من رحم نظريات فرويد حول الاحلام وعلاقتها بالحياة اليومية وبالابداع، كما من رحم رغبة الشاعر آرثر رامبو في "تغيير العالم"، ولدت في ذلك اليوم الخريفي في باريس، تلك الحركة التي بدأت بالرسم والشعر لتصل بعد ذلك الى الفنون كلها: الحركة السوريالية. حدث ذلك مساء الثالث عشر من تشرين الثاني نوفمبر، في غاليري "لوب" بشارع بونابرت، حين افتتح اول معرض جماعي للرسامين الذين اطلق عليهم اسم "السورياليين"، ولقد ضم المعرض اعمالاً للفنانين دي كيريكو وماكس ارنست، وجان آرب، ومان راي واندريه ماسون وخوان بيرو وبول كلي، وكذلك بابلو بيكاسو الذي سرعان ما سينفصل عن المجموعة. اما "كاتالوغ" المعرض فكان من توقيع روبير دزنوس واندريه بريتون الذي سيصبح، وبسرعة، زعيم السوريالية من دون منازع. كانت الغاية الاساسية للسورياليين، الوصول الى "الكشف عن الحقائق التي كانت حتى ذلك الحين تعتبر غير قابلة للسبر" وذلك عن طريق استخدام لغة جديدة، بغية مسايرة الزمن وتغيير الحياة وتحقيق ثورة اجتماعية حقيقية. منذ البداية كان من الواضح ان العقل هو الغائب الاكبر عن ذلك الفن الذي حفل بالمفاجآت والمفارقات منذ لحظة ولادته. وكان اندريه بريتون قد استبق تلك الولادة الفنية الرسمية للحركة ب"بيان السوريالية" الذي نشره في العام السابق معرفاً هذا التيار بأنه يقوم على "تلقائية نفسية، عن طريقها يحاول السوريالي ان يعبّر، ما بالكلمة او بأية وسيلة تعبير اخرى، عن الوظائفية الحقيقية للتفكير، خارج اي اهتمام جمالي او اخلاقي". بيد ان هذا الكلام لم يمنع مؤسس السوريالية من ان يعلن ان حركته، في مفارقاتها ووضعها للتسميات العقلانية في جوار بعضها البعض، تظل مرتبطة بالمحسوس، وذلك في مجال انتاجها لصورة يجب ان تحيل، حتى عن طريق الوهم، الى موضوع محدد. الحركة السوريالية التي عمت بعد ذلك بلداناً عديدة وطاولت انواع الفنون والآداب والفكر كافة، كانت وظلت طويلاً واحدة من اكثر الحركات الفنية تأثيرات في القرن العشرين، حتى وان كان اصحابها المؤسسون الذين نجدهم مجتمعين في اللوحة المرفقة التي رسمها ماكس ارنست تحية لاصحابه تفرقوا بعد ذلك بين ثوري ورجعي، شيوعي وفاشي، ستاليني وتروتسكي…