تتجه الأنظار في العالم الملاوي اكثر فأكثر الى ماليزيا حيث يواجه رئىس الوزراء مهاتير محمد انتخابات صعبة كان هو الذي قد دعا اليها في 10 تشرين الثاني نوفمبر الحالي عندما أعلن حل البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة، وقد حددت اللجنة الانتخابية يوم 29 الجاري موعداً لاجراء هذه الانتخابات. وكان في نية رئيس الوزراء من وراء تنظيمها قبل موعدها المقرر العام المقبل استغلال الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده البلاد على يديه رغم أزمة العام الماضي التي عرف مهاتير كيف يتصرف ازاءها فخرجت منها البلاد بأقل الأضرار. وكان في نيته ايضاً ان يتفادى انضمام مجموعة شبابية كبيرة الى جدول الناخبين تضم حوالى نصف مليون ناخب جديد، وهؤلاء الشبان لم يعيشوا طبعاً الظروف الصعبة التي تجاوزتها البلاد بسلام وبنجاح اقتصادي منقطع النظير منذ عقدين من السنين كان مهاتير قد تولى فيها السلطة. ولعل الاختبار الصعب الذي يواجهه رئيس الحكومة الماليزي يعود الى عزله في 1998، نائبه أنور ابراهيم وزير المالية وهو الذي يحظى بسمعة واسعة لدى الاوساط السياسية والمالية، وكان يميل الى تدخل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي في علاج الأزمة المالية التي عصفت بماليزيا وبمثيلاتها في العالم الملاوي بجنوب شرقي آسيا منذ 1997، بينما كان مهاتير يعارض هذا التدخل ويرى ان إثمه اكبر من نفعه وان هذين المؤسستين العالميتين قد جر تدخلهما في بلدان نامية كثيراً من الفوضى والاضطراب اجتماعياً وسياسياً. ومن ثم فإنه عالج الأزمة المالية حسب مبدئه في ضرورة ان تعتمد البلاد على نفسها اولا مع اتخاذ عدة اجراءات تنظيمية اهمها فرض قيود على خروج رأس المال من البلاد، علماً ان الأزمة المالية التي حدثت في الجارة الكبرى اندونيسيا كان من اول اسبابها تسارع خروج رأس المال وتفاقمه، وهو ما جعل الرئيس عبدالرحمن وحيد يطالب، عند اول زيارة رسمية الى سنغافورة، الأندونيسيين من ذوي الأعراق الصينية باعادة 80 بليون دولار كانوا قد اخرجوها من اندونيسيا متسببين في اثارة ازمتها المالية. ومع هذا، ورغم نجاح مهاتير في اخراج ماليزيا من ازمتها بسلام ودون تدخل اجنبي مهيمن، فان اقصاءه لنائبه انور ابراهيم قد عزز صفوف المعارضة التي وجدت فيه مبرراً لتجيع قواها. وفي سياق هذا التعزيز قامت واين عزيزة زوجة انور ابراهيم بتأسيس حزب جديد ينضم الى المعارضة باعتبار ان زوجها ما زال رغم وجوده في السجن، قادراً على تحريك المعارضة، بل هي تعتبره قوتها المحركة! وقد سارع هذا الحزب الجديد الى جمع بقية احزاب المعارضة حول الدعوة لاشراك انور ابراهيم في الانتخابات المبكرة، وهي دعوة ما زالت اللجنة الانتخابية لم تتخذ بشأنها موقفاً. وبإلقاء نظرة سريعة على حياة انور ابراهيم السياسية نجده في البداية طالباً حركياً شديد المراس وراء الاتجاه الاسلامي، وقد قاد في 1974 مظاهرات مناهضة للحكومة الفيديرالية وللائتلاف الحزبي الحاكم كلفه قضاء اشهر في السجن. الا ان نضاليته وشهرته كانتا محل اعجاب رئيس الحكومة مهاتير وهو في نفس الوقت رئيس الحزب الذي يترأس الجبهة الوطنية الائتلاف