على منوال مطالبة لبنانية بقضاء مستقل لا يتولاها القضاة أنفسهم، ولا يرغبون فيها" وعلى غرار حملة في سبيل الإنتخابات البلدية يقوم بها من لا علاقات ولا علائق بلدية لهم" وعلى نحو "حركة عمالية" تقتصر على "كوادر" من الحزبيين والمتعلمين الصادرين عن وعي علمي لا قِبَل للعمال إلا باستيراده من خارج - يتولى بعض الناشطين من طلاب جامعيين وغير طلاب الدعوة إلى إقرار الحق في الاقتراع لمن بلغوا الثامنة عشرة. فبعض من يحملون عرائض تدعو إلى سن قانون الإقتراع هذا بلغوا هذه السن منذ أعوام، قليلة أو كثيرة. وما يتشاركون فيه من غير لبس، إلى تخطيهم السن التي يتكلمون بلسان أصحابها، هو انخراطهم في منظمات سياسية تنتسب إلى "العلمانية"، وإلى "وطنية" فوق الطوائف والعصبيات الطائفية" يستعجلون، منذ عقود كثيرة، تصدرَها معايير العمل السياسي والاختيار الانتخابي، ولا يدرون ما يصنعون كي تتبوأ وطنيتهم هذه المكانة. ويجادل دعاة الثامنة عشرة سناً للإقتراع، والرشد السياسي، عن أصحاب هذه السن. فيقول المعتدلون من الدعاة إن الرشد الحقوقي المدني والإجتماعي لا ينتظر الواحدة والعشرين أو الثانية والعشرين. فيحق لمن بلغ الثامنة عشرة توقيع العقود التجارية والمالية، وتقبل منه عقود الأحوال الشخصية. فلا مسوغ، والحال هذه، أن يطعن في اختياره من يندبه إلى الفصل في القضايا العامة والمشتركة والمناقشة على الملأ. أما غلاة الدعاة من "العلمانيين" فلا يقتصر احتجاجهم على مساواة الحق السياسي بالحق المدني. فيذهبون إلى صبغ سن الثامنة عشرة بصبغة الفضائل السياسية الناصعة، على نحو ما يرونها ويرغبون فيها، فتنقلب سن الثامنة عشرة، مقتصرة على نفسها ومن غير إضافة صفة إليها، إلى السبب في التحرر من الارتهان "للبيك وصاحب النفوذ اللذين يؤمنان العمل ولقمة العيش" السيد نجاح واكيم، النائب "الناصري" في المجلس النيابي، وزعيم "حزب الشعب" الطالبي. و"ترفد" سن الثامنة عشرة "القرار الوطني بالدم الجديد" السيدة نضال الأشقر، الناشطة "القومية - الإجتماعية"، والمسرحية. ويجمع غلاة الدعاة هؤلاء على براءة هذه السن من الأهواء الطائفية والعصبية، ونازعها التلقائي إلى الأفق "الوطني"، وإلى اعتبار العوامل الحقيقية في الدولة والمجتمع، مثل "حرية العمل النقابي وحرية الاختيار وحق المواطن في تأمين المدرسة والطبابة" السيد واكيم نفسه، وحدها، وترك "الإنتماء الطائفي" الكاذب و"حريات القتل على الهوية التي حماها النظام اللبناني" المصدر نفسه. وتخالف صورة الشبان والشابات في هذه السن، في مرآة الدعاة، ما اختبره اللبنانيون منهم ومنهن في أثناء ربع القرن الأخير، حرباً وسلماً. فكثرة من الذين قاتلوا، وهجروا المدارس والبيوت والعمل إلى السلاح والحواجز والمتاريس والدوريات ونوبات الحراسة والرصد والقنص، كانوا من الشبان والشابات دون العشرين أو بعدها بقليل. وعندما كبر هؤلاء، أي من بقي منهم على قيد الحياة، وانصرفوا عن الهوى "الوطني" المميت والقاتل، خلفهم من هم أصغر منهم سناً، وبلغ، أو لم يبلغ بعد، الثامنة عشرة. وكان "الدم الجديد" الذي رفد "القوات اللبنانية" و"حزب الله"، ولم تبخل به المنظمتان، سُلَّمهما إلى الصدارة العسكرية والسياسية في معسكريهما، ثم في لبنان المتصدع. والذين كانوا في نحو العشرين من العمر في العقد ونصف العقد بين 1975 و1990، ولدوا بين عام 1955 وعام 1970. وفي الأثناء هذه لم يعدموا تعرف معالم حياة مختلطة، ولا التردد على مرافق يتشارك في التردد عليه مواطنون من طوائف متفرقة. وجردت الحروب