بعد أيام قليلة تعلن الأكاديمية السويدية اسم الفائز الجديد بجائزة نوبل للأدب. وقبل ان يحزن "مرشحو أنفسهم" من أدباء العربية، من المجدي طمأنتهم، ليس من باب العزاء، وانما من باب ازالة الالتباسات، انه على عكس كل ما يُعتقد عن جائزة نوبل، فإن قيمتها الأساسية تظل في مبلغ المليون دولار أو ما شابه التي يحصل عليها الفائز وحسب. ولأن أغلب الذين حصلوا على الجائزة لم يكونوا بحاجة الى هذا المبلغ، مفترضين أن كتبهم جميعاً كانت مترجمة وتباع في كل أسواق الكتب العالمية باستثناءات قليلة: محفوظ مثلاً، الذي كان أفقر الكتّاب الذين حصلوا على نوبل، حتى الآن لم يُترجم الى اللغات الأخرى إلا القليل من كتبه، فإننا سنهمل هذا السبب الإيجابي الوحيد، مستغلين هذه المناسبة لنؤكد، وبصوت عال، ان جائزة نوبل ليست في مصلحة الأدب، على العكس، ان مضارها أكثر. وهذا القول لا يعني بالتأكيد اننا نضع موضع الشك الانجازات الأدبية "غير المتنازع عليها" عند الكثير من الأدباء الذين حصلوا عليها، لكن ما أريد أن أقوله، ان جائزة نوبل تقود الى هرمية من التقويمات لا تتوافق دائماً مع الواقع. يكفي مراقبة الغياب المدوي الذي سجله تاريخ الجائزة، حيث لا نجد الكثير من الأسماء المهمة التي لعبت دوراً فاعلاً في تثبيت دعائم أسس الأدب الحديث: لا كافكا، ولا بروست، لا بورخيس، ولا فاليري، لا جيمس جويس، ولا غراهام غرين، من أجل الاستشهاد ببعض الأسماء التي حُجبت عنها الجائزة. ان أسباب الغياب متعددة، ابتداء من الجهل، مروراً بسوء الفهم السياسي، وانتهاء بتلك التعليلات المبهمة، التي لا يفهمها حتى الضالعون في العلم، مثل تلك التي تحدثت عنها الأكاديمية وجعلتها الأسباب التي أدت الى حجب الجائزة عن بورخيس، "صحيح انه كتب صفحات عبقرية، لكنه لم يكتب كتاباً عبقرياً". هل بإمكان فصيح متبحر أن يشرح لنا ماذا يفهم السادة في الأكاديمية السويدية من عبارة "الكتب العبقرية"؟، ولكن ليس من المهم الاجابة عن ذلك، انما اعادة القول هنا، ان الحصول على جائزة نوبل لم يكن في يوم ما هو المقياس الحقيقي الذي تقاس عليه انجازات الكاتب الأدبية، فيكفي المرء أن يعقد مقارنة بسيطة، ليرى ما إذا كانت نوبل ستملك تأثيراً أقوى في حال خورخيه لويس بورخيس؟ بلا شك سيكون الجواب بالنفي، ويصبح تبرير الأكاديمية السويدية هراء على رغم ان بورخيس لم يخف غيرته من الغواتيمالي ميغيل استورياس عند حصوله على جائزة نوبل ونعته له ب"الهندي". لذلك ليس من الخطأ القول، ان الاضرار التي تلحقها جائزة نوبل أكثر من الفوائد التي يُُعتقد انها تمنحها، لأنها، في المحصلة الأخيرة، تبقى جائزة أخرى تضاف الى جوائز أخرى على رغم ان هناك شبه اتفاق عليها بكونها جائزة الجوائز" لكن جائزة بهذا الحجم، لا تخلو احكامها من المجازفة والحيف. ويكفي أن نعرف ان الجائزة لن تقود بصورة أوتوماتيكية الكتّاب الى الاقتراب من أماكن لم يكن بإمكانهم الوصول اليها أبداً. فالكتّاب الذين كانت تُباع كتبهم قبل حصولهم على الجائزة، لم تزد الجائزة من أرقام مبيعاتهم، كما هي حال الكولومبي غارسيا ماركيز أو الألمانيين هاينريش بول وهيرمان هيسه، أو الفرنسي البير كامو، وحتى سارتر الذي رفض الجائزة لا يهم ما يُشاع عنه الآن، من أنه طالب بسنوات بعدها بالمبلغ، أما الكتّاب الذين لم تسجل أرقام مبيعات كتبهم، ما يلفت النظر، لم يضف للأسف حصولهم على جائزة نوبل شعبية جديدة لهم، وبقيت حلقة قرائهم محدودة، وكتبهم غير مترجمة الى جميع اللغات، كما هي حال الاسباني خوزيه ثيلا لماذا تجاهلت الأكاديمية السويدية الشاعر الاسباني رافائيل البرتي مثلاً، أو النيجيري سوينكا، أو اشيغاري لا أعرف بلده، أو الشاعرة التشيلية غابرييلا ميسترال، أو المصري نجيب محفوظ، أو الايطالي داريو فو لماذا تنسى الأكاديمية السويدية المسرحي الأميركي آرثر ميلر مثلاً. لكن من دون الذهاب بعيداً بالموضوع، من الضروري التأكيد هنا، ان الهرمية التي تثبتها جائزة نوبل لأشخاص لا يمكن المساس بهم بسبب فوزهم بالجائزة هي غير عادلة، لأنها تمنح الفائزين فقط، امتيازات ليس من حق الآخرين الأصغر حجماً التمتع بها. ان تشريف كاتب واحد من ثقافة معينة، وجعله في الموقع الأول عالمياً، تحت كل الأضواء المبالغ بها، على هامش الآخرين المستحقين الذين يتنافسون معه على الجائزة، هو أمر غير عادل، كما انه لم يتم في بعض الأحيان بصورة نظيفة، حيث تتلاقى مصالح مشتركة أكثرها يحمل طابعاً سياسياً، أو دعائياً، تلقي ظلال الشك على طبيعة الجائزة. لذلك نقرأ في الأيام الأخيرة كيف ان سفارات بعض الدول لم تتوقف عن الاتصال بالأكاديمية السويدية مطالبة بتسمية كاتب معين يمثلها. في الحقيقة، ان ما يحصل لجائزة نوبل يحصل لكل الجوائز، حيث يُنظر الى الأدب كمؤسسة، ولا يُنظر اليه كظاهرة ابداعية على طول الخط. ولكن من جانب آخر، اعترف بأننا سنفرح، كما نفعل دائماً، عندما يكون الفائز الجديد كاتباً جيداً، على رغم ان القضية تظل نسبية، وليس في النية الآن البحث في قضية من هو الكاتب الجيد ومن هو الكاتب الرديء، فذلك هو واجب النقد الأدبي "النزيه"، ولكن بمقدار تعلق الأمر بنا، فمن المستحسن أن نضع كل شيء في موضعه الصحيح، كي لا يضيع كل شيء مع الهواء، هواء جائزة نوبل، مثلما يحصل كل عام.