Jean Louis Mathieu. La Population Mondiale. سكان العالم . Armand Colin, Paris. 1998. 96 Pages. في منتصف العام المقبل ستعلن ادارة السكان في منظمة الأممالمتحدة الرقم الجديد لتعداد سكان العالم: 6 بلايين نسمة. وقد كانت الأرض أدركت بليونها الخامس عام 1987، وبليونها الرابع عام 1974، وبليونها الثالث عام 1959 وبليونها الثاني عام 1925، وبليونها الأول عام 1820. واذا كانت الأرض ضاعفت تعداد سكانها على هذا النحو ست مرات في أقل من قرنين، فإن حمولتها من البشر على عتبة العام 2000 تزيد بأربعة وعشرين ضعفاً عما كانت عليه في العام 1000، فيومئذ ما كانت الأرض تؤوي أكثر من 250 مليون كائن بشري وهو الرقم عينه الذي تطالعنا به التقديرات عن تعداد سكان العالم في مطلع التاريخ الميلادي، أو في زمن أوج الامبراطورية الرومانية أو في العصر الذهبي للحضارة العربية الاسلامية. وقد حاول اختصاصيون في علم السكان - وهو بالمناسبة علم حديث رأى مصطلحه النور في نحو 1855 - ان يحسبوا اجمالي تعداد البشر الذين عاشوا وماتوا في الأرض منذ ان غدت صالحة للحياة، فاقترح بعضهم رقم 80 بليون نسمة. وهذا الرقم التقديري حكمه، بطبيعة الحال، ايقاع متسارع مع تقدم الزمن. فحتى نهاية العصر الحجري القديم في نحو العام 35000 ق. م. لم تكن الأرض قد شهدت مولد أكثر من 4 بلايين نسمة. وفي نهاية العصر الحجري الجديد في نحو العام 5000 ق. م. كان تعداد من عاشوا على الأرض قد ناهز الپ10 بلاييين نسمة. ولكن في الخمسة آلاف سنة التي سبقت التاريخ الميلادي شهدت الأرض مولد وممات 29 بليون نسمة. كما انه من العام 1 الى العام 2000 سيكون قد عاش على الأرض نحو من 40 بليون نسمة، منهم 9 بلايين في الألف الأول للميلاد، و12 بليوناً بين العام 1000 والعام 1700، و19 بليوناً منذ مطلع القرن الثامن عشر الى نهاية القرن العشرين. واذا كان من الممكن الكلام، قياسا الى الزمان، عن تراكم كمي للبشرية، فإن المشهد الذي تطالعنا به قياساً الى المكان يحكمه تفاوت وتخلخل هائلان. فسكان الأرض، البالغ تعدادهم اليوم 5840 مليون نسمة، يعيشون على 130 مليون كم2 من اليابسة. وهذا ما يجعل كثافتهم الوسطية 45 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد. ولكن هذا محض مؤشر وهمي. فالكثافة الفعلية تتدنى في المناطق القطبية والصحراوية والاستوائية والجبلية العالية الى أقل من 1 وترتفع في المناطق النهرية وفي السواحل البحرية الى 1000، وتصل في بعض المدن المتروبولية الى 20000، وفي الأحياء المكتظة منها الى 100000 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد. وتغلباً على عقبة المكان تخيل معماريون يابانيون امكانية بناء مدن/ أبراج ترتفع الى علو 2000م وتتسع الوحدة منها لنحو 700000 نسمة. والشيء المؤكد انه لا وجود لكثافة مثالية. فبالمقارنة مع الولاياتالمتحدة الأميركية، التي تبلغ كثافتها السكانية 29 نسمة في الكيلومتر المربع، تبدو فرنسا مكتظة بالسكان: 107 نسمة في كل كم2. ولكن بالمقارنة مع بلدان أوروبية اخرى، تبدو غير مأهولة بما فيه الكفاية: ففي بريطانيا ترتفع الكثافة السكانية الى 244، وفي بلجيكا الى 330، وفي هولندا الى 460. وأكثر ما يميز المشهد الديموغرافي للعالم الحديث تكاثر سكان المدن على حساب سكان الأرياف. فحتى مطالع الأزمنة الحديثة كان أكثر من تسعة أعشار البشرية يعيشون في الأرياف. وفي الواقع، إن المدن نفسها تأخر ظهورها الى مطلع الألف الثالث ق. م، وهذا في بلاد ما بين الرافدين ثم في وادي النيل مصر حصراً. وحتى مطلع القرن الثامن عشر كان 8 في المئة فقط من سكان العالم يعيشون في مدن. ولم يتضاعف هذا المعدل الا في مطلع القرن العشرين. ولكن على امتداد القرن الأخير هذا زاد تعداد سكان المدن من 16 في المئة عام 1900 الى 30 في المئة عام 1950 الى 46 في المئة عام 1995. ومن المقدر ان يتعادل المدنيون والريفيون في نحو العام 2010. اما في العام 2025 فسترجح كفة المدنيين كفة الريفيين بنسبة 60 في المئة مقابل 40 في المئة. وبما ان نمو سكان المدن قد ارتبط أصلاً بالثورة الصناعية، فقد بقيت الظاهرة محصورة حتى منتصف القرن العشرين بأوروبا وأميركا الشمالية. ولكن بدءاً من 1950 عمت ظاهرة التحضر المدني العالم اجمع. ففي العام 1950 كان 64 في المئة من الأميركيين الشماليين و56 في المئة من الأوروبيين يسكنون في المدن مقابل 17 في المئة للآسيويين و15 في المئة للافريقيين. ولكن في 1995 كانت نسبة المدنيين في آسيا وافريقيا قد ارتفعت الى 35 