كان… حفنة… متسخة… مشوبة… بكل الأمراض والأوبئة الاخلاقية والاجتماعية التي تسيل بها مجاري الحياة في حي "هارلم" الشهير - وامثاله من جيوب الفقر السوداء… والصفراء… والسمراء - تلك الأوبئة والاوساخ التي زكمت روائحها انوف "الستينات"، وعربدت خمرتها برؤوس جيل الحرب والغضب، امتزجت صرخاتها بمظاهرات الحرب الفيتنامية، و"مسيرات" الحقوق المدنية، وطرقات العنف السياسي التي راح ضحية لها - من بين كثيرين - رئيس دولة، ومرشح لمنصب الرئاسة، وزعيم للحقوق المدنية. عندما كان "مالكولم - إكس" يتحدث - صارخاً عن "الغيتو" الاميركي الاسود - واقعاً اقتصادياً واجتماعياً وخلفية تاريخية - فلم يكن حديثه - ترفاً نظرياً… لأنه مشى في تلك الطرقات، وسكن تلك الجحور، وعاش رطوبة الشتاء القارس، وعفونة الصيف اللزجة. لقد مارس كل "البذاءات" الواردة في قاموس "الغيتو" الاسود… وجيوب الفقر الرديئة الاخرى - وهو قاموس غير متواضع الحجم او هادئ المحتوى - غرق بالوضاعة والقذى حتى قمة رأسه. تسكع على الأرصفة والطرقات… ارتاد "مقاهي" السطح والاعماق… تاجر باللحم الابيض… والاسود… وتزعم عصابات للسرقة في حي "هارلم" و"ديترويت". كان يقضي اياماً طويلة هائماً… بلا وعي… او مأوى… تحت تأثير المخدرات و"السوائل" الرخيصة الاخرى. لم يُنقذ شوارع "هارلم" و"ديترويت"… من شقاوته… الا عقوبة سجن طويلة، حُكم عليه بها… بعد ان ضُبطت عصابته في "ديترويت" متلبسة بجريمة سرقة. كانوا يلقبونه في السجن ب"الشيطان"… بعد ان تميز بجبروته ودهائه على فرقائه. واستطاع ان يتجاوز الحدود… والقيود… ليمارس تجارته الرديئة… وهواياته القاتلة. كان - كما كتب عنه بيتر غولدمان في كتابه "موت… وحياة مالكولم - إكس" قد قرر ان يضع عقله في كيس من الضباب الذي صنعته أبخرة "كوكتيل" المخدرات التي أدمنها خارج السجن. واستطاع بشقائه ان يبتزها… ويتاجر بها داخل السجن. كان "مالكولم - إكس" حينئذ… خطاباً… متسخاً كتبت نهايتة… قبل سطره الاول. ينتظر قطرة اللعاب الاخيرة لتختمه… فتحمله ريح عابرة الى مكان… سحيق. وفجأة ومن دون سابق انذار… جاءت لحظة تحوّل… لتوقف التدهور السريع. اعتنق "مالكولم - إكس" العقيدة العنصرية المتطرفة لجماعة "المسلمين السود" التي أنشأها "أليجا محمد". لم تستغرق عملية الاقناع وقتاً طويلاً لأن مرجل الغضب كان معداً… ينتظر ان تهرق فيه… حفنة من جحيم… وقد كان ذلك. كانت تلك العقيدة… ألواحاً من العفّة والانضباط… والنظام… مكتوبة بحروف… من العنصرية المضادة… المتطرفة. واعطاه هذا المزيج… الفرصة المناسبة ليثور على الماضي البذيء ويمزق الاسفار القديمة… ويحتفظ بالمرارة اللاذعة ضد "اميركا البيضاء". أتاح له الانضباط الشديد… ان ينكبّ في السجن على الآداب اللاتينية والاوروبية، وعلى فلسفة "هيغل" و"كانت". وقضى ساعات طويلة مع القاموس ينحت منه "شظاياه" اللفظية التي سينثرها - فيما بعد - رعباً وارهاباً - في كل اتجاه. خرج "مالكولم - إكس" من سجنه… الى "هارلم" ليصبح "جنرالاً" في جيش "أليجا" العنصري. وليتحول الى انفجار عنصري قائم… ترتجف لدويه اطراف اميركا الناصعة البياض… وتستنكره الزعامات الليبرالية السوداء… وتتعلق بكلماته… وتحليلاته قوى الرفض والعنف التي كان يموج بها المجتمع الاميركي… في الستينات… واوائل السبعينات. اصبح… الرجل… الطويل… النحيل… ذو النظارة السميكة علامة احتجاج… رهيبة… على جيله… وعصره… وقومه… وتاريخه.