شارك الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة امس في مهرجانين شعبيين احدهما في الاغواط في الجنوب والثاني في بجاية منطقة القبائل معقل جبهة القوى الاشتراكية التي تتحفظ عن الاستفتاء على قانون الوئام المقرر في 16 ايلول سبتمبر الجاري. وألغى بوتفليقة مهرجانين آخرين، كان من المقرر ان يشارك فيهما الجمعة الماضي في ولايتي باتنة وسطيف شرق. وأكد رئيس الجمهورية امس ان الجزائر مقبلة على عهد جديد، تفي الدولة فيه بكل التزاماتها، بعد طي صفحة "الماضي الأليم". وأعلن ان "التصويت يوم 16 ايلول الجاري لا يعني اطلاقاً ان السلم سيحدث يوم 17 منه. وكرر كلمة "اطلاقاً" ثلاث مرات. ووجه نداء الى المسلحين للالتحاق بالوئام المدني، قائلاً: "بودي أن أوجه نداء الى من ما زال مختبئاً في داره أو الجبل أو الغار لأقول له: نمدّ يد الأخوة والصفح الجميل والتسامح، وجئناك بغصن الزيتون فيجب ألا تقطعه من يد الشعب". وجدد تأكيده "عفا الله عما سلف"، مذكراً بالتفاف العلمانيين والاسلاميين حول السلم. وأعلن انه يرحب بالتحاق أعضاء الجبهة الاسلامية للانقاذ بالسلم. وشدّد اللهجة في حديثه عن جزائر ما بعد 13 كانون الثاني يناير عام 2000 وهو تاريخ المدة المعطاة للمسلحين لتسليم أنفسهم. اذ قال انها ستنقسم الى قسمين: جزائر الشعب وجزائر أعداء الشعب. وكشف انه سيختار "القوة" لمحاربة من يقف في وجه الشعب، بعدما أبدى عزمه على اتخاذ اجراءات لدعم مسعاه في السلم والوئام المدني. ورأى بعض المصادر ان كلامه يشير الى امكان اطلاق الشيخ علي بن حاج، وإلغاء الإقامة الجبرية المفروضة على زعيم "الانقاذ" الشيخ عباسي مدني. وعلى صعيد الإقبال على لجان الإرجاء، أورد مصدر أمني أول من أمس ان 16 عنصراً من "كتيبة الموت" سلموا أنفسهم في عين الدفلى، بينما أعلن رئيس لجنة الارجاء لمحافظة الجزائر الكبرى النائب العام السيد مراد زفير ل"صوت الأحرار" امس ان أربعة مسلحين سلموا أنفسهم في العاصمة، أحدهم من الارهابيين الذين ينشطون في خارج البلاد. كما سلم أحد المسلحين نفسه للجنة الارجاء في ولاية المسيلة. وصرح النائب العام لولاية تيزي وزو امس ان سبعة مسلحين سلموا انفسهم في بومرداس، ومسلحاً واحداً في تيزي وزو. وقالت مصادر قريبة من وزارة العدل ان مئات المواطنين اتصلوا بلجان الإرجاء عبر ولايات الجزائر ال48 للاستفسار عن طرق وأساليب معالجة ملفات الذين يسلمون أنفسهم. وفي هذا الاطار، طُرحت مسألة "الفارين من الخدمة الوطنية والمتابعين الملاحقين في المحاكم العسكرية" وهو سؤال أحالته وزارة العدل على وزارة الدفاع للرد على تساؤلات من تنطبق عليه هذه الحال. على صعيد آخر، انتقد رئيس الحكومة السابق سيد أحمد غزالي مسعى بوتفليقة في تصريح بعنوان "واجب الشهادة" نشر امس في معظم الصحف المحلية باللغتين الفرنسية والعربية. وقال ان الجزائريين ينتظرون من الرئيس اكثر من مجرد تقديم جرد لمشاكلهم. واعتبر ان وصف بوتفليقة ما حدث ب"العنف"، يتناقض مع ما قيل في مناسبات اخرى. وقال ان القول بأن "ما قاموا به هو رد على عنف مزعوم بوقف المسار الانتخابي سنة 1992 يُعد بمثابة رد اعتبار لهؤلاء السياسيين بل وتبرئتهم، واكثر من ذلك محاولة تكريسهم كمدافعين عن الديموقراطية سعياً في نهاية المطاف الى اضفاء شرعية على عملهم الاجرامي ضد الانسانية والاسلام". واستغرب كيف يمد بوتفليقة "البساط الأحمر تحت أقدامهم والتنويه بوطنيتهم والمضي في ذلك الى حد التصريح بمعاملتهم كرؤساء دولة"، معتبراً ذلك "تشويهاً لمبدأ الرحمة" بل هو "خطأ سياسي رهيب". واكد "ان هؤلاء السياسيين ليسوا ضحايا المجتمع ولا هم ضحايا الدولة وهدفهم هو الارهاب وزعزعة الدولة عن طريق اندحار آخر معاقلها وهو المؤسسة العسكرية". واضاف "ان هدفهم هو السلطة كل السلطة". وذهب الى حدّ الطعن في صورة الجزائر، كما يراها بوتفليقة اليوم، قائلاً: "علينا ألا نخطئ التقدير وألا تستغل سذاجة الغير بما يوحي به من ان الجزائر أخذت تستعيد - خلال بضعة اسابيع فقط - مكانتها بين الامم". وشكك مسبقاً في نتيجة الاستفتاء قائلاً: "ولما كانت نتيجة الاستفتاء لا يرقى إليها شك ولا يرتاب فيها أحد. فلماذا تكبت الأصوات المخالفة للخطاب الرسمي؟". واختتم تصريحه الذي احتل الصفحات الأولى في الصحف المستقلة، وجاء في شكل مقال يضم 7 نقاط، بالإعراب عن خشيته من "ان تكون الغاية من هذه العملية المنافية أساساً للديموقراطية هي محو آثار انتخاب نيسان ابريل الذي قد يكون أكثر هشاشة وأقل جماعية مما سبق الإعلان عنه". واعتبر ان المراد من الاستفتاء هو توجيه رسالة الى من "يعنيه الأمر انه غير مدين لأحد بأي شكل". واعتبر "هذا التصريح" بمثابة رسالة موجهة الى الرأي العام من جناح في المؤسسة العسكرية يعارض بعض سياسات رئيس الجمهورية. في أي حال، تصب هذه الرسالة في ان تصريحات قيادات في جبهة القوى الاشتراكية تعتبر "الاستفتاء إمضاء شيك على بياض لبوتفليقة"، بحسب ما قال رئيس كتلتها في البرلمان السيد مصطفى بوهادف في قاعة افريقيا في الجزائر يوم الجمعة الماضي.