمراء الدول الشقيقة والصديقة، بدأت فعاليات الحفل النهاري، بالنشيد الوطني، الذي أعقبه عرض فيلم تسجيلي عن القناة، فكلمة لرئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش، ثم كلمة للرئيس المصري، الذي وقع بعدها وثيقة افتتاح القناة، وأعطى إشارة البدء بالملاحة رسميًا. 35 كيلو مترًا ويتضمن المشروع الذي أطلق عليه اسم «قناة السويس الجديدة» مجرى ملاحيًا جديدًا بطول 35 كيلو مترًا موازيًا لقناة السويس الأم التي يبلغ طولها 164 كيلو مترًا والتي شقها الفرنسي فرديناند ديليسبس مع عمال مصريين بالسخرة وافتتحت عام 1869. والمشروع يسمح بمرور السفن في الاتجاهين بجزء من القناة التي تربط بين البحرين المتوسط والأحمر. كما يتضمن تعميق وتوسيع أجزاء من القناة القديمة. واكتمل المشروع في عام واحد فقط بدلًا من خمس سنوات في التصورات الأولية. والمشروع الذي أشرف عليه الجيش وبلغت تكلفته ثمانية مليارات يورو يعطي صورة مغايرة مثيرة للإعجاب فيما يتعلق بالسرعة والكفاءة في الأداء مقارنة بخطط مشروعات كبرى أخرى في مصر، إما لا تزال حبرًا على ورق أو تأخر إنجازها كثيرًا أو وقعت في شرك الروتين والبيروقراطية. والقناة الجديدة مبعث فخر وطني في بلد تلقى اقتصاده المترنح -الذي يجد صعوبة بالغة في إطعام 82 مليون مواطن- ضربات متكررة بسبب عدم الاستقرار السياسي وسوء الإدارة منذ الإطاحة بحسني مبارك في 2011. وقد أولت حكومة السيسي افتتاح قناة السويس الجديدة أقصى دعاية ممكنة. وأعلن الخميس إجازة عامة وزينت القاهرة بلافتات تحتفي بالقناة الجديدة وتصفها بأنها «هدية مصر للعالم» وبأنها «من أم الدنيا.. لكل الدنيا». ولا يخلو الأمر من تساؤلات منها على سبيل المثال: هل هناك إقبال كاف على الملاحة لتحقيق الهدف الطموح المتمثل في مضاعفة حجم المرور وزيادة العائدات من 5.3 مليار دولار سنويًا حاليا إلى 13 مليار دولار عام 2023؟ وهل ستشارك شركات القطاع الخاص في المنطقة الصناعية المخطط إقامتها إلى جانب المجرى الملاحي الجديد؟ وهل ستوفر كمًا من فرص العمل قرب المليون وظيفة المأمولة؟ تتحمس شركات ملاحة كبيرة مثل (ميرسك) و(سي.إم.إيه-سي.جي.إم) للمشروع لكنها لا تخطط لزيادة سفنها العابرة للقناة هذا العام. وهناك أيضًا منافسة من قناة بنما التي تم توسيعها وممرات ملاحية أخرى من المزمع مدها في أمريكا الوسطى. ومع تباطؤ الاقتصاد الصيني ستنمو التجارة العالمية بمعدل أبطأ بكثير من ذلك الذي يمكن أن يدر العائدات المرجوة من قناة السويس. وهناك مشروعات أخرى كبيرة يمكن أن تحسن وبشكل فوري حياة المصريين مثل «العاصمة الإدارية الجديدة» لكنها تعاني من التأجيل المتكرر. تاريخ القناة تاريخيًا وفي القرن التاسع عشر اقنع الفرنسيون ملك مصر بأن بناء قناة تصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الحمر ستجلب له المجد. وبعد مرور قرن ونصف القرن، يريد السيسي ترك بصمته على هذا المشروع بتوسيع قناة السويس. لم يعش سعيد باشا والي مصر والسودان بين 1854 و1863 طويلًا ليشهد تدشين القناة التي افتتحت بعد ست سنوات من وفاته. ولكن التاريخ يذكره بكونه الرجل الذي باع حقوق شق القناة الى