لم تستجب إسرائيل دعوة الرئيس المصري حسني مبارك إلى "رد فعل مسؤول يرتقي إلى مستوى السلام"، فرد رئيس وزرائها ايهود باراك معلناً "توقفاً" في عملية السلام مع الفلسطينيين. وعلى رغم أن اللهجة التي اتبعتها القمة العربية الطارئة كانت أكثر ميلاً إلى الاعتدال، قرأت إسرائيل في قرارات القمة "لغة تهديد"، وأعلنت رفضها لها. والبيان الختامي للقمة الذي يمكن وصفه بتوافق على حد ادنى اعتبره وزير عربي "حداً اقصى"، لم يتضمن أي مفاجأة، إذ ليس فيه قرار ملزم بقطع العلاقات القائمة بين دول عربية وإسرائيل، وإنما جعل أي "إلغاء" لتلك العلاقات رهن سلوك إسرائيل في عملية السلام. لكن القادة العرب كانوا واضحين في تأييد الانتفاضة معنوياً وسياسياً، كما في الرغبة في دعمها مادياً عبر إقرارهم انشاء "صندوق انتفاضة القدس" و"صندوق الأقصى" اللذين اقترحتهما السعودية، كذلك بدعوتهم "أبناء الأمة العربية" الى التبرع بأجر يوم عمل واحد. راجع ص 4 ولفتت دعوة القادة الأممالمتحدة الى تحمل مسؤوليتها في حماية الفلسطينيين، عبر قوة دولية تُشكّل لهذا الهدف. كما أصروا على وجوب انشاء لجنة تحقيق دولية في الأحداث الأخيرة، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن، لتحديد المسؤوليات وإلزام إسرائيل دفع تعويضات للفلسطينيين، عن الخسائر التي تسببت لهم بها. كما رحب القادة بقرار لجنة حقوق الإنسان في جنيف التحقيق في تلك الأحداث. وإذ حددت اللجنة تكاليف التحقيق ب 815 ألف دولار، فقد بادر أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى التبرع بهذا المبلغ ليبدأ التحقيق فوراً، وفقاً لما أعلنه الأمين العام للجامعة العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية المصري عمرو موسى. وأشار بيان القمة إلى تعامل الإسرائيليين "باستخفاف" مع قضية القدس الشريف، وأكد تمسك القادة العرب بالسيادة الفلسطينية على القدسالشرقية، وبالقدس عاصمة لدولة فلسطين المستقلة، مذكراً دول العالم بوجوب عدم نقل سفاراتها إلى القدس وعدم الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، مع التلويح بقطع العلاقة مع أي دولة تنقل سفارتها. وسُئل الوزير موسى هل تقطع الدول العربية علاقاتها مع الولاياتالمتحدة إذا نقلت سفارتها، فذّكر بأن القدس لا تزال "موضع تفاوض" وأن "وضعها النهائي لم يتقرر بعد"، ملاحظاً أن نقل أي سفارة هو "إجراء عدائي واضح للدول العربية" فضلاً عن أنه "يؤثر تأثيراً سلبياً كبيراً في عملية السلام". وشكلت القمة لجنة لمتابعة تنفيذ القرارات روعيت في تشكيلها اعتبارات عدة. كانت الفكرة الأولى اتباع اسلوب الترويكا الأوروبية - رئاسة الدورة السابقة للجامعة مصر والجديدة الأردن واللاحقة الإمارات - ثم وسعت اللجنة فاستبدلت قطربالإمارات لأنها ستصبح الشهر المقبل رئيسة الدورة الجديدة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وضم إليها المغرب رئاسة لجنة القدس وتونس عضو حالي في مجلس الأمن. ومع أن أي دولة عربية لم تبدِ معارضة أو تحفظاً علنياً عن قرارات القمة، إلا أن مواقف أبديت خلال جلسة مغلقة عقدها القادة العرب قبيل الجلسة الختامية. وكان أبرزها الموقف العراقي، إذ أبلغ نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق عزت