أكد البطريرك روفائيل بيداويد بطريرك بابل لطائفة الكلدان في العالم، ان قداسة البابا يوحنا بولس الثاني مصر على القيام بالرحلة التي سماها رحلة "أبي الأنبياء ابراهيم عليه السلام"، ابتداء من مدينة أور التاريخية في محافظة ذي قار جنوبالعراق، حيث ولد النبي ابراهيم. وهي رحلة يفترض ان تشمل عدداً من الدول الأخرى مر بها في طريقه الى فلسطين حيث استقر. وستكون زيارة البابا بمناسبة نهاية الألفية الثانية، وعلى عتبة دخول الألف الثالث للميلاد. وأوضح البطريرك بيداويد ان هذه الرحلة ستبدأ ما بين الثاني والخامس من كانون الأول ديسمبر المقبل. وقد أعلن رسمياً مشروعها، حيث ستهبط طائرته التي تغادر روما في العاصمة العراقيةبغداد، وهذا يعني لقاء رسمياً مع رئيس الدولة العراقية صدام حسين، الأمر الذي لا تحبذه الولاياتالمتحدة ومن ورائها قوى المعارضة العراقية. ومن بغداد سيتجه بطائرة الهيليكوبتر الى مدينة ذي قار حيث زيارته الى اطلال أور التاريخية، ومن بعدها الى جبل سيناء في مصر، ثم بيت لحم والناصرة. وذكرت صحيفة "المراقب الروماني" الناطقة باسم الفاتيكان أن الحاضرة ارسلت وفوداً لترتيب أوضاع الزيارة المرتقبة الى كل من بغداد والقاهرة وغزة وتل ابيب. والسؤال المطروح حالياً، على رغم اعتراضات اميركا وبعض الدول الغربية، هو: هل بامكان بابا الفاتيكان تحقيق مثل هذه الزيارة؟ فالرجل منهك القوى، ومريض ومثخن بالجراح، وكل الأنباء الواردة يومياً من حاضرة الفاتيكان لا تبشر بالخير الكثير، لأن صحة كارلو ويتيلا اسمه الأصلي تعتل كل يوم، في ظل دستور يمنع الاستقالة أو الاقالة للبابا. والبابا الحالي هو، في الواقع، اول بابا يتبع، انطلاقا من تجربته البولندية، سياسة الظهور امام الجماهير أينما حل ورحل، فضلا عن انه أول بابا غير ايطالي منذ اكثر من 450 سنة، وأول من دخل الى كنيسة بروتستانتية بين الباباوات، وأول من كان عاملاً في مصنع قبل ترسيمه كاهناً، وأول من اخترق الرصاص جسده في أول عملية اغتيال يتعرض لها بابا. وقد بدأت تتردى صحته مباشرة بعد محاولة اغتياله في 13 أيار مايو 1981 حين اطلق عليه التركي محمد علي اقجا من جماعة "الذئاب الرمادية" التركية اليمينية المتطرفة، ثلاث رصاصات وهو يمر في سيارة مكشوفة بين الجماهير التي كانت محتشدة في ميدان القديس بطرس، إحداها اخترقت بطنه ومزقت امعاءه الغليظة ومرت بالقرب من عموده الفقري، لكنه نجا من الموت بعد عملية جراحية معقّدة. ومؤخراً ظهرت اعتراضات واحتجاجات رافقها وجود وفد اميركي يفاوض في الفاتيكان من أجل حمل البابا على العدول عن تحقيق رحلته الى العراق. والحال ان بابا روما جعل من نفسه زعيماً سياسياً يحمل نظرية كونية على عتبة قرن شهد انهيار اغلب النظريات الكونية. والبابا لا يكتفي بادانة امراض المجتمع الغربي، بل ينتقل الى المطالبة بالتمرد على القوانين المدنية التي وضعتها الدول والحكومات الاوروبية التي خاضت معارك مهمة في الماضي من أجل فصل الدين عن الدولة وفرض قوانين دنيوية تجعل الانسان سيد نفسه وحراً في خيارته. وفي عهده جرى تشديد الانضباط في الأنظمة الرهبانية، ووجد المحافظون وتيارهم المتشدد طريقهم مفتوحاً الى أعلى المناصب الكنسية. ورأى العديد من القوى