لم يكن اعتراض لجنة الاحزاب التابعة لمجلس الشورى في مصر قبل ايام على منح مؤسسي "حزب الشريعة" ترخيصاً لمزاولة نشاط سياسي مفاجئاً حتى للمؤسسين انفسهم. فهم كانوا ينتظرون القرار على النحو الذي صدر به ولم يتصور احد منهم ان اللجنة، التي لم تمنح الشرعية لأي حزب على الاطلاق منذ السبعينات، يمكن ان تمنحهم ترخيصاً، خصوصاً انهم من المحسوبين على "التيارات الاصولية الجهادية". لكن السرعة التي صدر فيها القرار بعد نحو شهرين فقط من تقديم الطلب اعادت طرح تساؤل عن الطريقة التي يمكن للاسلاميين ان يمارسوا فيها العمل السياسي في مواجهة صرامة حكومية لا تقبل ابداً تصور ان يشارك الاسلاميون في العملية الديموقراطية. وكان اعضاء سابقون في جماعة "الاخوان المسلمين" فشلوا مرتين في تأسيس حزب سياسي. مرة تحت لافتة "حزب الوسط" واخرى تحت اسم حزب "الوسط المصري". والمؤكد ان أي محاولات أخرى لعناصر انتسبت في السابق الى أي جماعة اصولية سواء كانت سلمية ك"الاخوان" او راديكالية ك"الجهاد" أو "الجماعة الاسلامية" ستبوء بالفشل ما دام الصدام قائماً ما بين التيار الاسلامي عموما والدولة. ويخشى البعض من ان يؤدي الاصرار الحكومي على استبعاد الاسلاميين من "الملعب السياسي" الى اصابة بعضهم باحباط قد ينتج عنه تحولهم مرة اخرى الى حمل السلاح والحديث بالرصاص والقنابل بعدما عجزوا عن التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم سلمياً. وبغض النظر عن مطالبة قوى المعارضة في تحقيق اصلاح سياسي الا ان احدا من المعارضين من غير الاسلاميين لم ير في ما يحدث للاسلاميين خرقاً "لقواعد اللعبة" بل ان هناك من يجسلون الى جانب المعارضة ويؤيدون "ضرب التيار الاسلامي" ويشجعون الحكومة على التنكيل برموزه واستبعادهم من اي نشاط سياسي بل يحرضون في احيان اخرى على اعتقالهم. وعلى رغم تأكيد المسؤولين المصريين، وعلى رأسهم الرئيس حسني مبارك في مناسبات عدة رفضهم قيام احزاب دينية اسلامية على اساس ان وجود حزب اسلامي يجعل من قيام حزب مسيحي مسألة واردة مما يهدد الوحدة الوطنية في البلاد، لكن سنوات العنف الديني التي امتدت منذ ربيع 1992 وحتى نهاية 1997 زادت من اقتناع الدولة بأن التصدي لمحاولات الاسلاميين الوصول الى السلطة أياً كانت الآليات التي يستخدمونها عنفاً كانت ام نشاطاً سياسياً، أمر لا يمكن التغاضي عنه، خصوصا ان المسؤولين المصريين لا يفرقون كثيراً بين "الاخوان" كتنظيم لا يعتمد العنف سبيلا للتغير او جماعة "الجهاد" و"الجماعة الاسلامية" كتنظيمين استخدما العنف لسنوات لتحقيق الهدف نفسه الذي يسعى "الاخوان" الى تحقيقه بطريقتهم الخاصة وهو اقامة دولة اسلامية. وليس خافياً ان الدستور المصري يحظر في الاساس تأسيس احزاب على اسس دينية. لكن حزبي "الوسط" و"الشريعة" لم يتحدثا في برنامجهما عن انهما حزبان دينيان إن ركز الاول على انه يعبر عن "المشروع الحضاري الاسلامي" في حين تحدث برنامج الثاني عن اقامة دولة تحكم بالشريعة الاسلامية وليس دولة دينية، واعتمد المشروعان على النص الوارد في الدستور من ان مصر "دولة اسلامية وان الشرعية الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". ويرى مراقبون ان الاسلاميين "المسالمين" الرافضين لمسألة استخدام العنف كانوا ضحية لزملائهم الذين رفعوا السلاح وصوبوه نحو الحكومة وأهداف اخرى وافرزوا مناخاً جعل من التفريق بينهم وبين الساعين الى ممارسة نشاط سياسي في اطار القوانين المعمول بها في البلاد امرا بالغ الصعوبة بعدما صار كل الاسلاميين في "سلة واحدة" من وجهة نظر الدولة. ويسود اعتقاد بأن عنف الاصوليين كان احد الاسباب التي اخرت الاصلاح السياسي.