الحزبي المتركبة التي تضم 14 حزباً، فدعاه في 1982 للانضمام الى حزبه "منظمة الاتحاد الوطني الماليزي"، وقبل ابراهيم هذا العرض واصبح من ابرز الوجوه في الحزب وفي الحكومة وتقلد مناصب وزارية عدة أولها وزير الفلاحة وآخرها وزير المالية، ثم قاد من خلال المؤتمرات السياسية والندوات الثقافية والفكرية حملات ضد الماليزيين من الأعراق غير الملاوية وخاصة الصينيين: اولاً لاستخفافهم باللغة الملاوية وتفضيلهم للانكليزية، وثانياً لنفوذهم المالي القوي يشكلون 35 في المئة من السكان، علماً انهم متهمون بأنهم "يرسلون بلوائح الى اليونسكو يحتجون فيها الى الاعتداء على حقوقهم اللغوية بينما هم أغنى فئة في البلاد"! وقد عرف انور ابراهيم بفصاحته في الخطابة وسلاطة لسانه، وكان يحظى بمكانة سياسية ممتازة ويعتبر الدرع الاسلامي للحكومة التي تعتمد في خطها السياسي والاقتصادي في ذلك العهد على صداقاته في بلدان الشرق الاوسط، حتى انه يقال انه كان على علاقة متينة بكل من الخميني والقذافي، وكان هو الذي هيأ الزيارة الرسمية التي قام بها مهاتير الى ليبيا في كانون الاول ديسمبر 1982. وكانت كل الاوساط سواء في ماليزيا او في العالم الملاوي من الهند الصينية الى الفيليبين مروراً بأندونيسيا حيث كان حبيبي الصديق الحميم لأنور ابراهيم، تعتبره الخليفة الاكيد لرئيس الوزراء مهاتير محمد 73 عاماً. لكن يبدو ان انور ابراهيم قد استعجل هذه الخلافة فاستبقه مهاتير واستخرج له ملفاً من سيرته الشخصية كفيلاً بتبرير محاكمته وسجنه وبالتالي قاصائه. وهو ما حدث فعلاً. ومن وراء القضبان يحاول انور ابراهيم من خلال تحريك المعارضة وعن طريق زوجته التي اثبتت انها ايضا امرأة حركية وتلميذة فطنة لزوجها، ان يفرض وجوده كمحاولة للعودة "المبكرة" الى السطح عن طريق الانتخابات "المبكرة". وهو ما يصعب الآن الجزم به او حتى مجرد التكهن به اعتباراً لما يحظى به رئيس الحكومة من سمعة متألقة لم يؤثر فيها كثيراً طول السنين التي قضاها في الحكم. هذا بالرغم من ان احزاب المعارضة وعلى رأسها الحزب الاسلامي الماليزي تسعى جيداً لرص صفوفها والخروج من الانتخابات بنتيجة مريحة، وان كان هذا المسعى يجري ببرنامج يعسر ان ينافس تجربة مهاتير، لكنه يركز بالخصوص على التشهير باستغلال النفوذ وبما جر ذلك من فساد عساه يجد صدى بين الفئات العمالية والطلابية. وينبغي الملاحظة عند الحديث عن الحزب الاسلامي هنا انه يعتنق اتجاه الاسلام المتفتح، وان الاسلام في ماليزيا لا يكمن حماته في الحركات الاسلامية فقط بل في اعلى مستوى السلطة: انهم سلاطين الدول الثلاث عشرة التي تتركب منها فيديرالية ماليزيا وينضم اليهم ملك البلاد. فالنظام السياسي هو نظام الملوكية - البرلمانية، اذ الملك نفسه ينتخب دورياً من بين سلاطين الفيديرالية. وهو مع السلاطين الحماة، رسمياً، للدين الاسلامي. ولكن هذا لم ينقص من حركية الاحزاب الاسلامية، وأهمها "الحزب الاسلامي لماليزيا". وعلى العموم فموعد الانتخابات المبكرة بات قريباً جداً، وهي فترة قصيرة تمتد فيها الحملة الانتخابية وتتعقد المناورات السياسية بمختلف الأشكال، فيما يبدو وضع مهاتير مريحاً اجمالاً.