قد لا يكون العرض الأول لفيلم من الأفلام حدثاً خارقاً للعادة، حتى لو كان الفيلم يشكل انعطافة ما في تاريخ الفن السابع. مع ذلك نقول هنا ان العرض العالمي الاول، في نيويورك، ليلة الخامس عشر من شهر تشرين الاول اكتوبر 1940، لفيلم "الديكتاتور" لشارلي شابلن، شكّل في ذلك الحين حدثاً متميزاً ليس ذلك بالتحديد بسبب تميز الفيلم فنياً بل - هذه المرة على الأقل - بسبب موضوع الفيلم، والدور السياسي الذي توخى له صاحبه ان يلعبه. فالديكتاتور في الفيلم هو هتلر، حتى ولو اطلق عليه الفيلم اسماً مختلفاً، وبهذا المعنى كان الفيلم اول محاولة شعبية سينمائية للتصدي لشخص الديكتاتور وليس فقط لبعض سمات نظامه كما كانت السينما الاميركية اعتادت ان تفعل عبر اعمال فنية تركز على الصراع بين جواسيس النازيين وأجهزة المكافحة الاميركية. فالحال ان المسألة النازية لم تكن مطروحة، بعد في الولاياتالمتحدة الا من منطلق العداوة بين انظمة سياسية متناقضة ومتناحرة. أبعد من هذا، كان لهتلر معجبون اميركيون كثيرون في الحقيقة. اذ حتى ذلك الزمن المتقدم من مسار الحرب العالمية الثانية، كان كثيرون يرون ان على بلدهم ان يقف على الحياد في تلك الحرب البعيدة. فهي في اوروبا وربما في افريقيا وآسيا، وبين امم تدمر بعضها البعض وما على اميركا الا ان تنتظر وتراقب، فربما خرجت مظفرة. من هنا كان كل صوت يطلع في اميركا، ليطالب بتدخلها في الحرب ضد هتلر، يعتبر صوتاً شيوعياً. وكانت هذه الحال بالنسبة الى شارلي شابلن، وهو الذي كانت بعض افلامه السابقة، ولا سيما "الأزمنة الحديثة"، جعلت "صوفته حمراء" في نظر يمين اميركي متطرف كان يسمم الفكر في اميركا في ذلك الحين. لقد أتى عرض "الديكتاتور" وسط ذلك المناخ، فاعتبر من قبل البعض عملاً سياسياً فنياً يفضح بعض طبيعة الجنون الهتلري ويحذر من اخطار السكوت عنها، ويركز - بشكل خاص - على اضطهاد النازيين لليهود ورغبتهم في التخلص منهم. فيما اعتبر من قبل البعض الآخر فيلماً شيوعياً ينضوي ضمن اطار مؤامرة يهودية تستهدف جر الولاياتالمتحدة الى حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل.