لم يكن اعلان وزارة الدفاع الاميركية عن بيع اسرائيل 50 مقاتلة ف -16 قيمتها 5،4 بليون دولار، كذلك 42 صاروخ جو/ جو طراز امرام قيمتها 18 مليون دولار، اثناء زيارة ايهود باراك الاخيرة الى واشنطن، وليد ديبلوماسية نشطة لرئيس وزراء اسرائيل، بل كان امراً متفقاً عليه بين الحكومتين منذ منتصف التسعينات، وفي إطار خطة لتطوير السلاح الجوي الاسرائيلي حتى عام 2010. وإن كان المغزى السياسي لإعلان هذه الصفقة اثناء زيارة باراك لواشنطن ليس بخافٍ على احد، من حيث ما تشكله من دعم سياسي اميركي لحكومته، وتفعيل استراتيجية الردع ضد الدول العربية اثناء المفاوضات المقبلة، وضد ايران وتطور ترسانتها من الصواريخ البالستية، هذا الى جانب ما تحمله هذه الصفقة من رسالة الى دول المنطقة. طلب باراك من واشنطن ومن قائد سلاحه الجوي ومدير عام وزارة الدفاع، تأجيل الاعلان عن الصفقة حتى تتم زيارته. دار في اسرائيل في الاوساط العسكرية وبعض الصحف، جدال على المفاضلة بين المقاتلة ف - 16 او ف - 15 وأيهما انسب خلال العقد المقبل؟ وذكر بعض الخبراء هناك ان الامر لا يتعلق بالطائرة بقدر تعلقه بالاهداف الجديدة التي سيتعين على السلاح الجوي النهوض بها مستقبلاً في اطار المتغيرات السياسية والاستراتيجية ودائرة المجال الحيوي لإسرائيل التي باتت لا تقتصر على المنطقة العربية، بل امتدت شرقاً الى ايران وباكستان، وغرباً الى الساحل الافريقي على الاطلسي، وشمالاً الى جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية، وجنوباً الى المدخل الجنوبي للبحر الاحمر. فاتساع المجال انعكس على استراتيجية السلاح، خصوصا في ما يتعلق بالمدى الجوي. والسؤال هل الجيش الاسرائيلي يعتمد على طائرات تتمتع بمدى عمل بعيد، ام هناك اعتبارات اخرى مهمة ايضا، مثل القدرة على حمل كمية اكبر من الذخيرة الجوية المتنوعة صواريخ جو/جو، ، جو/ارض، جو/ سطح، وقنابل موجهة وحرة التي تتفوق فيها المقاتلة ف - 15 بخاصة الطراز E الذي حصلت منه اسرائيل في العام 1994 على 25 طائرة. ويتميز هذا الصنف من المقاتلات بقدرته على المكوث لوقت أطول فوق الهدف وهو امر منح اسرائيل مزايا كبيرة في الجو وقوة ردع هائلة. وبذلت اسرائيل جهوداً جبارة حتى لا تباع هذه الطائرة لمصر. وحذر مؤيدو الحصول على المقاتلة ف - 15 من احتمال توقف الولاياتالمتحدة عن انتاجها، وهو ما سيشكل صعوبة لاستمرار عملها مستقبلاً. ويفضل مؤيدو المقاتلة ف - 16 الحصول عليها بسبب طول مدى عملها، اذ كانت اسرائيل في حرب 1973 تكتفي بمدى 500- 700 كم. اما الآن فهي في حاجة الى مدى يتراوح ما بين 1600- 2000 كم لتغطية اجواء العراقوايران، وهو ما توفره المقاتلة ف - 16. وهناك ميزة اخرى وهي رخص ثمن هذه المقاتلة مقارنة بارتفاع ثمن الف -15. ففي حدود الموازنة تشتري اسرائيل عدداً محدوداً من المقاتلة ف - 15، في حين يمكنها بالمبلغ نفسه شراء اعداد اكثر من المقاتلة ف - 16، لا سميا حيال التعامل مع الصواريخ ارض / ارض العربية وشبكات الصواريخ ارض / جو، او حين يفرض على اسرائيل القتال على اكثر من جبهة في وقت واحد. الى هذه الخصائص والقدرات يضع مسؤولو السلاح