} مسرح الحدث كان في ساحة النجمة حيث التأم المجلس النيابي اللبناني الجديد وانتخب المحامي نبيه بري رئيساً له لولاية ثالثة. لكن الأنظار والاهتمامات كانت منصبة على الحكومة المقبلة التي استعجل بري تأليفها، ولكن فُهم من اجتماعه وهيئة مكتب المجلس مع رئيس الجمهورية اميل لحود انها لن ترى النور خلال أيام، كما كان متوقعاً، بدليل أن الاستشارات التي سيجريها رئيس البلاد مع النواب لتسمية رئيس الحكومة المكلف لن تبدأ قبل الاثنين المقبل، وبعد القمة العربية في القاهرة. واعتبر التريث في إجراء الاستشارات، على ما قالت مصادر نيابية، مراعاة لرئيس الحكومة سليم الحص الذي سيكون في عداد الوفد اللبناني الى القمة، بحجة أن من غير المستحسن تسمية رئيس الحكومة المكلف، أثناء وجوده في القاهرة للمشاركة في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب. وتوقعت المصادر أن يعقد اجتماع بين لحود ورئيس الحكومة السابق رفيق الحريري قبل أن يتوجه الأول الى القاهرة على رأس الوفد اللبناني. وكان لحود تمنى للمجلس الجديد التوفيق في عمله، داعياً إياه الى تعزيز الانتصار على إسرائيل الذي تحقق خلال ولاية المجلس السابق، وإلى التصدي للأزمة الاجتماعية بمواقف موحدة. أما بري فشدد على حوار بين اللبنانيين، قاعدته المجلس النيابي، على أن يشمل قوى غير ممثلة فيه ويتم على مبدأ الاعتراف بالآخر. ودعا الى تحويل العلاقة بين لبنان وسورية نموذجاً يحتذى بين الدول العربية، على أن يُعالج أي أمر خلافي بين البلدين من خلال المجلس الأعلى اللبناني - السوري. وأكد الثوابت اللبنانية من الصراع العربي - الإسرائيلي، مطالباً ب"مقاومة سياسية" في مواجهة إسرائيل. جدد المجلس النيابي امس للمحامي نبيه بري رئىساً له بشبه اجماع، في اول جلسة يعقدها منذ انتخباب اعضائه ال128 قبل شهرين، ليبدأ ولاية مدتها اربع سنوات وسبعة اشهر تنتهي في ايار مايو 2005. ترأس الجلسة التي عقدت العاشرة والنصف قبل ظهر امس وبثت على الهواء مباشرة رئىس السن النائب قبلان عيسى الخوري الذي اعلن افتتاحها في حضور رئىس الحكومة سليم الحص وعدد من الوزراء و126 نائباً وحشد كبير من الشخصيات الرسمية والسياسية والديبلوماسية والاعلامية تقدمها رئىس الجمهورية السابق شارل حلو. وتلي كتاب وزارة الداخلية المتعلق بالنواب المنتخبين واسمائهم، ثم اعلن ان الاكبر سناً هو عيسى الخوري 89 عاماً يليه النائب ألبير مخيبر 88 عاماً، والاصغر سناً النائبان اميل اميل لحود 25 عاماً يليه بيار أمين الجميّل 28 عاماً اللذان توليا وظيفة اميني سر. ثم طلب رئىس السن الوقوف دقيقة صمت عن روح النائب السابق نزيه البزري و"شهدائنا الذين سقطوا على ارض لبنان دفاعاً عن حريته وسيادته وعلى ارواح اخواننا شهداء فلسطين". وألقى كلمة دعا فيها الى "وفاق لبناني قائم على الحوار الحر". ورأى ان "اتفاق الطائف الذي كان بوابة عبور الى السلام في حاجة الى التطوير تأميناً للتوازن". ودعا المطالبين بالغاء الطائفية السياسية الى "العمل على تحصين