أشرف عبد الباقي فنان يحاول الخروج من نطاق ظاهرة المتألقين فجأة، والتي انخفضت تدريجاً، كانت نقطة انطلاقه في مسرحية "خشب الورد" في دور جندي الشرطة، وحاولت السوق الفنية استهلاكه في هذا الدور، غير أنه تمرد على شروط هذه السوق. دفعته رغبته في التنوع لقبول أدوار ذات مساحات صغيرة، لكنها مؤثرة وفعالة وهو ممثل ذو حضور قوي ما يحقق له التواصل الفوري مع متلقيه. ويحرص عبد الباقي على التأكيد أن الفنان الحقيقي يملك مؤهلات الكوميديا والتراجيديا معاً. وعرض له التلفزيون المصري قبل اسابيع مسلسل "حضرة المحترم" عن رواية لنجيب محفوظ تحمل العنوان نفسه، وقام فيه بدور البطولة. واستطاع باقتدار أن يوظف الروح الكوميدية في تفجير الطاقات التراجيدية للشخصية وتدعيم مواقفها في العمل. التقته "الحياة"، وحاورته عن المسرح التجاري، وتحول الممثلين إلى الغناء، وقلة أعماله التلفزيونية، والكوميديا. وضع أشرف عبد الباقي بصمته الخاصة على عدد من الأعمال، ولكنه استهلك طاقته في المسرح التجاري ولم يشارك في أي من عروض مسرح الدولة؟ - البيروقراطية والإبداع لا يلتقيان، والفن والقيود لا يجتمعان، ولذلك فإنني لا أرحب بالمشاركة في مسرح الدولة، ولا يستطيع الفن الاستمرار والمواصلة مع بنود لوائح وطوابع دمغة "وفوت علينا بكره". الفن انطلاق وأتصور أن من الاسباب الرئيسية لنجاح المسرح التجاري عدم خضوعه لمنطق اللوائح وما يروج عنه من أنه مسرح هابط هو حكم جائر، لأنه يطلق على العموم، وهناك الجيد وغير الجيد. هناك اتهام للمسرح التجاري بأنه لا يخضع للقواعد المسرحية العامة فلم تعد الفروق واضحة بين المسرح الغنائي أو الاستعراضي والاوبريت؟ - ليست كل العروض بهذا الوصف. مسرحية "ماما امريكا" مثلاً عرض خاص وتجاري غير أنه عرض محترم، وقيم جداً، وقدم المسرح كما ينبغي أن يكون، محترماً كل التقاليد المسرحية. ويقدم رؤية مسرحية رفيعة المستوى، كما أنه كان عرضاًَ نظيفاً لا ينطوي على ما يخدش حياء الأسرة، كما راعى تقاليدنا الاجتماعية، وهناك عرض خاص آخر أو كما يطلق عليه "تجاري" شاركت فيه عبلة كامل وهو عرض "الحادثة" فلم تكن فيه كلمة واحدة خارجة، ولم يتضمن أي استعراض، ولم ترقص فيه راقصة. وهذا لا يعني أنني ضد الاستعراض أو الرقص. فهناك عروض مسرحية قدمها مسرح الدولة تضمنت رقصاً واستعراضاً، المهم هو ارتباط الغناء أو الاستعراض بنسيج العمل. وهناك مسرحية "باللو" التي تدور أحداثها عن السيرك، فمن المنطقي أن تتضمن استعراضات، إذن فالاستعراض هنا يعتبر في صلب الموضوع. وهل يعني هذا المنطق تحول أغلب ممثلي مصر الى مطربين؟ - وما الضرر من ذلك إذا كان الغناء موظفاً في السياق الدرامي للعمل وذا صلة به، إنما يكمن الضرر فقط في أن يكون الغناء مقحماً، والفيلم الذي اشارك في تصويره حالياً أقوم فيه بدور مطرب، فليس من المعقول طبعاً ألا أغني. أما الغناء في الافلام عموماً إن لم يشكل ضرورة فنية فإنه يضر العمل، وقد استثمر الغناء في أفلام حققت إقبالاً جماهيرياً مثل "صعيدي في الجامعة الاميركية" و"اسماعيلية رايح جاي". ما سبب ندرة أعمالك الدرامية في التلفزيون؟ - أصبح التلفزيون من أكثر وأكثف قنوات الإبداع توصيلاً وخطورة، لا سيما في ظل هذا التعدد، ومن السهل على المشاهد أن يدير مؤشر القنوات، ومن هنا يكمن حرصي على تقديم عمل جيد ولو كان على فترات متباعدة، التلفزيون من أهم وسائل انتشار الممثل، ولكنه يقتل الممثل الذي يستهين بالمشاهد. للكوميديا في كل مرحلة نجومها الذين يشكلون ملمحها العام وتختلف ملامحهم عن نجوم الكوميديا في مرحلة أخرى، فمن أبرز وجوه الكوميديا في جيلك؟ - هذا السؤال مدخل للتعرض للأزمة السينمائية، فقبل عام 1952 وما بعدها بقليل كانت السينما مصدر دخل قومي، وتعامل مؤسسوها معها بهذا المعنى كان انشاء الاستوديوهات. ودور العرض التي بلغ عددها 640 دار عرض، حالياً ونحن نستقبل القرن الحادي والعشرين دور العرض لا يتجاوز عددها ال125 بقليل وبعدما كانت السينما تنتج 200 فيلم في العام تنجز عشرة أفلام فقط. ظاهرة أخرى تتمثل في الأجيال الفنية المعمرة، فمثلا جيل نور الشريف وعادل إمام ومحمود عبدالعزيز وحسين فهمي وابناء جيلهم لا يزالون يواصلون عطاءهم، والجيل المماثل لهم في الغرب جاءت من بعده أجيال عدة، على رغم استمرار عطائهم، أما لدينا ولأن "بائعي الجوافة" هم المسؤولون عن هذه الصناعة، تجد الأجيال معمرة والمسافات الزمنية بينها متباعدة، وهذا ليس خطأ الاجيال والاسماء التي تحدثت عنها، وإنما هي أزمة اختلقها المسؤولون عن هذه الصناعة. أقول ذلك ليدرك الجميع حجم المشقة التي تواجهها الاجيال الجديدة للبحث عن موضع قدم. ولعلني أذكر من أبرز وجوه هذا الجيل صلاح عبدالله وأحمد آدم وعلاء ولي الدين وعلاء مرسي ومحمد الصاوي ورضا إدريس وأحمد التهامي ومحمد شرف وماجد الكدواني، واعتذر عن نسيان اسماء بعض الرفاق الذين لا يجمعهم ملمح واحد فلكل اسلوبه وبصمته. قيل إن الكوميديا قديماً كانت أكثر حياءً وتعففاً عن كوميديا هذه الأيام التي اصبحت تعتمد على "القفشة" اللفظية، ما رأيك؟ - ولماذا نغيّب جانباًَ من الرصد ليصبح دقيقاً ومنصفاً، ففي الوقت الذي كانت تقدم فيها الكوميديا المحترمة والتي كانت تعتمد على المضمون، كان إلى جوارها كوميديا لفظية، تعتمد على الإيماءات الجارحة والمبتذلة، ولكن الذي استمر هو الجيد، نحن مقبلون على عام 2000 ونشاهد أفلاماً لاسماعيل ياسين، وله نحو 730 فيلماً ما بين أدوار بطولة أو مساعدة، ما بقي من هذه الافلام هو 300 فيلم، وما يعرض منها لا يتعدى 50 فيلماً، وبجانب المسارح الخالدة القديمة ليوسف وهبى وجورج أبيض كانت تقدم مسرحيات مبتذلة على مسارح روض الفرج. وهكذا فلكل عصر سيئاته وحسناته، ونسبة السيئات الى الحسنات هي التي تعكس الملمح الفني العام لكل مرحلة، ولا سيما إذا اعترفنا أن الفنان أيضاً هو نتاج مرحلة، والأهم من ذلك لا بد من الاعتراف بأن الكوميديا هي أقرب الفنون من الشارع وتحمل كل صفاته. اشيع إنك أديت دوراً في عرض مسرحي بدلاً من زميل لك فاجأته ظروف لم نعرف طبيعتها، ونحن نتساءل بدورنا ما الذي يدفع نجم مثلك أن يقبل منطق "لاعب الاحتياطي"؟ - ثمة فارق كبير بين أن أحل محل ممثل في عمل مسرحي بشكل مستمر، وبين أن أبادر بالمساعدة في موقف إنساني بالغ الحساسية، خصوصاً مع زميل لي هو علاء ولي الدين. ولتصحيح ما اشيع سأسرد حقيقة ما حدث، ففي إحدى زياراتي للمسرح قاصداً علاء وجدته يعاني ألماً في المرارة، فنقلته الى المستشفى وكان معي المنتج عصام إمام، وكان هذا ثاني أيام أحد الأعياد، وأنت تعلم بأن المسارح في العيد تكون عادة مكتظة وكاملة العدد، يعني بمنطق أولاد البلد "مليانة رزق" وكوني اتدخل وانقذ الموقف واخدم زميلاً عزيزاً عليّ وأنقذ المسرح من مأزق، فهذا واجب فني وإنساني يحتمه عليّ ضميري الفني والانساني. وقمت بأداء دوره وأنا لا أعرف دوره ولا أحفظ النص، ومعنى هذا أن قدمي ثابتة على المسرح، وحين أديت الدور أديته معتمداً على الملقن الى أن عاد علاء ولي الدين، وإذا كنت قد قبلت أداء هذا الدور أو غيره من الادوار بسبب انسحاب ممثل تحت أي ظرف، فيمكنك اعتباري من الجالسين على دكة الاحتياط ورغم أن السؤال شرير، إلا أن هدفه طيب