لا تزال الاوساط السياسية والاجتماعية في ايطاليا تتفاعل وتتجاذب حول التصريحات التي ادلى بها اسقف بولونيا الكاردينال جياكومو بيفّي الاسبوع الماضي، داعياً الى "وقف تدفق المهاجرين المسلمين وتشجيع المسيحيين من اميركا اللاتينية والفيليبين وافريقيا على الهجرة الى ايطاليا". عاد الكاردينال جياكومو بيفّي ليضرم نيران الجدل التي تسعى اوساط كنسيّة وسياسية الى اخمادها، معلناً في ندوة حول الهجرة ان "المسلمين غريبون عن انسانيتنا... يأتون الى بلادنا مصممين على البقاء غرباء عن جوهر حضارتنا، رافضين التأقلم او التكيّف بانتظار ان يقبل الآخرون على مبادئهم ويعتنقوها". وبعدما عدّد الكاردينال اوجه التضارب القانوني والاجتماعي بين المسيحية والاسلام، حضّ الدول الغربية على "مراجعة حساباتها". ودعا الى "منع بناء المساجد في الدول الغربية ... تطبيقاً لمبدأ المعاملة بالمثل". واللافت ان الفاتيكان لا يزال على صمته الرسمي ازاء تصريحات بيفّي، فيما واجه انتقادات حادة من بكين بعد قرار البابا تطويب عدد من الكهنة الصينيين المناهضين للشيوعية في بلادهم. ولاقت تصريحات بيفّي تأييداً واسعاً ، لا بل مزايدات ، في الاوساط اليمينية ، ورفضاً شديداً بين الاحزاب والتنظيمات اليسارية والمسيحية المعتدلة. واعلن ناطق باسم "عصبة الشمال" ان قيادة الحزب دعت الى تظاهرات في ميلانو والمدن الشمالية الاخرى "تشديداًً على حقنا في الدفاع عن هوّيتنا الثقافية والدينية التي يتهددها الاجتياح الاسلامي". اما النائب الديموقراطي المسيحي فرنكو كيوزولي فقد صرّح بقوله: "أشعر بالخوف من كلام كهذا الذي يصدر عن الاسقف بيفّي ... أخاف من الذي يعتقد ان في استطاعته ان يحكم على الآخرين بأنهم غرباء عن انسانيتنا ... اقل ما يقال في هذا الكلام انه اصولي وعنصري". واعلن منسق الحزب الراديكالي ماركو كابّاتو من جهته: "اذا كان المطلوب هو تحرير البلاد من الأصوليين والمتعصبين ، فالأولى ان نبدأ بالاسقف بيفّي". وتراقب اوساط المسلمين في ايطاليا بقلق احتدام التجاذبات حول موضوع الهجرة، وخصوصاً منها تلك الوافدة من البلدان الاسلامية، وتتوقع تصعيداً في المرحلة المقبلة، اذ يُخشى ان تلجأ الاحزاب الى استخدام الحال الاسلامية لاغراض سياسية في الانتخابات التي ستجري في الربيع المقبل. الصين ويرى مراقبون ان الصمت الرسمي الذي لزمه الفاتيكان حتى الآن من هذه القضية قد يعود الى حرص الكنيسة الكاثوليكية على عدم فتح جبهة ثانية الى جانب الازمة التي تخوضها ضد الصين بعد القرار الذي اتخذته بتطويب مئة وعشرين من المبشّرين الذين سقطوا وهم ينشرون الدين المسيحي في الصين بين اواخر القرن السابع عشر ومطلع هذا القرن، والذين تعتبرهم حكومة بكين مجرّد مجرمين. وكان البابا يوحنا بولس الثاني قد رأس امس لهذه المناسبة، احتفالاً دينياً حاشداً في باحة كاتدرائية القديس بطرس حضره مئات من المسيحيين الصينيين الذين توافدوا من هونغ كونغ وتايوان والولايات المتحدة ، الى جانب عشرات المسيحيين الذين جاؤوا خلسة من الصين الشعبية حيث توجد كنيسة كاثوليكية موالية للنظام تضم عشرة ملايين مؤمن، وكنيسة اخرى تمارس نشاطها وشعائرها في الخفاء يقدّر عدد اتباعها بعشرين مليون نسمة . وكانت حكومة بكين اعلنت استنكارها الشديد لقرار الفاتيكان ، ورأت فيه "خطوة الى الوراء في العلاقات مع الكنيسة". ومن اللافت ان البابا اختار ان يكون احتفال التطويب في اليوم نفسه الذي تحتفل بكين بعيد الثورة الماويّة. ويذكر ان نا بولس الثاني سبق واعلن في زيارته الاخيرة الى آسيا "ان القارة الآسيوية ستكون مستقبل الكنيسة في الالف الثالث" ، مما اثار حفيظة سلطات بكين التي رأت في تلك التصريحات تحريضاً على التدخّل في شؤونها الداخلية.