لاضطرابات الشرق الأوسط سابقة من نوعها. فقبل نصف قرن، هزت سلسلة ثورات الأرض تحت أقدام حكام العرب نتيجة أزمة السويس. فإثر تأميم جمال عبدالناصر، الضابط الشاب الباهر السطوة، قناة السويس في تموز (يوليو) 1956، شن البريطانيون والفرنسيون وإسرائيل هجوماً على مصر لاطاحته. وفشل مسعاهم، وانتصر عبدالناصر. وفي الخمسينات، سلطت أيديولوجيا القومية العربية الغالبة الضوء على المخاطر الخارجية، وأبرزت أهمية مسألة الاستقلال عن قوى الاستعمار ومواجهة إسرائيل. وعلى خلاف ثورات الأمس العربية، مطالب ثورات اليوم العربية داخلية. فالمتظاهرون يطالبون بتوفير فرص عمل وتمثيل سياسي. ولكن قيم موجتي الثورة متشابهة. فاليوم شأن الأمس، يرى المتظاهرون أن السلطة وقعت في أيدي زمرة فاسدة مهيمنة. واليوم شأن الأمس، تطيح الثورات رؤساء متحالفين مع واشنطن. وعلى رغم أن الثورات الحالية تفتقر الى زعيم يلهمها مثل عبدالناصر، ثمة دولة هي إيران لم تغب عن بالها التجربة الناصرية، وتحاول الاحتذاء بها. فمصر عبدالناصر عارضت الإمبرياليتين البريطانية والفرنسية، وصورت الإمبريالية على أنها وإسرائيل محور واحد. وتواجه إيران اليوم من تعرفه بأنه «خليفة المستعمر» البريطاني، أي الولاياتالمتحدة. وشأن عبدالناصر، أنشأت طهرانحلفاً مناوئاً لل «ستاتو كو» (توازن قوى الأمر الواقع)، ويعرف بمعسكر الممانعة، أقطابه هم إيران سورية و «حزب الله» و «حماس». ويتعمد المعسكر هذا استغلال فوضى الشرق الأوسط لتقويض مصالح الولاياتالمتحدة. ومع توسيع موجة الثورات التمثيل السياسي والمشاركة السياسية، يحاول المعسكر هذا التأثير في سياسة دول الجوار الداخلية. وفي دول منقسمة اتنياً وطائفياً، لن يتوانى عن توسل الإرهاب وعناصر محلية متحالفة معه لبلوغ مآربه، على نحو ما حصل في العراق ولبنان. وفي دول سكانها أكثر تجانساً، مثل مصر، لن يوفر معسكر الممانعة وسائل على غرار استدراج «حماس» لشن هجمات على اسرائيل لزرع شرخ بين القاهرةوواشنطن. ويُنتظر من واشنطن انتهاج استراتيجية احتواء تفترض ترك سياسة الانفتاح على إيران وسورية، ودعم حركات الإصلاح في البلدين هذين، وخصوصاً في سورية التي يشتد فيها عود المعارضين. وعلى رغم دواعي انتهاجها، ترفض إدارة أوباما مثل هذه الاستراتيجية، وتحسِب أن خطر معسكر الممانعة ضئيل ولا يستدعي رفع مستوى مواجهته. ولكن المعسكر هذا ليس مصدر خطر تقليدياً، بل هو مصدر خطر غير متكافئ وغير متسق. وتتصدر أولويات البيت الأبيض عملية السلام العربي – الإسرائيلي. ومع إخفاق إدارة أوباما في إحراز تقدم في المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، برزت أولوية المسار السوري. ولكن سورية لم تخف عليها رغبة واشنطن في مفاوضات سورية - إسرائيلية، فاستغلت الفرصة لطلب تنازلات ودعمت هجمات «حماس» على اسرائيل. ولا شك في أن نفوذ معسكر الممانعة لا يرقى إلى نفوذ عبدالناصر، ولكن في وسعه استغلال اضطرابات المنطقة وتحويلها موجة معادية لأميركا ومصالحها. وإذا رغبت واشنطن في تخفيف آلام انتقال الشرق الأوسط إلى نظام جديد، حريّ بها التنبه الى مخاطر معسكر الممانعة غير المتكافئة. * أستاذ جامعي ومساعد نائب سابق لوزير الدفاع الأميركي، عن «فورين أفيرز» الأميركية، 5 - 6/2011، إعداد منال نحاس.