يعدّ "المشروع القومي للترجمة" الذي يشرف عليه المجلس الأعلى للثقافة من أهم السلاسل الثقافية بالمعنى الأشمل، فهو عمل مؤسسيّ ضخم جعله تراكمه وسياقه معاً أهم نافذة على ثقافة الآخر وأفكاره ورؤاه الأيديولوجية والإبداعية والإنسانية على حدًّ سواء. وسمة التنوع المعرفي والترجمة من اللغات الأصلية للكتب والمعارف غير العربية ينفرد بها هذا المشروع الذي نال استحسان المتخصّصين والمثقفين والقراء من أبناء اللغة العربية. وباستقراء أفق هذا المشروع - الذي يعبر عن قدرة دائمة على صناعة ثقافة عميقة من هذا النوع، نجد أنه حفل بالكثير من الكتب المهمة التي تترجم للمرة الاولى، منها ما يتعلق بالتاريخ والحضارة الإنسانية مثل "اللغة العليا" و"أثينة السوداء" و"الوثنية والإسلام" طبعتان و"التاريخ المسروق" وغيرها من كتب الحضارة والتاريخ القديم، ومنها ما يتابع بموضوعية الافكار الغربية المعاصرة وما يتبدل من فلسفاتها ورؤاها في الآونة الأخيرة، مثل تلك الكتب التي تناولت "العولمة". ولم يغفل "المشروع القومي للترجمة" أهمية محو الصورة الاستشراقية القديمة والمجحفة التي حفلت بها بعض كتب المستشرقين، فقدم صورة أخرى منصفة لدى الغرب نفسه تجاه الاسلام وتاريخه وحضارته، فأصدر عدداً من الكتب المهمة في هذا الاتجاه الفكري، منها "مصادر دراسة التاريخ الاسلامي" و"الاسلام في البلقان" و"العالم الاسلامي في أوائل القرن العشرين". وتبعاً لغاية التنوع والجدة التي يستهدفها المشروع، أصدر المجلس عدداً من الموسوعات والأعمال الضخمة، مثل "موسوعة علم الإنسان" وموسوعة "علم الاجتماع" و"مثنوي جلال الدين الرومي" والأعمال الشعرية الكاملة للوركا و"تاريخ النقد الأدبي الحديث". وفي ما يتعلق بأفق المستقبل وتطور البشرية أصدر المشروع "ظلال المستقبل" و"التغيرات البيئية" و"حروب المياه" و"الاتصال الجماهيري" و"العلم في مجتمع حر" و"تنوعنا البشري الخلاق". وتضمن المشروع ايضاً عدداً من الكتب المترجمة عن العبرية وهي مهمة في النظر إلى اسرائيل و"التاريخ" المزعوم، وتكشف - في جانب منها - الرؤية العنصرية تجاه الشخصية العربية.واهتم المشروع اهتماماً خاصاً بترجمة الأعمال الإبداعية من شعر ومسرح وقصة ورواية توازيها ترجمة النظريات النقدية الحديثة والمعاصرة. وقدم المشروع عدداً من الكتب حول المركزية الأوروبية ونقضها وما يتعلق بالحداثة وتاريخ المجتمعات القديم والحديث والمعاصر. ولعلّ سمة التنوع تعدت الحقول المعرفية لتشمل اللغات المترجمة عنها إلى "المشروع القومي للترجمة". فقد جمعت إلى اللغة الانكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والأسبانية اللغة الفارسية واليونانية والروسية والبولندية والأوردية والسريانية. فضلاً عن عدم اعتماد القائمين على المشروع على شيوخ الترجمة وكبار المترجمين من مصر والعالم العربي والمهاجر فقط. فقد برز في "المشروع القومي للترجمة" جيل جديد من شباب المترجمين المصريين والعرب الذين ربما يصدر عملهم الأول أو الثاني في المشروع، وهو الأمر الذي يتسق مع عقلية واستراتيجية القائمين على المشروع في حقيقة الأمر. وبمناسبة صدور الكتاب رقم 250 في "المشروع القومي للترجمة" يقيم بدءاً من غد السبت 28 الجاري المجلس الاعلى للثقافة حلقة بحثية حول "قضايا الترجمة واشكالياتها". وخلال أربعة ايام يناقش المتخصّصون مسألة الترجمة ويقدمون اثنين وستين بحثاً يتخللها عدد من الشهادات يقدمها شيوخ الترجمة مثل فاطمة موسى وادوار الخراط وحامد ابو احمد ومجاهد عبدالمنعم مجاهد وغيرهم. ومن الابحاث المقدمة الى الحلقة "الخيانة المرغوبة: ترجمة الشعر نموذجاً" لمحسن جاسم الموسوي و"الثقافة العربية وسياسة الترجمة" لفيصل دراج، و"ترجمة الشعر الصوفي العربي إلى الفرنسية: سامي العلي نموذجاً"، و"إليوت في العربية" لمحمد شاهين، و"الترجمة والتداخل الثقافي" لمصطفى ماهر، و"الجاحظ وشروطه في عصر النظرية الحديثة" لثائر ديب، و"الترجمة العلمية في منظومة التعريب" لمحمد الحملاوي، و"الترجمة وتساؤلاتها الصعبة" لميرال الطحاوي، و"الهندسة اللغوية والتكنولوجيا" ليوسف ديشي. ويقدم هارتوت فاندريش بحثاً في عنوان "أي مستقبل لذاكرة المستقبل"، كما تتقدم إيزابيلا كاميرا دافيلتو ببحث بعنوان "اتعرف العربية؟ لا.. أترجمها فقط!" و"ترجمة شخصية مصر لجمال حمدان" لرجاء ياقوت...