كان وينستون تشرشل، عندما يشير الى القرن العشرين، وهو الذي لم يشهد ثلثه الاخير، يصفه بقوله "هذا القرن الفظيع!"، ومع هذا، ومهما قلنا في ذم القرن العشرين: حربان عالميتان راح ضحية ثانيتهما 85 مليون شخص، وازمة اقتصادية طاحنة، ونظم ديكتاتورية خالية من الرحمة، وقنبلتان ذريتان... الخ، فإن لهذا القرن فضلا واحدا على الاقل يمكنه به ان يتيه ويزهو على سائر القرون السابقة عليه، والارجح انه سيزهو به على القرون التالية ايضا. ذلك انه القرن الذي نعم فيه بمنحة الحياة اكبر عدد من الناس. لقد تسلم القرن العشرون، من القرن السابق عليه، بليوناً ونصف بليون من الناس، وها هو ذا اليوم يسلم للقرن الحادي والعشرين ستة بلايين، اي انه ضاعف سكان العالم اربع مرات، قارن هذا العدد بعدد سكان العالم منذ قرنين ونصف 1750 حين كان هذا العدد اقل من عدد سكان الهند الآن، او حتى منذ قرن ونصف فقط 1850 عندما كان سكان العالم كله اقل من العدد الحالي لسكان الصين. كان متوسط العمر المتوقع عند الميلاد في 1900، نحو خمسين عاما في اكثر البلاد رخاء وتقدماً، ولا يزيد عن خمسة وعشرين عاما في افقرها، فأصبح الآن يقارب الثمانين عاما في الاولى ويقارب الخامسة والستين في الثانية. قد يقال "وما النفع في ان تكون الحياة اطول من دون ان تكون افضل؟ انظر الى عدد الفقراء والجوعى في العالم، انهم ايضا يعدون بالبلايين". لكن في هذا القول ظلماً فادحاً للقرن العشرين. نعم، ان عدد الذين يعانون من سوء التغذية اليوم يقدر بنحو ثلث سكان العالم، وهي حقا نسبة عالية. لكن النسبة المقابلة لها منذ سبعين عاما فقط كانت نحو النصف بدلا من الثلث، وفي اوائل هذا القرن كانت بلا شك اعلى من ذلك، ولا يقل عن هذا اهمية اننا لم نكن لدينا حينئذ اي وسيلة لمعرفة عدد الجوعى ومكانهم، فلم يكن ثمة من سبيل لاسعافهم! لم يشهد القرن العشرون فقط اعطاء منحة الحياة لأكبر عدد من الناس، بل كان في توزيعه لهذه المنحة اكثر ديموقراطية وعدلا من اي قرن سابق عليه، وربما ايضا اكثر من اي قرن لاحق عليه، فهو في تحقيق معدل الوفيات واطالة العمر المتوقع لدى الميلاد كان سخياً بوجه خاص مع افقر البلاد واكثرها تعرضاً لشبح الموت. فزاد عدد سكان افريقيا وآسيا واميركا اللاتينية، أكثر بكثير مما زاد في اوروبا واميركا الشمالية، وكانت نتيجة ذلك ان سكان الدول المسماة بالمتخلفة، بعد ان كانوا اقل من نصف سكان العالم في منتصف القرن، اصبحوا الآن اكثر من 80 في المئة من سكان العالم. لن يكون القرن الحادي والعشرون سخياً وديموقراطياً بالدرجة نفسها مع افريقيا وآسيا واميركا اللاتينية. فسكان هذا الجزء من العالم، سيتعلمون، على الارجح، خلال القرن المقبل، الدرس نفسه الذي تعلمه من قبل الجزء "المتقدم" من العالم، وهو كيف يخفضون معدل المواليد. واذا بحجم سكان العالم في نهاية القرن الحادي والعشرين يميل الى الثبات، مثلما كان عليه الحال منذ ثلاثة قرون. ولكن ما اكبر الفارق بين الحالين، كان عدد سكان العالم في سنة 1700 قريبا حقا من الثبات، ولكن معظم الناس كانوا يعيشون عيشة الكفاف ولا يعرفون وسيلة يمكن بها تخفيض مشاق العمل واعبائه. اما في سنة 2100 فسيكون عدد سكان العالم ثابتا ايضا، على الارجح، ولكن معظم الناس سيكونون في بحبوحة من العيش، وستكون مشكلتهم الكبرى، على الارجح، هي البحث عن وسيلة يمكن لهم بها قضاء اوقات الفراغ من دون ان يقتل بعضهم بعضاً!. * كاتب مصري.