القوى الامبريالية الفرنسية والبريطانية. القنصل الفرنسي فرديناند ديليسيبس كان الرجل الذي اقنع سعيد باشا بمنحه امتياز حفر القناة. وكانت قناة تربط النيل بالبحر الاحمر حفرت في العصور القديمة، لكن تم تركها منذ زمن طويل. غير ان القنصل الفرنسي ذو الشارب الكثيف أراد نفض الغبار عن القناة مجددًا بإقناعه الملك الشاب منحه الامتياز. تمكن ديليسيبس من كسب صداقة الباشا فأمن له سرًا صحونًا من السباغيتي بحسب ما تقول المؤرخة عفاف لطفي السيد مارسو. ولأن سعيد باشا كان بدينًا أثار ذلك استياء والده محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة والخبير في الاستراتيجيات العسكرية، ففرض عليه برنامجًا رياضيًا مكثفًا. ولكن أصبح سعيد مشهورًا فهذا «بسبب سذاجته التي قادته الى توقيع تنازل ضار» واضعًا بلاده، التي كانت خاضعة للحكم العثماني، تحت مقصلة الديون الخارجية، بحسب ما تشرح مارسو في كتابها «قصة قصيرة عن مصر الحديثة». القناة التي حفرتها شركة قناة السويس التابعة لديلسيبس والتي افتتحت في 17 نوفمبر العام 1869، كلفت المصريين كثيرًا. آلاف العمال قضوا خلال اعمال شق القناة. وفي العام 1882، غزت بريطانيا العظمى مصر خوفًا من سيطرة الزعيم الوطني احمد عرابي على القناة والامتناع عن دفع ديون البلاد. انسحب البريطانيون في نهاية المطاف حين كانت سلالة سعيد باشا في الحكم، لكنهم تقاسموا استغلال القناة مع الفرنسيين، ما اغضب فيما بعد العقيد جمال عبدالناصر. استلم عبدالناصر السلطة في العام 1954، بعدما قاد انقلابًا ضد نظام الحكم الملكي العام 1952. ومثل أي زعيم مصري، كان السد العالي (سد أسوان) المشروع الذي اراد عبدالناصر ان يترك بصمته عليه. لكن الرئيس العروبي واجه صعوبة في الحصول على تمويل خارجي، خصوصًا أن بريطانياوفرنسا رفضتا ذلك بسبب دعمه للاستقلاليين في الجزائر وموقفه العدائي تجاه اسرائيل. كانت حينها عائدات قناة السويس تذهب الى خزائن لندن وباريس. وفي السادس والعشرين من يوليو 1956 قال عبدالناصر خلال توجيهه خطابًا الى الامة، انه التقى رئيس البنك الدولي يوجين بلاك في محاولة للحصول على تمويل للسد العالي في أسوان. «بدأت أنظر الى مستر بلاك، الذي كان يجلس امامي على الكرسي، وكنت اتخيل انني اجلس امام فرديناند ديليسيبس» لفظ عبدالناصر «كلمة السر» لتبدأ عملية تأميم القناة. مع نطقه لاسم القنصل الفرنسي اعطى عبدالناصر ضوءًا أخضر لقواته التي كانت تنتظر اشارة لاستعادة السيطرة على القناة وتأميمها وتحويل عائداتها الى الخزانة المصرية لتمويل السد العالي. واتفقت بريطانياوفرنسا الغاضبتان من الخطوة، وبدعم من اسرائيل على خطة عسكرية تسمح لإسرائيل بغزو مصر وتوفير ذريعة لباريس ولندن لإرسال قوات للفصل بين الاطراف المتحاربة، وفي الوقت استعادة السيطرة على القناة. بدأت العملية التي تعرف بالعدوان الثلاثي في اكتوبر العام 1956، ولكن الولاياتالمتحدة، وخوفًا من مواجهة أكثر خطورة مع الاتحاد السوفييتي، قدمت دعمها لعبدالناصر، ووضعت حدًا للحرب. استعراض لطائرات من سلاح الجو المصري مصريون يحتفلون بافتتاح قناة السويس الجديدة قوات مصرية تؤمن الاحتفال