ترافق الاستفتاء الرئاسي في مصر مع حديث عن "تغيير" أو "تغييرات" يضعها البعض في اطار السياسات، والبعض الآخر في اطار الوجوه. والأمران متلازمان الى حد كبير. وبديهي ان الحديث هو هنا عن التغيير في ما يخص السياسات الداخلية، ولولا وجود حاجة حقيقية وفعلية لمثل هذا التغيير لما كانت القوى السياسية ركزت عليه، ولما كان الرئيس حسني مبارك تطرق اليه مشيراً الى ان لديه أفكاراً، وواعداً بتحرك على هذا الصعيد. بالنسبة الى الاستحقاقات الداخلية لم تُفوَّق القوى السياسية المصرية فرصة إلا عبّرت فيها عن تطلعاتها وطموحاتها، وبالتالي فإن عناصر أي تغيير موجودة على الطاولة في انتظار من يتصدى لها بنية جادة. ويعتقد عموماً ان الرئيس مبارك استطاع، عبر حكوماته المتعاقبة والبرامج التي عملت عليها، ان يحقق نقلة نوعية في الاقتصاد، نقلة لا ينكرها أقطاب المعارضة حتى في معرض ابداء ملاحظاتهم على هذا التفصيل أو ذاك، خصوصاً في ما يتعلق بالخصخصة أو مكافحة الفساد أو ضبط "توحش" الرأسمال وعدم مواكبته سعي الدولة الى تطوير القطاع الخاص من دون ضرب مكتسبات الطبقة الفقيرة وتحت الفقيرة، أو الغائها. ولا شك ان شعور الدولة بأنها باتت ممسكة بالملف الاقتصادي يستدعي البحث الدائم عن التحديث في مختلف القطاعات، خصوصاً تحديث الجهاز الاداري واخراجه من آلية عمله الراهنة ليستطيع بدوره ان يساهم ايجابياً في أي تغيير. وهذا يعني، بالضرورة، ان الوقت حان لمقاربة ملف الاصلاح السياسي الذي كان الرئيس مبارك اهتم به في بدايات ولايته الأولى ثم تركه مفضلاً تركيز الجهد على الاقتصاد. والواقع ان الاولويتين، السياسية والاقتصادية، كانتا متلازمتين ولا تزالان. وبالتالي فإن التصدي مستقبلاً لاصلاحات سياسية سيكون مكملاً للجهد الذي بذل في الاصلاحات الاقتصادية، خصوصاً ان مساحات الوفاق والتوافق متوفرة في مصر بعدما امكن ابقاء جماعات العنف والتطرف بعيدة عن التأثير في مجريات الحياة السياسية. بمعزل عن كل ما يمكن ان يقال في نقد الاستفتاءات، يبقى المحك الرئيسي ان المصريين اقبلوا عموماً على الاستحقاق الانتخابي بأريحية وارتياح. والأساس في الموضوع هو ان يكون هناك قبول شعبي واضح وملموس، حتى لو كانت هناك نماذج اخرى تفضلها دول وشعوب اخرى لاختيار رؤسائها. وكما جرى التعبير عن حاجة الشعب الى دولة مستقرة في مصر، فلا بد أن هناك كثيرين خارج مصر عبّروا، أو يمكن ان يعبروا أيضاً عن حاجة الى "تغيير" مصري يتعلق بمسائل تخص قضايا العالم العربي، نظراً الى العلاقة الخاصة التي تربط مصر بكل عربي أينما كان. ليس مطلوباً تغيير في الوجوه ولا في التوجهات العامة. فالقاهرة بوصلة المصلحة العربية كما انها احدى عاصمتين عربيتين أو ثلاث تعطي ل"الشأن العربي" مفهومه ورموزه ومضمونه وهدفه. وليس مطلوباً أيضاً ان تحمل مصر فوق ما تستطيع، أو ما لا ترغب في حمله، بمعنى انها غير مدعوة لخوض حروب مع الدول العظمى أو غير العظمى. المطلوب ان لا تتردد القاهرة في وضع ثقل هولها لإطلاق مبادرات تعيد الروح الى العمل العربي المشترك، ولحل أزمات عربية - عربية لا تنفك تتفاعل وتسمم اجواء الأمة. صحيح ان مصر لا تستطيع شيئاً وحدها، صحيح ان أحداً لا يدعوها لدور "قيادة" غير راغبة فيه، لكن الأصح ان هناك ملفات عديدة تنتظر مبادرات - تحديداً مبادرات مصرية - وكل تأخير يضعف العرب عموماً ومصر خصوصاً. هذا هو عنوان التغيير الذي يطلبه كثيرون من العرب تعني لهم مصر مقدار ما تعني للمصريين انفسهم.