قال وزير الاستثمار الخارجي والتعاون الدولي التونسي فتحي المرداسي إن حجم الاستثمارات الخارجية المباشرة في بلاده تطور بنسبة 25 في المئة العام الماضي. وقدر في حديث ل"الحياة" قيمة الاستثمارات التي استقطبتها تونس عام 1998 بنحو 850 مليون دينار 720 مليون دولار بينها 410 ملايين دينار جاءت من تخصيص مصنعين للاسمنت اشترتهما مجموعتا "أونيلاد" الاسبانية و"سنيور" البرتغالية. فيما قدر قيمة الاستثمارات الخارجية في العام الماضي ب550 مليون دينار 450 مليون دولار أي 440 مليون دينار من دون اعتبار ايرادات التخصيص. وأضاف ان الحصة الرئيسية من الاستثمارات خصصت لانشاء مصانع جديدة ما ساعد في ايجاد مزيد من فرص العمل، كون القطاع الصناعي هو الأكثر تشغيلاً للأيدي العاملة. وأكد ان حجم الاستثمارات الخارجية تضاعف عشر مرات في غضون الأعوام الخمسة الأخيرة. وعزا زيادة حجم الاستثمارات إلى عنصرين أساسيين: أولهما سن قوانين جديدة شجعت على استقطاب مستثمرين أجانب، وثانيهما انشاء هيئات حكومية متخصصة بارشادهم ومساعدتهم في مقدمها "مؤسسة تنشيط الاستثمارات الخارجية". وأوضح ان الهيئات التونسية ركزت على اجتذاب الصناعيين من البلدان الأوروبية القريبة من تونس، خصوصاً فرنسا وايطاليا والمانيا وبلجيكا. وزاد ان عملية استكشاف الأسواق المصدرة للاستثمارات استندت على دراسات أظهرت أن تونس تتقدم على بلدان متوسطية مماثلة لجهة الربحية وتوافر عمالة ماهرة تتحدث اللغات الأجنبية وقادرة على السيطرة على التكنولوجيا المتطورة. لكنه استدرك ان تونس استطاعت تنويع قطاعات الاستثمار ولم يعد ينظر إليها على أنها بلد منتج للألبسة فقط "إذ تطورت الصناعات الميكانيكية والكهربائية في شكل لافت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة ما شكل اختراقاً حقيقياً لم يسبق للبلد أن حقق مثيلاً له". وأضاف: "يمكن القول إن تونس باتت اليوم مركز استقطاب لصناعات التجميع الميكانيكية والكهربائية، فهي تنتج الكوابل الكهربائية التي تستخدمها كل من بيجو وفولكسفاكن ورينو ومرسيدس وسواها من الشركات الأوروبية". وأفاد ان تونس لا تعتزم التوقف عند هذا المستوى وإنما تسعى لتوسعة قطاع تصنيع الكوابل الذي يتألف حالياً من خمسة مصانع تشغل 3500 عامل، خصوصاً أن هناك مستثمرين يخططون لتوسعة المصانع الحالية أو انشاء مصانع إضافية. وأشار إلى أن عنوان المرحلة المقبلة سيكون تشجيع مصانع تجميع المكونات البلاستيكية للسيارات على الانتقال من أوروبا إلى تونس، خصوصاً بعدما أقامت فيها مجموعة سويدية مصنعاً لمكونات سياراتها أخيراً. وكشف ان مفاوضات تجري حالياً مع مجموعات أخرى تسعى لتصنيع الديكور الداخلي لسياراتها في تونس، وأشار إلى أن الاتصالات لم تقتصر على شركات أوروبية وإنما شملت أيضاً شركات أميركية. ورأى ان القرار الذي اتخذته تونس أخيراً بخفض الرسوم على المكالمات الدولية للشركات سيشكل حافزاً اضافياً لاستقطاب مستثمرين جدد بما في ذلك قطاع تكنولوجيا مراكز الاتصالات الهاتفية Call-Centers