من كوم الدكة، الى القاهرة، وعبر حياة لم تزد سنونها عن عمر الربيع، عاش سيد درويش حياة قصيرة لكنها كانت كثيفة: حياة فنان بوهيمي حقيقي، تحدر من اوساط الشعب، وآمن بفنون الشعب، وحقق في الموسيقى العربية، خلال الربع الأول من هذا القرن تلك النقلة الأساسية التي كانت تلك الموسيقى في حاجة اليها لتدخل العصر من بابه العريض. فرح سيد درويش بين التراث الموسيقي العربي، وبين الانغام الجديدة التي وجدها منذ سنوات يفاعته في الاسكندرية الصاخبة في ذلك الحين بأنواع الفنون والبشر. وأضاف الى ذلك الموسيقى العفوية التي ترتبط بالمهن وبحياة الناس العاديين. وهو طلع من ذلك كله بتلك الموسيقى المؤسسة، التي سيسير على خطواتها لاحقاً كل ذلك الرهط من الفنانين الذين طبعوا القرن العشرين العربي بطابعهم، من زكريا احمد الى الاخوين رحباني، ومن محمد عبدالوهاب الى رياض السنباطي وغيرهم. من الأغنية الفردية العاطفية الشعبية "طلعت يا ما أحلى نورها" و"زوروني" الى الأغنية الوطنية "بلادي بلادي" وتراث ثورة 1919 والحركة الوطنية بشكل عام الى الأغنية الجماعية والأوبريت "العشرة الطيبة" و"المبروكة" و"الشيطان" كتب سيد درويش تراثاً خالداً. وحين مات مبكراً، احست الحياة الفنية العربية كلها بمدى الخسارة.