تشتهر ولاية كيلانتان في ماليزيا بحصتها الوفيرة من النساء الجميلات. ولمح حاكم الولاية داتوك عزيز نيكمات اخيراً الى ضرورة خفض عدد الحسناوات اللاتي يدخلن ميدان العمل. وقال داتوك عزيز ان "الحسناوات ينعمن فعلاً بجمالهن. وينتهي الامر بهن عادةً الى الزواج من رجال اثرياء. يتعيّن علينا تقديم شيء من المساعدة للنساء اللاتي يفتقرن الى الجمال. نمنحهن وظائف كي يستطعن الحصول على المال". لكن رئىس الوزراء الماليزي الدكتور مهاتير محمد انتقد مواقف داتوك عزيز وزعماء آخرين ل"بارتي إسلام" الحزب الاسلامي، وقال امام تجمع لعضوات في ائتلاف "الجبهة الوطنية" الحاكم الذي يتزعمه: "ينبغي ألاّ نلوم النساء الجميلات لان الله هو الذي جعلهن جميلات. هذا ليس ذنبهن". واضاف انه لا يميّز بين النساء. ويسارع السياسيون الماليزيون هذه الايام الى استثمار أي اخطاء او تعليقات طائشة تصدر عن منافسيهم. ويرجع تصاعد الحرب الكلامية الى توقع اجراء انتخابات عامة في غضون سنة، والارجح ان تكون واحدة من اكثر المعارك الانتخابية شراسة في تاريخ ماليزيا. تعود هيمنة "المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة" يو إم إن او على الحياة السياسية في البلاد الى مرحلة ما قبل الاستقلال. وتولت الحكم دائماً بالتحالف مع احزاب أصغر تتركز قاعدتها وسط اقليتين من غير السكان الاصليين، هما الصينيون يؤلفون 30 في المئة من مواطني ماليزيا والهنود. وتتزعم "يو إم إن او" منذ 1971 ائتلافاً يُعرف ب "باريسان ناسيونال" الجبهة الوطنية. وحقق هذا الائتلاف الفوز بفارق كبير في كل الانتخابات العامة، لكن احزاب المعارضة تشعر بأنها تملك هذه المرة فرصة لاجتذاب مؤيدين من قواعد الجبهة. وواجهت حكومة الدكتور مهاتير محمد فترة صعبة خلال السنتين الماضيتين. فقد ألحقت الازمة الاقتصادية الآسيوية أذى شديداً بماليزيا. وانعكس ذلك في تراجع سوق البورصة وتزايد حالات الافلاس وتصاعد البطالة. وفي ايلول سبتمبر 1998، أقال مهاتير نائبه أنور ابراهيم الذي كان مراقبون كثيرون ينظرون اليه بوصفه خليفته المحتمل. وجرت محاكمة ابراهيم بتهمة الفساد وحكم عليه بالسجن ست سنوات عندما دين في نيسان ابريل الماضي، لكن القضية اثارت اهتماماً دولياً. وانتقدت الحكومات الغربية المحاكمة، وأثار آل غور نائب الرئيس الاميركي غضب الموالين لمهاتير عندما عبّر عن انتقاداته علناً أثناء زيارة رسمية الى ماليزيا. وانشأ مؤيدو ابراهيم حزباً جديداً هو "بارتي كيديلان ناسيونال" حزب العدالة الوطني تتزعمه زوجته الدكتورة وان عزيزة وان اسماعيل. وشكل تحالفاً مع حزبين معارضين آخرين لتحدي "الجبهة الوطنية"، لكن هناك علامة استفهام حول مدى قدرة هذه الاحزاب على التعاون. ويسعى "حزب العدالة الوطني" الى تأمين اطلاق ابراهيم، ويتبنى اجندة ذات مسحة اصلاحية. اما "حزب العمل الديموقراطي"، الذي تتألف قاعدته بشكل أساسي من الاقلية الصينية، فهو يدعو الى المساواة بين القوميات المختلفة في ماليزيا والى مجتمع يعتمد معيار القدرة والكفاءة. ويريد الحزب الاسلامي "بي أي إس"، وهو الطرف الثالث في التحالف، ان تصبح ماليزيا دولة اسلامية. ولم يكد التحالف ينشأ حتى بدأ "حزب العمل الديموقراطي" يتحدث عن الهدف المركزي للحزب الاسلامي بوصفه عقبة تعترض إقامة جبهة موحدة. وبادر مهاتير الى شن هجوم على المعارضة، معبّراً عن ازدرائه بتحالف الاحزاب الثلاثة ومشيراً الى انعدام التوافق بين اهدافها البعيدة المدى. وخلال زيارة قام بها الى كيلانتان، ابلغ ناشطين في "الجبهة الوطنية" بأن هدف الجبهة في الولاية في الانتخابات المقبلة سيكون انتزاع السيطرة عليها من الحزب الاسلامي الذي يتولى الحكم هناك منذ 1990. وهو يستمد تفاؤله من الفوز الذي حققته "الجبهة الوطنية" في ولاية صباح شرق ماليزيا في اذار مارس الماضي، وكان اول اختبار انتخابي تخوضه منذ إقالة انور ابراهيم. كما يعتقد مهاتير ان الاقتصاد الماليزي يسير بخطى حثيثة نحو الانتعاش ويرى ان ذلك سيكون لمصلحة حكومته. وترتدي الحملة الانتخابية اشكالاً كثيرة. ففي الوقت الذي تُثار فيه الشؤون المتعلقة بالسياسة، يتركز جل اهتمام الرأي العام في الوقت الحاضر على مساعي السياسيين المتنافسين على التشكيك باستقامة احدهم الآخر. واطلق ابراهيم سلسلة ادعاءات ضد مهاتير، وكان بين آخر ما نُشر منها ان رئيس الوزراء سمح لمؤسسة انتاج الصلب "بيرواجا" التابعة للدولة ان تتجاهل شروط المناقصات وتقدم دفعات مالية "مشكوك فيها" الى "اطراف معينة"، ما أدى الى خسائر مالية كبيرة. ويدعي الحزب الاسلامي ان مهاتير كدّس ثروة خاصة خلال 18 سنة في الحكم. وينفي مهاتير هذه الادعاءات ويقول ان ابراهيم، بحكم كونه وزيراً للمال عندما اُبرمت صفقات "بيرواجا"، كان مطلعاً على ما يجري انفاقه، الاّ انه لم يثر أي اعتراضات في ذلك الحين. وتحدى الحزب الاسلامي ان يقدم أدلة لدعم اتهاماته. ويقوم جناح الشباب في الحزب الحاكم بتنظيم سلسلة رحلات لاعضاء في قواعده الى اماكن مثل بوتراجايا حيث ستقام العاصمة الجديدة للبلاد. ويقول قادته انهم يريدون اطلاع الاعضاء على مشاريع التنمية التي تدعي المعارضة ان الاموال اُهدرت عليها، وذلك لتفنيد اتهاماتها. ويستغل مهاتير أي فرصة تتاح له لمهاجمة المعارضة. وعندما قامت الدكتورة عزيزة، زوجة ابراهيم، بزيارة الى الفيليبين والتقت رئيسها جوزف إيسترادا في ايار مايو الماضي، اعلن غاضباً انه "لا يحق لأحد، سواء إيسترادا او زعماء دول اجنبية، ان يقرروا مستقبل البلاد ... سندافع عن سيادة بلادنا حتى النفس الاخير". ويدعي الحزب الاسلامي ان مهاتير سعى ايضاً الى التلاعب بالمشاعر القومية بتضخيم الاختلافات مع سنغافورة في لحظات مناسبة سياسياً. وتتعرض الجمهورية الجارة في الوقت الحاضر الى انتقادات في الصحافة الماليزية بسبب الازدحام عند معبر "وودلاندز"، وهو الأقدم بين معبرين الى ماليزيا، وكذلك بسبب نية حكومة سنغافورة في تحويل القصر السابق لاحد سلاطين الملايو الى "مركز للتراث الملاييّ"، وهو ما يقتضي إجلاء نزلائه الحاليين. الارجح ان دخول معركة حول قضايا كهذه يناسب الدكتور مهاتير، اذ ان خوض حملة انتخابية على ارضية سياسية سيقتضي منه مراعاة موازنات محرجة. ومن المحتمل ان يمثل الحزب الاسلامي اكبر تحدٍ، فقد ارتفعت عضويته بنسبة تزيد على 40 في المئة في العام الماضي، لتصل الى 700 الف عضو. ويحتاج مهاتير الى التصدي لمساعي هذا الحزب لاستثمار المشاعر الدينية وسط الملاي الذين يشكلون غالبية السكان، وفي الوقت ذاته احباط جهود "حزب العمل الديموقراطي" و "حزب العدالة الوطني" لكسب بعض حلفاء الحزب الحاكم وسط الصينيين غير المسلمين وانصار الاصلاحات بين الملاي. وقد تواجه المعارضة صعوبة في صوغ برنامج ائتلافي مشترك، لكن حملاتها يمكن ان تحقق تكاملاً، ما سيساعدها على نخر قاعدة نفوذ "الجبهة الوطنية". ومع ذلك، لا يزال العصب الاساسي للجبهة قوياً. ويشعر معظم الملاي انهم جنوا مكاسب من حكم "الجبهة الوطنية"، ولا تبدو سياسات الحزب الاسلامي مقنعة بالنسبة لهم، كما لم تهزهم قضية انور ابراهيم. وقد لا يرحب الصينيون بسياسات الحكومة التي تمنح الملاي معاملة تفضيلية مثل تخصيص 55 في المئة لهم كحد أدنى من المقبولين في الجامعات، لكن معظمهم سيفضلون بقاء "الجبهة الوطنية" في الحكم واستمرار سياساتها على ان يمارس الحزب الاسلامي نفوذاً اكبر. وتمثل قدرة مهاتير على تقرير موعد اجراء الانتخابات العامة مصدر قوة سياسياًَ مفيداً. وسيسعى الى استثماره الى اقصى حد باختيار اللحظة التي يعتقد ان المعارضة استنفدت عندها بعض ذخيرتها، وعندما يشعر ان المؤشرات الاقتصادية والمزاج السياسي في ماليزيا يتحركان لمصلحته. * صحافي بريطاني مقيم في سنغافورة