إبراهيم المجتمعين تحفظ بلاده عن القرارات المتعلقة بعملية السلام، وطلب تسجيل دعوة بلاده إلى "الجهاد" كطريق وحيد لاستعادة الحقوق العربية، موضحاً أنه لا يعني ب "الجهاد" أن تصدر القمة قراراً بإعلان الحرب. وسجل لبنان عدم رضاه على القرار المتعلق ب"قطع العلاقات" مع إسرائيل، لكن الرئيس اميل لحود أعلن أنه لن يعلن تحفظاً أو معارضة احتراماً للإجماع العربي. وأفادت مصادر مطلعة على ما دار في الجلسة المغلقة أن المغرب شرح موقفه بالنسبة إلى العلاقة مع إسرائيل، مشيراً الى انها أقيمت أصلاً بهدف تشجيع عملية السلام وكسب اليهود المغاربة في إسرائيل. لكنه أقرّ بأن هذه الخطوة لم تحقق أهدافها. وقالت المصادر إن قطر لم تعلن إلتزاماً واضحاً بأي قرار عربي بقطع العلاقات مع إسرائيل، في حين اعتبرت موريتانيا أنها غير معنية - حتى الآن على الأقل - بهذا القرار. وبعد إعلان انتهاء القمة أعطت مراجع عدة تقويمها لأعمالها، فقال وزير عربي بارز ل"الحياة" إن الحد الأدنى الذي توافق عليه العرب هو أيضاً "حد أقصى" قياساً إلى انهيار الاهتمام العربي العام بالقضية الفلسطينية طوال العقد الماضي. واعتبر أن المداولات خلال القمة أظهرت الحاجة الملحة إلى إعادة الروح للعمل العربي المشترك، مستنتجاً أن هذه القمة تشكل عودة الموقف العربي الاجماعي إلى متابعة تطورات القضية الفلسطينية. ولاحظ مصدر عربي آخر أن المواقف التي أعلنتها القمة، وإن كانت "قوية" في نظر المعتدلين، إلا أن "جبهة الرفض" التقليدية بدت أقلية وغير مؤهلة لبلورة موقف عربي جامع. ولفت المصدر إلى أن البيان الختامي لم ينتقد الولاياتالمتحدة مباشرة في أي فقرة، علماً أن الجميع يعتبر أميركا مسؤولة مباشرة عن إنهيار عملية السلام وعودة إسرائيل إلى ممارسات القوة العسكرية، مثلما أشار إلى ذلك صراحة وبقوة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته أمام القمة. أما التحذير الموجه إلى إسرائيل فمن المستبعد أن يُفهم لديها من زاوية "الحرص" العربي على السلام، فضلاً عن أنه لن يغير شيئاً في سلوكها. لكن مرجعاً عربياً آخر نبه إلى أن "الموقف العربي المعتدل" كان يستلزم خطوات ومبادرات "تدعم الاعتدال بالحزم"، وتعطي مؤشراً إلى توازن مطلوب في الوضع العربي العام، بمعزل عما تريده الولاياتالمتحدة أو إسرائيل. وأعرب المرجع عن أسفه لعدم حصول أي تقدم خلال القمة في العلاقات بين سورية والسلطة الفلسطينية، معتبراً أن الفرصة الأخرى التي فوتتها القمة تمثلت في عدم إعلانها أي موقف عربي جديد في شأن رفع الحصار عن العراق. ورأى أن مثل هذا الموقف كان يمكن أن يعزز الخطاب السياسي الذي تبنته القمة في شأن تطورات عملية السلام. إلا أن هذا المرجع أقرّ بأن الموقف العراقي، كما عبرت عنه كلمة الرئيس صدام حسين، لم يشجع أحداً على القيام بأي مبادرة. إلى ذلك كان جديد القمة الصورة "العائلية" التي التقطت للزعماء العرب، وهو تقليد يعد سابقة في القمم العربية. وقال مصدر مطلع ل"الحياة" إن وجود عدد من القادة الجدد برر هذه الخطوة، ومنهم الملك محمد السادس والملك عبدالله الثاني والشيخ حمد بن عيسى آل خليفة والرئيس بشار الأسد وكان لافتاً أنه اختار الوقوف في الصف الثاني، كذلك رؤساء الجزائر وجيبوتي والصومال وجزر القمر.