حتى ذلك اليوم، كانت حكاية السفينة "تايتانيك" الصورة موجودة فقط في الذاكرة وفي الكتب. كانت صارت أشبه بالاسطورة المتداولة، وبالذكرى التي يحتفل بها البعض مرة في كل عام. والى حد كبير كان هذا البعض هو كل من بقي ليتذكر تلك السفينة التي غرقت وقتلت من قتلت، مفتتحة القرن العشرين بالتأكيد على ان ليس ثمة تكنولوجيا خالدة لا تقهر. ولكن منذ ذلك اليوم تبدلت الأمور وتحولت "التايتانيك" الى شيء ملموس: تم بدقة تحديد المكان الذي غرقت فيه، وعادت حكايتها الى الواجهة، وظل الأمر كذلك، حتى الفترة الأخيرة، حين تحول هذا كله الى فيلم سجل النجاحات التجارية الأكبر في تاريخ السينما، وأعاد الى الحياة مرة واحدة وبكثافة غير معهودة كل ما يتعلق بالباخرة الغارقة من حكايات وأحزان وغرائب وفرضيات. اليوم الذي نعنيه هو الرابع من أيلول سبتمبر 1985، حين أعلن الناطقون الرسميون باسم فريق عمل خاص مكون لتلك الغاية، انه قد تم وبشكل علمي ونهائي تحديد المكان الذي يستقر فيه هيكل السفينة البريطانية الشهيرة. يومها قال المراقبون ان هناك في أعماق البحار ألوف الهياكل لسفن تفوق التايتانيك عراقة وغنى، ولكن من الواضح ان ما من هيكل يثير المخيلات اكثر من هيكل تلك السفينة التي غرقت في العام 1912، وتم العثور على حطامها بعد ذلك ب75 سنة. ولقد وصلت إثارة المخيلات الى ذروتها، حين اشتد السجال في الولاياتالمتحدة الاميركية حول ما يتعلق بالسفينة، إثر التحديد النهائي لمستقر هيكلها. وكان من الواضح ان المسألة الأساسية التي يدور النقاش من حولها تتعلق بما إذا كان من اللازم أو من غير اللازم، تعويم هيكل السفينة العائد ملكيتها في ذلك الحين الى شركة "خطوط النجم الأبيض" وايت ستار لاين. خصوصاً وان الهيكل الذي تم العثور عليه كان في "حالة ممتازة" يرقد على عمق أربعة آلاف متر على مقربة من السواحل الكندية. وكان الاكتشاف تم عن طريق فريق عمل فرنسي - اميركي مشترك. وفي هذا الاطار طرحت ايضاً معضلة أخرى تتمحور من حول التساؤل عمن يمتلك ما تبقى من السفينة الآن بعد ثلاثة أرباع القرن من غرقها. بالنسبة الى البروفسور روبير بالار الذي قاد الحملة، كان لا بد للمكان الذي غرقت فيه السفينة ان يتحول الى موقع تذكاري باسم ال1513 شخصاً الذين لقوا حتفهم في تلك الكارثة التي حدثت يوم 14 نيسان ابريل 1912. ورأي البروفسور بالار انه لا يجوز تعويم السفينة "لأن في مثل هذا الأمر تدنيساً لذكرى مقدسة". في المقابل كان هناك كثيرون يرون ضرورة التعويم، وكان في مقدمة هؤلاء، اشخاص يدركون ان السفينة، في حالتها الراهنة، تضم ثروة ضخمة من المجوهرات التي يفترض بها ان تكون مخبوءة في خزائن يتطلب الأمر معرفة مكانها. ومع هذا، فإن الخبراء لم يبدوا يومها اتفاقاً فيما بينهم حول القيمة الحقيقية ل"الكنز" المدفون، بحيث ان التقديرات راحت تتراوح بين مليون دولار و300 مليون دولار. غير ان ذلك كله لم يمنع الخبراء من ان يخوضوا سجالات أخرى حول تقنيات التعويم التي يجدر اللجوء اليها في حال اتخاذ قرار من كان عليه ان يتخذه يا ترى؟ بتعويم السفينة. وكان الخبير البريطاني في قضايا التعويم جون بيرس، الذي كان قد أشرف قبل فترة يسيرة على تعويم السفينة "رامبو واريور" التابعة لحركة أنصار البيئة "غرين بيس" والتي كانت المخابرات الفرنسية قد أغرقتها قرب اوكلاند في نيوزيلندا، كان هذا الخبير قد أعلن انه في حال "التايتانيك" يمكن اللجوء الى تقنية الأكياس الكاوتشوكية القابلة للانتفاخ، من أجل دفع الهيكل الى الأعلى بعيداً عن الأعماق التي يستقر فيها. اما الكاتب الاميركي كليف كاسلر، الذي كان وضع كتاباً عنوانه "تعويم التايتانيك" فإنه أدلى الى الصحافة يومها بتصريحات قال فيها ان مهمة تعويم السفينة مهمة مستحيلة، لأن مجرد وجودها على عمق 4000 متر يجعل اخراجها من هناك يتطلب معجزة حقيقية، لا مجرد أدوات تقنية، هذا ناهيك بالمشكلات القضائية التي قد تنجم عن هذا كله.