شهدت مصر في السنوات القليلة الماضية ثلاث محاولات لإنشاء أحزاب إسلامية. وتعكس هذه المحاولات رغبة لدى شريحة معيّنة من التيار الإسلامي في دخول المعترك السياسي السلمي في البلاد. فما هي هذه المحاولات، ومن هم القائمون بها، وما هي الشريحة التي يتم التنافس عليها في المجتمع المصري؟ ظهرت المحاولة الأولى في 1996 من خلال مشروع تأسيس "حزب الوسط" الذي ضم من بين القائمين به السيد أبو العلا ماضي أحد قياديي جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة، والسيد رفيق حبيب الذي ينتمي الى الطائفة المسيحية في مصر. وعلى رغم انتماء معظم مؤسسي "الوسط" الى تيار "الإخوان"، فإن الظاهر انه أراد تأكيد اعتداله من خلال إدخال العنصر المسيحي الى قيادته ورفضه التفريق بين المسلمين والمسيحيين في مصر. ومثلما هو معروف، تسببت محاولة تأسيس "الوسط" بأزمة داخل "الإخوان" بين ما عُرف بتيار "الشيوخ" وتيار "الشباب". في أي حال، لم توافق السلطات المصرية المعنية، لجنة شؤون الأحزاب، على اعتماد الحزب، الذي غيّر - من دون جدوى - إسمه في المحاولة الأخيرة الى "الوسط المصري". وجرت المحاولة الثانية في 1998عندما طرح السيد جمال سلطان مشروع "حزب الإصلاح". ولم يقدم هذا الحزب بعد اوراق اعتماده الى لجنة الأحزاب، كما لم يطرح برنامجاً سياسياً، مكتفياً بالحديث عن أهداف عامة يسعى الى تحقيقها. ولا ينتمي سلطان، عضوياً، الى ما يُوصف ب "الحركات الجهادية" مثل "الجماعة الإسلامية" كبرى الجماعات أو "جماعة الجهاد" أو "طلائع الفتح" المنشقة عنها. لكن أفكاره تلتقي مع هذه التنظيمات في أكثر نقطة، كما انه يحظى بتأييد بعض القياديين المحسوبين عليها. أما المحاولة الثالثة فقد ظهرت في 1999 عندما طرح المحامي ممدوح اسماعيل فكرة مشروع "حزب الشريعة". والسيد ممدوح الذي كان بين المحاكمين في قضية اغتيال الرئيس أنور السادات والانتماء الى جماعة "الجهاد" سنة 1981، ينتمي أيضاً الى التيار "الجهادي"، كما انه يحظى بتأييد بعض قادته. وإذا كان مؤسسو "حزب الوسط" - بخلفيتهم "الإخوانية" - لا يجدون مشكلة ايديولوجية في تبريرهم إنشاء حزب يتعايش مع الأحزاب المصرية الأخرى، فإن مؤسسي "الإصلاح" و"الشريعة" يتنافسون على استقطاب شريحة معيّنة من الحركة الإسلامية، هي الشريحة التي ترفض أصلاً العمل الحزبي. والمعني هنا تحديداً "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد" و"طلائع الفتح". وليس سراً ان أعضاء قياديين في هذه الجماعات يميلون الى تأييد "الإصلاح" أو "الشريعة"، لكن هذه الجماعات الثلاث لم تعلن موقفها رسمياً حتى الآن من إنشاء "أحزاب إسلامية". كما أنها لم تعلن أنها تراجعت عن رأيها القاضي بعدم جواز التعددية الحزبية، ورأيها ب "كفر الأنظمة". ومعلوم ان قادة الجماعات الإسلامية "الجهادية" الذي يقضون عقوبات بالسجن في مصر، سجّلوا تغييراً أساسياً في تفكيرهم عندما أقروا في 1997 مبدأ وقف العنف الذي دأبوا على تبريره ضد الحكومات المصرية المتعاقبة. لكن هذا التغيير الذي عُرف ب "المبادرة السلمية"، اقتصر على قضية اعتماد العنف، ولم يتطرق الى مبدأ التعددية الحزبية و"ردة الأنظمة" وغيرها من مبادئ الجماعات الجهادية. وبما انه لا يظهر ان هذه الجماعات قد غيّرت من مبادئها، بما فيها موقفها من الحزبية، فإن الواضح ان محاولة إنشاء "أحزاب إسلامية" إنما هو "اجتهاد" من أصحاب هذه الأحزاب ولا يمثّل الجماعات الجهادية نفسها. كما ان التأييد الذي قد تحظى به هذه الأحزاب من قياديين من الجماعات الجهادية لا يعدو بدوره عن ان يكون "اجتهاداً" من هؤلاء لا يُلزم تنظيماتهم، إلا إذا صدر موقف مغاير عنها في بيانات رسمية. في أي حال، وبغض النظر عن نظرة "الجهاديين" الى مبدأ تأسيس "أحزاب إسلامية"، فإن من غير المتوقع ان يكون مصير "الشريعة" أو "الإصلاح" أفضل حالاً من مصير "الوسط".