العيش المشترك بدلاً من المساهمة في اسقاط المشترك من العيش، والى الاسراع في بت مرسوم التجنس وتعزيز السلطة القضائية ورفع الايدي عنها وقيام حكومة توحي بالثقة". ورأى ان العلاقة مع سورية "لا تقوم الا على ركيزتين اساسيتين: اجماع لبناني عليها واقتناع حقيقي بها كاطار يحترم ثوابت التاريخ وبالمكاشفة الصريحة لمعالجة الشوائب بهدف تصحيحها وتجاوزها". وبعد تلاوة مواد الدستور المتعلقة بالعقد الجديد للمجلس وبطريقة الانتخاب، طلب رئىس الحكومة السابق رفيق الحريري الكلام وقال: "نريد ترشيح دولة الرئىس بري الى رئاسة المجلس". ثم طلب رئىس السن توزيع الاوراق والمظاريف على النواب لانتخاب رئىس المجلس بالاقتراع السري، وبعد الفرز تبين ان المقترعين 126 وقد حاز 124 صوتاً، ووجدت ورقتان بيضاوان، واعتلى بري المنصة، وشكر للنواب "هذه الثقة الغالية التي عبروا عنها بتجديد انتخابي للمرة الثالثة، وخصوصاً ما جاء على لسان الزميل وليد جنبلاط الذي بعث اليّ برسالة يقول فيها: واحد، تنين، تلاتي، نبيه يا حياتي". وهنا ضجت القاعة بالضحك والتصفيق. انجازات وتطلعات وعدّد بري الانجازات التي قام بها المجلس السابق. وقال: "اننا في هذا المجلس ننتظر مشاريع وطنية شاملة لا مشاريع في حجم موالاة او معارضة، او في حجم فئة او حزب او طائفة، بل مشاريع في حجم لبنان الغد". وقال: "إن مسؤوليتنا الاساس هي في بناء دولة المؤسسات والقانون وهذا الامر يرتكز الى صنع القوانين والرقابة على تنفيذها، وارساء القاعدة القانونية للامركزية الادارية وانتاج قانون انتخاب يتجاوب وطموحات اللبنانيين وخفض سن الانتخاب، وبناء القاعدة القانونية لمقاومة سياسية تصون السلم الاهلي وتعتمد حواراً وطنياً مفتوحاً، قاعدته المجلس النيابي، حوار يعترف بالآخر من أي منطقة او طائفة أو فئة، ولا تتجاهل النخب أو القوى أو التيارات غير الممثلة في المجلس، ويركز على ارساء مفاهيم موحدة وموحدة للوطن والمواطن والمواطنية والعاصمة والحدود والصديق والعدو، وعلى دور لبنان وموقعه حيال نظامه العربي والقضايا العربية، ويتجاوب مع بناء لبنان دولة تحد، لأنه امام اسرائيل التي كان لحروبها ضده ابعاد تتجاوز ما تزعمه من متطلبات امنية الى ابعاد مائية واقتصادية واطماع في ارضه". ورأى "ان هذه المقاومة السياسية يجب ان تنطلق من جملة مبادئ وثوابت، اولها التمسك بالسياسة الوطنية وسلامة اراضي الوطن، ودرء الاخطار الاسرائيلية وصيانة الجنوب والدفاع عن تنميته". وأعلن ان "ملف العدوان والاحتلال الاسرائيليين سيبقى مفتوحاً حتى اطلاق المعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائىلية، وانهاء الاحتلال الاسرائىلي لمزارع شبعا، ودفع تعويضات للبنان من جراء الاحتلال والاعتداءات والاجتياحات الاسرائىلية على تدمير الممتلكات الخاصة والحكومية". وقال: "ان ثاني هذه المبادئ والثوابت، التمسك بالمصالح القومية وتحرير الارض العربية في الجولان السوري حتى حدود الرابع من حزيران يونيو، والوقوف الى جانب حق الشعب الفلسطيني