كانت واحدة من الخطوات التي صنعت لعقد الخمسينات نكهته، على الصعيد العربي، وواحدة من التطورات التي كان لها ابلغ الأثر على الاتجاه الذي اتخذه مسار التاريخ منذ ذلك الحين، نعني بها تأميم الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قناة السويس، ذلك التأميم الذي اعلن عنه في الخطاب الذي القاه في الاسكندرية يوم 26 تموز يوليو 1956، امام ما لا يقل عن مئتي الف مواطن احتشدوا للاحتفال بالذكرى الرابعة لثورة الضباط الاحرار. فمنذ سنوات، كانت مصر لا تفتأ تسعى لتحقيق عملية بناء سد اسوان العالي، الذي كان مطلوباً منه ان يحمي المناطق الزراعية المصرية من الطمي والفيضان، وان يزود مصر بما هي بحاجة اليه من الطاقة لشؤون العيش والصناعة. وكانت مصر، بعد ان نجحت ثورتها، قد توجهت طالبة العون المالي من الدول الغربية - حيث نعرف ان توجه الثورة نفسها كان، في السنوات الاولى، توجهاً يتوخى التقارب مع الغرب ولا سيما الولاياتالمتحدة -. وبالفعل كانت واشنطن ولندن بل والبنك الدولي قد شرعت خلال النصف الاول من الخمسينات بدراسة الجدوى المالية للمشروع وبدأت بالتفاوض مع المصريين بشأنه. وفجأة حدث ما لم يكن في الحسبان: شنّت اسرائيل غارات على غزة كشفت للمصريين حاجتهم الى التسلح، فطلبوا الاسلحة اللازمة من الدول الغربية، لكن هذه رفضت بسبب رغبتها في عدم الاخلال بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة، وهو توازن كان يرجح كفة اسرائيل بالطبع. هنا لم يكن امام عبدالناصر الا ان يطلب السلاح من الاتحاد السوفياتي، فجاءه عن طريق صفقة التسلح التشيكية الشهيرة، في الوقت الذي ظل فيه التفاوض قائماً مع الغرب بشأن تمويل مشروع السد. ولكن في يوم 20 تموز يوليو 1956، اليوم الذي كانت مصر تنتظر رداً ايجابياً من العواصم الغربية، وعبدالناصر يأمل أن يكون اعلان النبأ السعيد المحور الأساسي لخطاب عيد الثورة الرابع قالت واشنطن ولندن والبنك الدولي معاً "لا". وكانت المفاجأة كبيرة، ولكن عبدالناصر عرف بسرعة كيف يرد الصاع صاعين، وهكذا اتخذ خلال خمسة ايام قراره التاريخي بتأميم قناة السويس، وعلى الفور اجتمع انطوني ايدن، رئيس الحكومة البريطانية بغي موليه نظيره الفرنسي وهددا مصر باللجوء الى القوة، فيما حركا اساطيلهما باتجاه شرقي البحر الابيض المتوسط. وبالفعل ما ان مضت اسابيع حتى كان العدوان الثلاثي، الذي شاركت في شنّه بريطانيا وفرنسا واسرائيل على رغم الاعتراضات الاميركية.