جاءتني دعوة لحضور حفل عرس.. وكعادتي أضع هذه الدعوة وأمثالها على مكتبي في دوسيه يقول عنوانه "مجاملات" وفي النهاية يظل الدوسيه مغلقاً ولا أذهب لحفل العرس.. واكتفى بإرسال باقة من الورد للعروسين، وهكذا أفلت بجلدي من الذهاب. ليس هذا موقفاً عدائياً من الافراح، ولكنه محاولة لحماية أذني اليسري من ضجيج الموسيقى الصاخبة التي تسبب لي الدوار أحيانا في هذه المرة. لم استطع أن أفلت بجلدي. مر عليّ صديق ليصاحبني حتى العرس ويعود بي الى البيت إذا انتهى العرس.. وخجلت ألا أذهب فذهبت مدججاً بسلاح هو قطعتين من الشمع أضعهما في أذني إذا بدأت الموسيقى وانطلقت آلاتها الجهنمية، كان الفرح معقوداً في صالة كبرى في أحد فنادق النجوم الخمسة، وملت على الصديق الذي كان يرافقني وقلت له. - كم يتكلف مثل هذا العرس. قال الصديق: اعتقد نصف أرنب.. وهذا ثمن رخيص.. استغربت الرقم في البداية، ولم أفهم ما الذي يعنيه بنصف أرنب، ثم تذكرت أن المصريين منذ عهد الانفتاح يطلقون على المليون جنيه وصف الأرنب. وهذا يعني أن نصف الأرنب هو نصف مليون جنيه. قلت لصديقي هذا فعلاً ثمن رخيص، وسألني هل تسخر ولكنني اكتفيت بالابتسام في وجهه. جلسنا على إحدى موائد الفرح وبدأت أتأمل الناس حولي. الرجال والنساء والاطفال. كان الرجال يرتدون افضل ملابسهم، أما النساء فكان واضحاً انهن يرتدين ملابس جديدة اشتريت بمناسبة الفرح، أما الاطفال فكانوا يتواثبون بين الموائد ويلعبون رغم نهر آبائهم لهم وأمرهم بالتزام الوقار. إن امر الاطفال بالتزام الوقار يشبه تماماً أمر القطط بحراسة السمك.. هو أمر لن يطيعه أحد. بعد قليل سمعنا صوت دفوف عالية، وكان الصوت يزداد علواً كلما اقترب منا.. هذه زفة العريس والعروسة. اخيراً وصل الاثنان فجلسا في الكوشة ومن حولهما الزهور والورود، بعدها بدأ توزيع الشربات على المعازيم، وسقت العروس عريسها من الشربات كما سقاها هو، بعد ذلك بدأت طقوس الحفل. كان أهم طقس فيه هو الراقصة الشرقية. لقد وصلت الفرقة الموسيقية واصطفت وراحت تعالج آلاتها ثم دقت الطبول إشارة الى قرب وصول الراقصة، ثم وصلت الراقصة أخيراً وحيت جمهورها وبدأت ترقص. تعلقت بها أنظار الرجال، بينما تعلقت انظار النساء بوجوه الرجال.. واستمر الرقص. فجأة.. دون سابق إنذار أو إعلان، خرجت من أعماق الحفل طفلة لا يزيد عمرها على الثامنة أو السابعة، ورفعت الطفلة يديها إلى أعلى وبدأت ترقص. كان جسدها يميل مع الموسيقى كما تميل اشجار الياسمين مع الرياح، وكانت استجابة جسمها للموسيقى افضل من استجابة الراقصة المحترفة التي كانت ترقص. وبدأت الانظار تتحول من الراقصة المحترفة الى الراقصة الصغيرة، وأحست الراقصة المحترفة أن الراقصة الطفلة قد سرقت منها الكاميرا أو أكلت منها الجو كما نقول في التعابير العامية. ومع الوقت، بدا واضحاً أن الراقصة الصغيرة قد تفوقت على الراقصة الأخرى وسبقتها بمراحل. وحاولت الراقصة المحترفة أن تنهر الطفلة أو تشير إليها لكي تنزل من حلبة الرقص، ولكن محاولاتها ذهبت أدراج الرياح، ظل الجيل الجديد يتحدى الجيل السابق، وبدا الموقف مأساوياً حين انسحب الجيل السابق وأوقف الآلات الموسيقية والعازفين، وهكذا انسحبت الراقصة محتجة، وعادت الراقصة الصغيرة الى مائدتها في الحفل وسط تصفيق الجمهور. سألت: من أين تعلمت البنت الصغيرة هذا الرقص؟ - قال المسؤول: من التلفزيون يا سيدي.. إن كل شيء في التلفزيون يرقص.. الإعلانات والمسلسلات، فلا عجب أن تكون الثمرة هذه الطفلة المعجزة الراقصة.