الذي يشكل قطاعاً صناعياً مستقبلياً. وأوضح في هذا السياق ان الجامعات والمعاهد التونسية خرّجت أعداداً كبيرة من المتخصصين الذين يمكن الاعتماد عليهم في هذا القطاع المهم، واستدل بأن أربعة مشاريع جديدة اقيمت حتى الآن في القطاع وان متوسط عدد العاملين في المؤسسات المنتمية له يراوح بين 200 و300 عامل. وأكد ان مجموعة "ايزيس ريشارش" الأميركية التي أنشأت مركزاً لتصدير الخدمات من تونس إلى كل من المانياوفرنسا وايطاليا حققت نجاحاً حفزها على مضاعفة عدد الطواقم العاملة في المركز. وأشار إلى أن خطة توسعة تدريس الانكليزية لخريجي الجامعات بمن فيهم الأطباء، ترمي لزيادة فرص ارسالهم إلى الخارج في إطار برنامج التعاون الفني مع بلدان الخليج الذي لا تستفيد منه حالياً سوى بلدان آسيوية لأن خبراءها يتحدثون الانكليزية. وسُئل عن سير خطة التخصيص، فأوضح ان الحكومة ماضية في تنفيذها طبقاً للخطوات المرحلية التي حددت لدى اطلاق المسار مطلع التسعينات. وأضاف: "اننا ركزنا على الأمد الطويل خلافاً للبلدان الأخرى"، ورأى ان الهدف كان تحسين الانتاجية والمردودية في المنشآت العمومية التي بيعت للقطاع الخاص "حتى ان اقتضى الأمر الاستغناء عن قسم من العاملين فيها". وقال رداً على سؤال عن مصير مصانع المنسوجات الأجنبية في تونس في هذه المرحلة التي يستعد الاتحاد الأوروبي وتونس لإلغاء العمل بالمعاملة التفضيلية في مجال تصدير المنسوجات "إن البلد استقطب 1500 مصنع في هذا القطاع من أصل 1800 مصنع غير مقيم، ما منحه خبرة عالية في الميدان وسيطرة على أبعاده المختلفة". وأكد ان هذه الخبرة المتراكمة لا ينبغي تبديدها وأن الخطة التونسية في هذا المجال ترمي للمحافظة على الأسواق الحالية وتنويع المنتوج واعطاء منحة لكل صناعي جديد يساهم في معاودة هيكلة القطاع. وسُئل عن استراتيجية استقطاب مستثمرين من مناطق جديدة في السنة الجارية، فأوضح ان الاستراتيجية "لا ترمي فقط إلى المحافظة على مصادر الاستثمار التقليدية فرنساوالمانيا وايطاليا وبلجيكا وتنويعها، وإنما لاستكشاف مصادر جديدة في مقدمها البلدان العربية واسبانيا والبرتغال، خصوصاً بعدما أقدمت مجموعات اسبانية وبرتغالية على الاستثمار في التخصيص خلال العامين الأخيرين". وأشار إلى أن تونس ستستضيف لقاء ترويجياً كبيراً لعرض فرص الاستثمار المتاحة في البلد على رجال أعمال ومتمولين اسبان. كذلك سيركز التونسيون على المستثمرين السعوديين والكويتيين في إطار تنفيذ توصيات المؤتمر الثامن للمستثمرين العرب الذي استضافته تونس في الخريف الماضي. وأفاد ان ندوة ستعقد في هذا السياق بمشاركة مصارف التنمية التونسية - العربية خمسة مصارف لاستقطاب مستثمرين جدد. وفي آسيا يركز التونسيون على اليابان لحفز مستثمريها على تمويل إقامة مشاريع ثلاثية في افريقيا، إضافة إلى المساهمة في تمويل مشروع إقامة جسر على البحر بين رادس في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس وحلق الوادي في الضاحية الشمالية ومشاريع أخرى في قطاع الاتصالات.