في مسكن فسيح قديم بين الجبال بناه المقاومون كرمز لانطلاقتهم، افتتح منذ أيام قليلة وزير التعليم "توليو دي مورو" متحف المقاومة الدائم أوMuseo Della Resistenza . جمالية الفكرة، التي سعى الى تحقيقها عدد من الشخصيات، وفي مقدمهم مقاومون قدامى تكمن في الموقع المختار للمتحف من جهة الجدير ذكره انه المتحف الوحيد المختص بالمقاومة في ايطاليا، وفي تجهيزاته وهدفها من جهة أخرى. فهذا البناء الواقع اسفل جبال "آلب - أبواني". ما بين منطتقي ليغوريا وتوسكانا Liguria & Toscana، في شارع "براده" Prade الممتد بين جبال "فوسدينوفو" Fosdinovo، إنما هو بناء وحيد ويكاد أن يكون معزولاً، لولا مطعم على مقربته، والمتخذ إسم "كولونيا"، أو المصيف، للتذكير بما كان عليه الموقع سابقاً، كمصيف للأطفال إثر الحرب العالمية الثانية عمد المقاومون الى اهداء المركز الى جمعيات تعنى بالأيتام. أما لماذا تم اختيار الموقع؟ فلأن المقاومين، أعادوا تنظيم فلولهم انطلاقاً منه في 19 أيلول سبتمبر عام 1944، لتنتشر عمليات المقاومة في جبال ليغوريا وتوسكانا وأميليا ضد النازيين الألمان والفاشيست المتعاملين معهم. لذا اختير الموقع في هذه الرقعة، ولم يفتتح مثلاً في روما أو ميلانو، كما أفادنا المسؤول عن المتحف "موريزيو فيوريللو" Maurizio Fiorillo. الدخول المجاني الى المتحف يعني احتراماً للذين فقدوا حياتهم أو عذبوا وذلك في سبيل تحرر البلاد... لكن مجانية الدخول هذه، أو عزلة المكان لا يعنيان فراغ الداخل، فقد أعد المتحف على مدى سنوات، وبدعم مالي من وزارة التعليم ومجموعة من المحافظات ليكون متحفاً سمعياً - بصرياً، ضمن اطار تكنولوجي حديث. عمل على تحقيق المشروع "ستديو أزورو" أو "الاستديو الأزرق" في ميلانو، ضمن فريق عمل مكون من مختصين في برامج الفيديو والمونتاج، الكومبيوتر غرافيك، والسينوغراف... هذا من الناحية التقنية - الفنية، أما من حيث جمع المعلومات والوثائق والمستندات فقد تم جمعها من مراكز سياسية وعلمية أرشيفية عدة ما بين فلورنسا، لوقا، لاسبيزيا، روما وبيزا، حيث عملت جامعة المدينة الأخيرة، على الصقل والتوجيه العلمي للأرشيف، أما جامعة فلورنسا فعملت على توجيه المقابلات التي تمت مع شخصيات كشواهد حية تعكس تلك المرحلة. تدخل الى صالة المتحف الرئيسة، التي تبهرك بداية بالأضواء الخافتة والبساطة فيها، فالمتحف ليس بالمتحف الذي اعتدت عليه، وإنما هو عبارة عن صالة كبيرة، تتوسطها طاولة فوقها تقبع أشكال عدة لكتب، ترتفع فوقها شاشات: "يكفي اللمس الخفيف... أن تمر بكفك فوق سطح كتاب، لتختار أية شخصية تريد رؤيتها أو سماع الوقائع على لسانها لمدة 15 دقيقة لكل منها عبر الشاشات الاثنتي عشرة..." هكذا يخبرنا فيوريللو. الشخصيات موزعة ما بين نساء ورجال، من سياسيين ومدنيين ومقاومين وسجناء سابقين في السجون النازية، يروون المرحلة - أي مرحلة الحرب العالمية الثانية - وتحديداً فترة الاحتلال الألماني، وسيطرة الفاشيست، وجميع هذه الشهادات تعكس صمود مجتمع وتعاونه من ربة منزل، الى رجل دين، ومن فلاح الى سياسي أو مقاتل أو سجين... بدءاً من يوم الفاشيست الأول ولغاية يوم الحرية في 25 نيسان ابريل 1945. فيتحول المتحف بذلك الى روزنامة تنقل حقيقة ما حصل في مناطق محلية ووطنية وعالمية، يدعمها ويدخل في سياقها خارطة جغرافية مرئية، تفترش أحد جدران الصالة على مقربة من الطاولة والشاشات، وتروي باليوم والسنة، احداث وعمليات المقاومة ومواقعها من جهة، وعمليات العدو من جهة أخرى، إضافة الى عدد القتلى والجرحى والسجناء الخ... وزير التعليم الذي كان يحمل الكثير من الحماسة عند الافتتاح، قال ان "هذا المتحف إنما هو انطلاقة ديناميكية لمشروع ثقافي وحضاري لطلابنا في المدارس كي لا ينسوا ما حصل في القرن الماضي...".