في المئة من اجمالي السكان مقابل 75 في المئة في أوروبا وأميركا الشمالية. اما في العام 2025 فمن المقدر ان تصل نسبة تعداد سكان المدن في افريقيا وآسيا الى 54 و55 في المئة على التوالي، مقابل 80 في أميركا الشمالية و83 في أوروبا. ولكن الرقم القياسي في مجال التحضر المدني سيعود الى أميركا اللاتينية حصراً. فشبه القارة هذه، التي ما كانت نسبة المدنيين من سكانها تزيد على 41 في المئة عام 1950، تخطت مستوى التحضر المدني الأميركي الشمالي في العام 1995، فبلغت 78 في المئة مقابل 76 لأميركا الشمالية. وهي مرشحة لأن تتخطى معدل التحضر المدني الأوروبي لتصل في العام 2025 الى 88 في المئة من اجمالي سكانها مقابل 83 لأوروبا. وبالأرقام المطلقة تبدو الصورة أشد وقعاً بعد. فإجمالي تعداد السكان المدنيين في أوروبا وأميركا الشمالية قد تضاعف من 397 مليون نسمة عام 1995، ومن المقدر ان يصل الى 911 مليون نسمة عام 2025. وبالمقابل، فإن تعداد السكان المدنيين يسجل في كل من افريقيا وآسيا الزيادات التالية: 34،238 مليون نسمة عام 1950، و250 و1198 عام 1995، و804،2718 عام 2025. وكما هو واضح من هذه الأرقام فإن الثقل المركزي لهذا النمو السكاني ذي الطبيعة الانفجارية ستتحمله مدن الجنوب المتخلف، لا مدن الشمال المتقدم. فخلال ربع القرن القادم ستتحمل المدن الأوروبية والأميركية الشمالية، المتطورة أصلاً، عبء مئة وخمسين مليون ساكن جديد مقابل بليون وسبعين مليون ساكن جديد في المدن الافريقية والآسيوية العاجزة من الآن، بحكم قصور بناها التحتية، عن تلبية الحاجات المدنية الأساسية لسكانها الحاليين. فثلث سكان المدن في افريقيا وآسيا يعيشون حالياً في "مساكن" لا تتوافر فيها شروط الحد الأدنى للسكن الصحي و220 مليوناً من هؤلاء السكان لا يتوفرون على منفذ مباشر الى مياه الشرب. اما "أولاد الشوارع" الذين لا يترددون على أية مدرسة ولا يعرفون شكلاً آخر للحياة سوى التشرد فلا يقل تعدادهم اليوم عن 100 مليون طفل. ولعل رقماً واحداً يكفي للاشارة الى ضخامة العبء الذي ترزح تحته مدن الجنوب من جراء تصاعد وتائر النمو الحضري اللامنضبط: فيومياً ينضم الى سكان المدن في افريقيا وآسيا 150 ألف نزيل جديد، مما يوجد حاجة الى عشرة ملايين مسكن وخمسة وخمسين مليون مقعد مدرسة جديد في السنة وههنا أيضاً تفرض المقارنة مع مدن الشمال نفسها. فمن خلال تطور طبيعي وعضوي استغرقت المدن الأوروبية والأميركية الشمالية 150 سنة لتستوعب في الفترة ما بين 1800 و1950 أربعمئة مليون ساكن. والحال ان المدن الافريقية والآسيوية لا تستغرق اليوم سوى ثماني سنوات لتستوعب حجماً مماثلاً من السكان. وبمعنى من المعاني يمكن ان نقول ان أزمة النمو الحضري في العالم الثالث تعود الى الكيفية التي استورد بها "الحداثة الديموغرافية". فهذه الحداثة قامت على مبدئين لا ثالث لهما: تقليص معدل الوفيات وتخفيض معدل الولادات. فالنموذج الأوروبي والأميركي الشمالي للنمو السكاني قام من جهة أولى على مكافحة الموت عن طريق اطالة أمد الحياة. وبالفعل، فقد أمكن لهذا النموذج ان يخفض معدل وفيات الأطفال من 150 بالألف في القرن الثامن عشر الى 8 في الألف في نهاية القرن العشرين هذه. كما أمكن له في الفترة نفسها ان يطيل الأجل المتوسط للحياة من 30 سنة في مطلع أواسط القرن الثامن عشر الى 78 سنة في نهاية القرن العشرين. ولكنه خفض في الحقبة نفسها معدل الولادات من 35 أو 40 في الألف في القرن الثامن عشر الى أقل من 15 في الألف في نهاية القرن العشرين، مما يعني عملياً ان مؤشر خصوبة المرأة تدنى من 5 أو 6 أطفال الى طفلين فقط. وفي المقابل فإن مجتمعات العالم الثالث استوردت المعدل الأوروبي والأميركي الشمالي المنخفض للوفيات من دون ان تستورد معه المعدل المنخفض أيضاً للولادات. وعلى هذا النحو انخفض المعدل العام للوفيات في بلدان العالم الثالث من 40 في الألف في مطلع القرن العشرين الى 20 في الألف في الأعوام 1960 الى 15 في الألف في الأعوام 1980 الى 9 في الألف في نهاية القرن هذه. ولكن معدلات الولادة لم تسجل انخفاضاً موازياً، وبقي معدلها العام يراوح حول 30 في الألف، مما يعني عملياً مضاعفة حجم السكان مرة كل عشرين سنة. ورغم ميل مؤشر خصوبة المرأة الى الانخفاض في الأعوام الأخيرة، فإن توقعات خبراء السكان في الأممالمتحدة تشير الى ان تعداد سكان الجنوب سيصل في أواسط القرن القادم الى 9 بلايين نسمة من أصل 10 أو 11 بليون نسمة، هم الاجمالي المتوقع لسكان العالم في العام 2050. .