في العودة الى دياره وتقرير مصيره واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس". ولفت الى ان "ثالث هذه المبادئ جعل تنمية اتفاق التعاون والتنسيق والاخوة مع الشقيقة سورية وتطويره، افضل نموذج لعلاقات الحاضر والمستقبل العربية - العربية. فلبنان وسورية يريدان بناء وعي بالمصلحة المشتركة التي تعبر عنها هذه العلاقة على المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والامنية والدفاعية، واساساً العلاقة الكفاحية المشتركة بينهما في اطار مقاومة العدوانية الاسرائىلية وتهديد اسرائىل المستمر للأمن والسلام الاقليمي والدولي". واكد ان للبنان وسورية "مصلحة في اقرار السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط تحت مظلة القرارات الدولية، وفي كل الحالات فإن اي امر خلافي انما حله يتم من خلال الحوار ومن خلال المجلس الاعلى اللبناني - السوري". وأشار بري الى "ان تشكيل اللجان النيابية ولجان الصداقة النيابية سيتأجل لمصلحة الاستشارات العاجلة التي سيبدأ بها رئىس الجمهورية اميل لحود من اجل تشكيل حكومة جديدة". وقال: "ان تشكيل هذه الحكومة يشكل مصلحة عاجلة للبنان: حيال التطورات الاقليمية الضاغطة على الموقف في المنطقة والانعكاسات المتوقعة على لبنان جراء ذلك، ولمواجهة الاستحقاقات الداخلية الضاغطة جراء وقائع الازمة الاقتصادية - الاجتماعية التي نأمل بأن تتمكن الحكومة المقبلة من احتوائها". وأكد: "اننا وفور تشكيل الحكومة سندعو المجلس الى الانعقاد لتشكيل لجانه النيابية التي ستكون مستعدة للبدء بعد جلسة الثقة في درس مشاريع واقتراحات القوانين". ودعا النواب الجدد الى التوجه الى المجلس الدستوري للتصريح عن اموالهم واموال زوجاتهم وازواجهم واولادهم المنقولة وغير المنقولة". وحذر كل من يتخلف بحسب قانون الاثراء غير المشروع لأنه يعتبر مستقيلاً حكماً ومن دون مراجعة. ودعا النواب السابقين الى ان يتقدموا بتصريح ثانٍ عن اموالهم يبينون ما اصبحوا يملكون واسباب الاختلاف بين التصريحين. وفور انتهاء بري من كلمته، وقف الرئىس الحص وقدم اليه التهانئ ومتمنياً له وللمجلس التوفيق. ثم غادر القاعة، فرافقه بري مودعاً. وبوشر توزيع الاوراق لانتخاب نائب لرئىس المجلس. فأعيد انتخاب النائب ايلي الفرزلي من دون منافسة، وحصل على 117 صوتاً من اصل 125، ووجدت خمس اوراق بيض وثلاث تحمل اسمي كل من احمد حبوس وعصام فارس، فيما لم يعلن الاسم الثالث. واثر انتخاب الفرزلي قال بري ممازحاً "مع اعلان فوز الفرزلي أُعلن فشل قمة شرم الشيخ". ثم خاطبه بالقول "من شي قليل انا متمسك فيك يا ايلي؟ وراك وراك والزمن طويل". ورد احد النواب "ما تكون عينك على الكرسي بدك تطيرها". ثم بدأ انتخاب اميني السر، فنال النائب ايمن شقير 106 اصوات والنائب فريد الخازن 104 اصوات. ووجدت ست اوراق بيض. وقبل البدء بالفرز التفت بري الى النائبين اميل لحود وبيار الجميل من حوله وقال لهما ممازحاً "فزوا لشوف، قوموا اشتغلوا يالله". وشرع المجلس في انتخاب المفوضين الثلاثة فترشح اربعة نواب هم: عبدالرحمن عبدالرحمن الذي اعيد انتخابه ونال 117 صوتاً، وسيرج طورسركيسيان 76 صوتاً، وانطوان حداد 66 صوتاً. ولم يحالف الحظ النائب جورج قصارجي الذي نال 64 صوتاً. لحود وفور انتهاء الجلسة تقبل الرئىس بري وهيئة مكتب المجلس التهانئ ثم توجه ونائبه والهيئة مجتمعة الى القصر الجمهوري للبحث مع الرئىس لحود في إطلاق الآلية الدستورية للاستحقاق الحكومية عبر البدء بالاستشارات الملزمة التي سيجريها الاخير مع النواب لتكليف رئىس جديد لتشكيل الحكومة الجديدة. وفي قصر بعبدا، توجه لحود الى بري واعضاء هيئة مكتب المجلس بالتهنئة وعبرهم الى النواب مع بداية ولاية المجلس الجديد، منوهاً بما قام به المجلس السابق في حقل التشريع وتحديث القوانين، شاكراً اعضاءه فرداً فرداً، ومبدياً ثقة "بأن المجلس الجديد الذي انبثق من انتخابات تميزت بالنزاهة والحرية ووفرت لها الدولة كل مقومات النجاح، سيواصل على الرسالة وسيكون كل عضو منه ممثلاً للأمة جمعاء كما ينص الدستور، يعمل لخيرها ويتفانى في سبيل منعتها وعزتها". وتابع ان "أمام المجلس تحديات كبيرة مع بداية الألفية الثالثة وتنامي ظاهرة العولمة واختصار المسافات مما يتطلب تحديثاً وعصرنة في القوانين". وقال: "بديهي ان يواجه المجلس الجديد هذه التحديات وفي طليعتها التحدي الاجتماعي بمواقف واحدة وموحدة هدفها خدمة الوطن وراحة ابنائه". وأضاف "اذا كان المجلس السابق شهد الانجاز الابرز وهو تحرير الأرض من الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب والبقاع الغربي، فإن أمام المجلس الجديد تحدي صيانة هذا النصر وتعزيزه والسهر على تنمية المناطق المحررة لتكون فرحة أهلها مزدوجة فيتثبت الوجود ويتعزز الانتماء". وأكد ان "من حق اللبنانيين ان يفاخروا بالانجازات الوطنية التي تحققت خلال الأشهر الماضية، لأن دولتهم عبّرت بأمانة عن تطلعاتهم وكانت وفية لأحلامهم لتؤكد صحة الخيارات الوطنية وتزيد من التفاف اللبنانيين حول الدولة القوية والعادلة". وأضاف ان "هذا الأمر برز جلياً في دورة كأس آسيا لكرة القدم للعام 2000 اذ وقف اللبنانيون صفاً واحداً لانجاح هذا الحدث، ولم يترك الغليان الذي كانت تشهده المنطقة أي تأثير، كما كان يمكن ان يحصل في أماكن أخرى من العالم لأن اللبنانيين يثقون بدولتهم وبالمواقف القومية التي اتخذتها والتي عبّرت فيها عن أحاسيسهم ومشاعرهم ولانها وأياهم في خندق واحد". وردّ الرئيس برّي شاكراً للرئيس لحود تهنئته وتمنياته، معرباً عن أمله "بأن يتمكن المجلس النيابي الجديد من القيام بما ينتظره منه اللبنانيون". الى ذلك كشفت النائبة بهية الحريري عن عريضة نيابية وقعها أكثرمن مئة نائب بمن فيهم الرئيس بري، ترمي الى خفض سن الاقتراع الى 18 عاماً، افساحاً في المجال أمام الشباب للمشاركة في الحياة السياسية. وقالت ان "العريضة التي رفعت الى الرئيس بري خلال الجلسة ستقدم كتوصية من المجلس الى الحكومة الجديدة لتتحول بعد ذلك مشروع قانون يقر في المجلس النيابي".
