"لقد أعطيت الفرصة لرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك اقليمياً ودولياً ليعرض على الملأ مبادرة سياسية تاريخية مباشرة بعد انتخابه خاصة به تتساوى بمضمونها مع مستوى المبادرة التي اتخذها الرئيس المصري الراحل انور السادات، او رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين، عندما اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ووقع اتفاق اوسلو، ولكن يبدو واضحاً، حسب تسلسل الأمور، انه اضاع تلك الفرصة، ويمكن ان تكون هذه المبادرة غير قائمة، او لا يدري بها احد، حتى من اقرب المقربين اليه". هذا ما يقوله زئيف شيف المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" معبراً عن خيبته من عدم استطاعة باراك التحليق بمبادراته وخطواته السياسية الاخيرة على المسارين الفلسطيني والسوري. وثمة شعور عام في الجانب الفلسطيني بأن باراك يريد الغاء الاتفاقات التي وقعت ابان فترة نتانياهو، ويقول النائب العربي في الكنيست احمد الطيبي الذي شغل منصب مستشار للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قبل انتخابه نائباً في البرلمان الاسرائيلي: "لقد بات من المؤكد ان باراك يريد البدء في محادثات الحل النهائي من دون تنفيذ استحقاقات واي ريفر" بمعنى انه مصر على فرض اقتراحاته على الجانب الفلسطيني على ان تستمر مدة تنفيذ اعادة الانتشار حتى منتصف ايار مايو 2000 وهذا ما يعارضه الفلسطينيون وبالتالي يشكل نقطة خلاف محورية بين الجانبين، ومن هنا جاءت رسائل التطمين الاميركية. ومن ثم اندرجت زيارة يوسي بيلين الى واشنطن لاقناع الادارة الاميركية بقبول اقتراحات باراك على المسار الفلسطيني". اما المعلق السياسي لصحيفة "معاريف" حيمي شليف فيقول: "بعد استثناء عدد من الوزراء الاسرائيليين من صنع القرار وابعادهم عن الطاقم الأمني والسياسي ذهب بيلين بمبادرته منه الى واشنطن لاقناع اولبرايت بأن توافق على جدول اعمال باراك السياسي مع الفلسطينيين وباعطاء اولوية للمسار السوري التفاوضي أملاً بأن ينخرط في مسيرة تفاوضية مستقبلية". اما عكيفا الدار المحرر الديبلوماسي لصحيفة "هآرتس" فيقول: "ان دنيس روس يؤيد تنفيذ اتفاق واي ريفر كاملاً ولكن مارتن انديك مساعد وزير الخارجية الاميركية يؤيد السير في المسار السوري كي يحقق لنفسه بعض الانجازات التفاوضية، ويمكن تلخيص موقف الاميركيين بأنهم، ما عدا انديك، غير آبهين الآن بالمسار السوري. وتؤكد المصادر الاسرائيلية انه لا يوجد اي تحرك تفاوضي سري او علني بين الجانبين السوري والاسرائيلي، نظراً لاصرار الحكومة الاسرائيلية على مفاوضات علنية ومباشرة وعلى تنازل الجانب السوري عن مطالبته بالانسحاب الى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967 وبالمقابل تصلب الموقف السوري واصراره على البدء في محادثات رسمية مع الجانب الاسرائيلي من النقطة التي توقفت عندها المفاوضات عام 1996. وكان باراك قال في خطاب امام مجلس الأمن القومي في تل ابيب الاسبوع الماضي انه "لا يوجد احترام او رحمة للضعفاء في الشرق الاوسط ولذا فان الجانب العربي هو الملزم بتقديم التنازلات وليس اسرائيل". ويستطرد عكيفا الدار قائلاً ان "باراك لا يؤمن بالصلح الحقيقي، وهو يؤمن بأن العرب يريدون خداعه، ومن هذا المنطلق يمكنك ان تلاحظ العسكريين الذين يحيطون به وما قاله في الماضي من انه لو كان فلسطينياً لانضم الى صفوف حركة حماس"، على عكس شمعون بيريز الذي اقصي عن العديد من الصلاحيات ضمن وزارة التعاون الاقليمي مع العالم العربي والذي يؤمن بأنه يمكن التوصل الى تسوية سياسية عادلة ومنصفة مع العرب بشرط ان تطبق اسرائيل كل التزاماتها الموقعة مع الفلسطينيين انطلاقاً من اقتناعه بأن الوقت لا يعمل لمصلحة اسرائيل. اما باراك فيؤمن بأن الوقت لمصلحته، ويؤمن ايضاً بأن على العسكريين ان يدعوا الحروب تنهي نتائجها اذا لم تنهى نتائجها فإن الطرف الضعيف اي العرب حسب رؤية باراك سيتمرد على نتائج خسارته ولا يقبل بميزان القوى الجديد الذي افرزته هذه الحرب، وهذا هو في حقيقة الامر ما يتخوف منه باراك.