الجوي الاسرائيلي معايير اخرى، ابرزها اهمية استبدال طائرات القتال المتقادمة سكاي هوك، كفير، فانتوم بطائرات اخرى حديثة، بالاضافة الى طائرات اخرى يستوجب الامر الحصول عليها، مثل طائرات الامداد بالوقود في الجو، وطائرات الاستطلاع والانذار المبكر والقيادة والسيطرة الى جانب المروحيات الهجومية والاقتحامية، وغيرها مما يتطلب موارد مالية ضخمة غير متاحة لإسرائيل. ناهيك عن قدرة السلاح الجوي الاسرائيلي على تدبير القوة البشرية اللازمة له من أعداد الطيارين وأطقم الخدمة الارضية في مجالات الصيانة والاصلاح وتشغيل القواعد والطائرات والعمل على الرادارات وأنظمة الاتصال والتزويد بالوقود، وكلها اعتبارات مهمة تحدد في النهاية عدد اسراب الطائرات من كل الأنواع. وتوصل قادة السلاح الجوي الاسرائيلي الى قناعة أنه ينبغي الدمج بين المقاتلتين ف - 16، ف - 15، باعتبارهما عماد القوات الجوية في العقد المقبل، على ان تكون النسبة 2 : 1 لمصلحة ف - 16، بخاصة الطراز الحديث منها بعد ثلاث سنوات، ويأمل هؤلاء القادة في أن يحصلوا منها على 110 طائرات بحلول عام 2008. وأخيراً ماذا يعني حصول اسرائيل على الصاروخ امرام؟ يملك سلاح الجو على تشكيلة متنوعة وحديثة من الذخائر الجوية تشمل صواريخ جو/ جو سبارو، سايد وندر، شفرير، بايثون 3،4، وصواريخ جو/ ارض بوب اي، دول اي، مافريدّك، شرايك، هارم، ايه. جي. ام. دليلة آي. ر، اضافة الى صواريخ مضادة للدبابات تطلق من المروحيات الهجومية هيل فاير، تاو كذلك صواريخ مضادة للسفن جبرائيل، الى جانب مجموعة من القنابل العنقودية والارتجاجية. الى هذه التشكيلة حرص سلاح الجو الاسرائيلي ايضا على امتلاك احدث ما في الترسانة الاميركية من صواريخ جو/ جو، وهو الصاروخ امرام الذي أسقطت به المقاتلات الاميركية ف -16، ف - 15 حوالي 12 مقاتلة يوغوسلافية طراز ميغ - 29 في حرب البلقان الاخيرة. وأصرت قيادة السلاح على الحصول على احدث طراز من هذا الصاروخ وهو Aim- 12OA، وليس الطراز الأقدم AIM-7 اذ يتميز الجديد بمحرك دفع اقوى ورادار حساس مركب في رأس الصاروخ، ما زاد مداه الى اكثر من 90 كم لا يقل عن 50 ميل. الصاروخ امرام من انتاج مشترك بين شركتي هيوز وريشيون، طوله 12 قدماً، وعرض الجناح 1،2 قدم، وقطره 6.0 قدم، ووزنه يصل الى 345 رطلاً. ويعمل في المرحلة الاولى من لحظة اطلاقه من الطائرة، وفي المرحلة المتوسطة يعمل بواسطة القصور الذاتي، وفي المرحلة النهائية بواسطة الرادار الايجابي المثبت في رأس الصاروخ. ويمكن تسليح المقاتلات ف 14، ف15، ف 16 بهذا الصاروخ. وتسليح المقاتلات الاسرائيلية بهذه الصواريخ يساعدها على تدمير طائرات الخصم وهي في لحظة اقلاعها من مطاراتها فور اكتشافها بواسطة طائرات الاستطلاع والانذار المبكر E2C التي تملك منها اسرائيل 4 طائرات. وهذا يعني ان المقاتلات العربية لن تتاح لها في المستقبل فرصة الدخول في قتال جوي مع المقاتلات الاسرائيلية. وسبق في غزو لبنان 1982 ان اسقطت المقاتلات الاسرائيلية حوالي 80 مقاتلة سورية بهذا الاسلوب بواسطة صواريخ سبارو جو/ جو الاميركية. * لواء ركن متقاعد، خبير استراتيجي مصري.