وصف إعلان قادة الدول الغنية السبع في كولون المانيا في حزيران يونيو الماضي لتخفيف ديون 40 دولة فقيرة في العالم الثالث، بأنه كثير الجعجعة. ولكن الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي ووزراء مال من الدول الغنية السبع يوم السبت الماضي في واشنطن يحمل مؤشرات ايجابية، لأن الأمر تجاوز مبدأ التخفيف والاعفاء من مبلغ 50 بليون دولار - من أصل 200 بليون - ليركز على نقص بليوني دولار يجري أمر توفيرهم إما ببيع جزء من احتياطات صندوق النقد من الذهب، وهو أمر خلافي كان جاهزاً للإقرار في الاجتماع ثم وضع على الرف موقتاً، أو مما تحاول بريطانيا تأمينه من تبرعات مؤسسات غير حكومية، ومن ذلك بليون يورو من فائض مفوضية الشؤون الخارجية والتنمية في الاتحاد الأوروبي الذي لم يصرف من قبل صندوق التنمية الأوروبي. ذهب وزير المال البريطاني غوردن براون ووزيرة الدولة للتنمية الدولية كلير شورت إلى واشنطن يحملان أمل الاستجابة لطلبهما من مفوضي الشؤون الخارجية والتنمية الجديدين كريس باتن وبول نلسون لدفع البليون دولار الذي يمكن أن يثير حماسة الدول الأخرى للتبرع. وكان الاتحاد الأوروبي نشر مقتطفات من الرسالة البريطانية إلى الاتحاد تقول: "إنها فرصة كبرى لأوروبا كي تقوم بمبادرة قيادية في أعظم قضية في هذا العصر"، أي قضية "الدول الفقيرة المثقلة بالديون" وصندوق اغاثتها. قدم وزير المال البريطاني مبادرة مشجعة للشركات الكبرى الخاصة بعرض اعفاء ضريبي لتلك التبرعات، في الوقت الذي حولت فيه الحكومة البريطانية 171 مليون جنيه لصندوق الاغاثة، وستدفع 120 مليون جنيه أخرى عبر الاتحاد الأوروبي إذا قبل اقتراحها بتبرع الاتحاد الأوروبي. على صعيد آخر، خفف "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" من مواقفهما المتشددة الموصوفة بالتقشف بالموافقة على ان تترافق خطوات تخفيف أو اعفاء الديون بسياسات محددة تخفف الفاقة في الدول المعنية. ووجدت هيئات الاغاثة الدولية ان تلك المبادرة هي خطوة مشجعة تحد من المواقف الصارمة للبنك وصندوق النقد. ولهذا اعلن براون تفاؤله بأنه قد لا ينقضي سوى أسابيع كي ترى بعض الدول الفقيرة استفادة من فوائد الخطة الجديدة. ويذكر ان بنك انكلترا المركزي باع 25 طناً من احتياطي الذهب لديه 40.260 دولار للأونصة في 21 الشهر الجاري للمرة الثانية بعد المزاد الأول في تموز يوليو الماضي. ولكن "صندوق النقد الدولي" يفضل بيع بعض احتياطيه من الذهب للبنوك المركزية في العالم الثالث، بسبب انخفاض أسعار الذهب في العالم. وذكر تقرير نشرته هذا الأسبوع واحدة من أكبر الهيئات الخيرية الدولية كريستيان ايد ان شروط الدول الغنية لتخفيف ديون الدول الفقيرة غير اخلاقية وتعطل قدرة الدول الفقيرة على تحقيق ما أقر دولياً لتخفيف الفاقة في العالم. ومما يزيد من مخاطر الديون في تلك الدول هو المخاطر على البيئة التي تعادل ثلاثة أضعاف الديون 612 بليون دولار، وليس باستطاعة العالم الثالث في ظل هذه المديونية المرتفعة تطوير وسائل الانتاج وتحديثها بما يخفف من المخاطر البيئية وارتفاع نسبة غاز الفحم وغيره من المخاطر التي تسهم في ارتفاع حرارة الجو المتزايد سنة بعد سنة. ومن سوء حظ الدول الفقيرة، اقتحام أزمات اقتصادية ومالية اجتماعات الدول السبع والمؤسسات المالية الدولية كأزمة أندونيسيا وتمويل قوات حفظ السلام، وأزمة روسيا وهي الأكبر بين الدول المدينة، في الوقت الذي تفيد تقارير جديدة أن أزمة جنوب شرقي آسيا المالية لم تسر في طريق الانفراج وفق ما جرى الايحاء به في وقت سابق. كما يزيد من تعكير الأجواء الأزمة النقدية في اليابان التي شغلت حيزاً من اجتماع واشنطن. فعلى رغم وجود تفاؤل عام بانحسار الأزمة الاقتصادية العالمية ومؤشراتها المنذرة خلال السنتين الماضيتين، وآمال بإمكان تنشيط خطط تخفيف ديون العالم الثالث التي اتسمت بالبطء خلال السنوات الخمس الماضية، ما تزال المعضلة في أوجها بسبب خلل خطط المؤسسات الدولية المعنية. ومن معوقات وفاء الديون عدم وجود خطط لانشاء مشاريع للمدى الطويل، فاقتصادات تلك الدول ضعيفة وتعتمد على سلعة واحدة، وأسعار السلع تهبط باستمرار تبعاً لشركات التصنيع والخدمات، والمجاعات منتشرة. وهناك اجماع على ضرورة إعادة النظر بخطة تخفيف الديون وبحث عدم التوازن في التجارة الدولية، وزيادة العون واصلاح المؤسسات وارساء سياسات تجارية أكثر عدلاً. * كاتب وصحافي سوري مقيم في بريطانيا