اليسارية الايطالية أن العودة الى الماضي بذريعة إحداث "انبعاث ديني"، انما هي عودة سياسية في المقام الأول، لأنها اقترنت بتدخل الدوائر الدينية اليمينية تدخلاً نشيطاً في شؤون الدولة، كما يتضح على سبيل المثال من الصراع الدائر حتى يومنا هذا بين الدولة والكنيسة للسيطرة على نظام التعليم، ومنح المدارس الخاصة ذات التوجه الديني كل امتيازات المدارس العامة. وقد تحدى البابا من خلال رسائله الدينية التي أصدرها خلال ال20 سنة من حكمه، المجتمعات الديموقراطية الغربية والثقافة الحديثة حول المسائل المصيرية، مثل الحياة والموت، وتوسيع دائرة الحوار والتأثير في عمق المجتمع المدني الذي يقوم بشكل اساسي على الثقافة العلمانية. وعلى هذه الشرائح العريضة يطرح سيد الكنيسة الكاثوليكية "قيمة ومطلقية الحياة الانسانية" التي تتعدى اوساط المؤمنين. وعربياً، ندد الحبر الأعظم أكثر من مرة بالخيارات السياسية المحفوفة بالمخاطر في القدس، والتي تهدد السلام في الشرق الأوسط في اشارة الى المستعمرات اليهودية هناك، وقام بمساعٍ كبيرة من أجل الحوار الفلسطيني - الاسرائيلي، إلا انه أقام في 1993 علاقات ديبلوماسية، ولأول مرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، مع حكومة تل ابيب. وقدم الفاتيكان أكثر من اعتذار الى اليهود، كما أصدر وثيقة تتألف من 14 صفحة معنونة "نحن نتذكر… تأمل في المحرقة" توضح "عدم تورط الكنيسة الكاثوليكية في مأساة قتل ملايين اليهود"، وهي المجزرة التي "كانت وليدة الايديولوجية النازية، حيث وجدت معاداة السامية جذورها بعيداً عن المسيحية". واعتذر الفاتيكان رسمياً عن عدم القيام بما يكفي لحماية اليهود من الاضطهاد النازي، لكنه دافع عن البابا بيوس الثاني عشر في وجه اتهامات ضده من قبل الاسرائيليين بالتغاضي عن المحرقة. وقبل هذه الوثيقة سبق للبابا ان أصدر وثيقة عام 1985 تتعلق بتعاليم الكنيسة الكاثوليكية المتعلقة باليهود واليهودية، تم الحديث فيها عن تبرئة اليهود من دم المسيح، من أجل نزع كل ما يؤدي الى تكوين وعي معاد لليهود داخل الكنيسة، وقد عارض العديد من المسيحيين العرب التبرئة لأنها، في اعتقادهم، عمل سياسي من حيث الظرف الذي صدرت فيه هذه الوثيقة، او من حيث استغلالها بعد هذا الصدور لاسباغ شرعية على الصهيونية واسرائيل. وكان الفاتيكان، منذ 1967، قد أعلن معارضته احتلال القوات الاسرائيلية للاراضي العربية بما في ذلك القدس، مطالبا بانسحابها من هذه المناطق، وبوضع حد لمأساة الفلسطينيين من مسيحيين ومسلمين، وبحقهم في وطن يعيشون فيه بسلام، في الوقت الذي شجب فيه اللجوء الى الحروب، داعياً الى مفاوضات مباشرة بين أطراف الصراع ومعتبراً منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. وبالنسبة الى العراق، موضوع المشكلة الراهنة، عارض البابا ضربه في حرب الخليج وندد بسياسات الولاياتالمتحدة، وطالب أكثر من مرة برفع الحظر الاقتصادي عنه، كما أعلن تضامنه في أكثر من مناسبة مع معاناة الشعب العراقي. وبعد ذاك عارض الحرب التي شنها الحلف الأطلسي في يوغسلافيا ودعا الى اجراء مفاوضات لحل مشكلة كوسوفو، واصفاً سياسة الولاياتالمتحدة ب"عناد الشيطان" لعدم استجابتها دعواته بوقف الحرب.