المتعاقبة، وهي التي أقبل عليها "الناصريون" من "إخوة" السيد واكيم و"القوميون - الإجتماعيون" من "رفقاء" السيدة الأشقر مستبشرين فرحين وفتياناً، جردت من بلغوا لتوهم الثامنة عشرة من معظم مرافق الإختلاط والشركة، وعرتهم من اختبار الأمرين. والحق أن أنصار نادي الحكمة لكرة السلة، وأنصار ناديي النجمة والأنصار لكرة القدم، وجماهير هذه النوادي - وهي مثار ملامة "الوطنيين" وأسفهم ومطاعنهم على "النظام اللبناني" - هم، مولداً وسنّاً، أبناء العقد الأول من عمر الحروب "الوطنية"، وثقافتهم وانقساماتهم هي الثقافة والإنقسامات التي أنبتتها تربة العقد المجيد هذا. وفي غضون هذا العقد، والعقد الذي يليه، كف "الوطنيون"، الحزبيون والمقاتلون، يد "النظام اللبناني" عن الفعل والتأثير في تنشئة الشبان والشابات، وتولوا هم، من طريق منظماتهم وتدبيرهم الحكيم والعميق شؤون الحياة العامة والحياة الخاصة في ولاياتهم وديارهم ومرابعهم، التنشئة "الوطنية" و"القومية". فكانت المثالاتُ الخلقية والمعنوية والأدبية والسياسية والبطولية هم، وكانت أفعالَهم وحركاتهم وسكناتهم وأيامهم ووقائعهم. ويغضي "الوطنيون"، من دعاة الإقتراع في سن الثامنة عشرة وربما في سن السادسة عشرة، يغضون عن المقارنة بين حال العنف والتعسف والخروج على الأعراف الأهلية وعلى القوانين في عهدهم وظل ولايتهم وإدارتهم، وبين حالها في عهد "النظام اللبناني الطوائفي". فهذه المقارنة ترجح كفة "النظام اللبناني الطوائفي" على كفة الفوضى "الوطنية" والعروبية "التقدمية" و"الشعبية" بما لا يقاس. والسبب في الترجيح هذا جلي ومفهوم: فعلى حين يقر النظام اللبناني التقليدي للطوائف المختلفة والمتفرقة - وهي الهيئات الغالبة التي اختارها الأهالي جماعاتهم السياسية وقدموها على غيرها من الهيئات لعلل شتى لا تختصرها الصهيونية ولا مصالح الإستعمار - بحقها في تقييدها بعضها بعضاً، ويحول بين الواحدة منها وبين الإستئثار بالنص على مصلحة الكل والقيام مقام الكل "الوطني" المزعوم، تنزع الفوضى الوطنية العروبية، شأن الفوضى الشعبوية "اللبنانية"، إلى توحيد سياسي قسري بالإكراه. وهي تتوسل إلى توحيدها وإكراهها، بين وسائل أخرى تتوسل بها، ب"الشباب". والحق أن منظمات الشبيبة، الرياضية والعسكرية الحزبية، كانت دوماً أداة طيعة بيد الحمر والسمر، على حد واحد. فالجمع بين دالَّة الأهل في الأسرة وقيودهم على الأولاد وبين "أهل النظام"، من محافظين ومستغلين ورجعيين وخونة، يلقى بعض الآذان المصغية في أوقات إجتماعية مأزومة ومشتبهة. ولكن هذا الجمع يستثمر في تسليط "نظام" حزبي مستبد وأخرق على "الشباب"، وبواسطة القوى المجتمعة من الفتيان والشبان أنفسهم. فإذا هم حُرروا من الطائفية، على مثال تحرير السيد وليد جنبلاط الشبان الدروز، وتحرير السيد نبيه بري والسيد حسن نصرالله الشبان الشيعة، والسيد رفيق الحريري الشبان السنّة، ومن قبلهم تحرير السيد سمير جعجع الشبان المسيحيين - تركوا نهباً للأجهزة الحزبية، الوطنية أو القومية أو الإجتماعية، أو هذه جميعاً. وفي معظم الأحيان يؤدي مديح "الشبيبة" و"الفتوة"، ونسبة فضائل عظيمة ناجمة عن سنها إليها، إلى استعمالها وقوداً في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل. ويعاود اليوم بعض دعاة حروب الأمس، وبعضها مستمر، الدعوة إلى الحروب نفسها، ويحتجون لدعوتهم بالحجج نفسها، ويعدون وعوداً كذبتها انتصاراتهم، ويكذبها النظام الذي أرسوه، هم ووليهم، ولا يفتأون يتنصلون منه، على القتل والخيبة والقسر. * كاتب لبناني.