"المارد المريض" تعبير يستخدمه ساسة روس في الحديث عن واقع بلادهم وثمة منهم من يتوعد بأن العملاق حينما يبرأ سيتعامل مع الآخرين بموجب مواقفهم منه ابان اعتلاله، فهو لن ينسى فضل من أحسن اليه دون أن يتوقع جزاء، ولن يغفر لمن أساء معتقداً ان الاساءة ستبقى دون قصاص أو حساب. وهذا الحديث الذي تمتزج فيه المرارة بالغضب والوعيد صار يتردد كثيراً كلما ورد ذكر للحرب الشيشانية. فالروس يرون أن تشجيع أو دعم الحركات الانفصالية يمثل طعنة في الظهر ويؤكدون ان العرب تحديداً ليست لهم مصلحة في اضعاف روسيا. وهذا الطرح الذي قد يبدو سليماً من الناحية الجيوسياسية ومن المنطلقات البراغماتية الصرف، فإنه لا يمكن أن يُسكت أصوات الاحتجاج على القصف العشوائي والعسف غير المبرر وسائر المظاهر اللاإنسانية التي رافقت الحملتين القوقازيتين الأولى والثانية. وهو لا يجوز أيضاً ان يستخدم ذريعة للاصطفاف في خندق واحد مع اسرائيل في مواجهة ما وصفه بنيامين نتانياهو ب"العدو المشترك". ففي الآونة الأخيرة صار الكثيرون من المسؤولين في روسيا يتحدثون، صراحة أو مواربة، عن "خندق واحد" يضمهم والاسرائيليين في مواجهة ما يسمى تطرفاً إسلامياً. وأجهزة الاعلام الروسية، بما فيها الحكومية، لا تني تتحدث عن "تطابق" الحالتين الشيشانية والفلسطينية وبالتالي فإنها تدعو الى قيام تحالف بين الطرفين اللذين يتصديان ل"الراديكاليين" هنا وهناك. وهذا العرض ينطوي على اعتراف خطير من روسيا بأن الشيشان ليست جزءاً منها، إذ أن الحديث عن التماثل سيعني أيضاً الإقرار بالتدويل، فاسرائيل اعترفت بمرجعية القرارين 242 و338 أي أقرت بوجود احتلال وبالتالي بشرعية مقاومته، فيما تصر موسكو على أن الجمهورية الشيشانية جزء من الاتحاد الروسي وان التعامل معها شأن داخلي صرف. والغريب ان نتانياهو حينما اطلق في موسكو دعوته لمواجهة "العدو المشترك" لم يجد من يرد عليه، وبالتالي فإن الصمت الرسمي يمكن أن يعد موافقة ضمنية، خصوصاً ان العرب يتعرضون الى عدوان اعلامي سافر في محطات الاذاعة والتلفزة الروسية من دون أن ينبري مسؤول واحد لوضع الحق في نصابه. لا بل ان أحداً لم يعد يبشر بالموقف الرسمي للدولة الذي اعلنه رئيسها فلاديمير بوتين بتشديده على ان حل أزمة الشرق الأوسط يقتضي تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي. فاللغة السائدة في روسيا اليوم تتحدث عن "عدوانية" الفلسطينيين الذين يرفضون "هبات" يقدمها الاسرائيليون لا بل يتمادون فيعلنون جهاداً دينياً هدفه، في رأي الاعلام الروسي، ابادة اليهود والنصارى معاً. ورداً على احتجاجات عربية ومطالبات بوقف الافتراء والدس وتشويه الحقائق قال مسؤول روسي ان الصحافة في بلاده "حرة" لكنه اشار الى أن الاعلام العربي لم يرحم روسيا وقياداتها، ملمحاً الى أن البادئ أظلم. ومن المؤكد أن الطرفين بحاجة الى مراجعة شاملة للعلاقات، والكف عن اعتماد مبدأ العين بالعين والسن بالسن فالروس لم تعد لهم عيون وسيعة وأسنان العرب تساقط الكثير منها.