تسابق جهود التهدئة والحوار في لبنان، مظاهر التصعيد والتأزم السياسي، بين الحكم والحكومة من جهة والمعارضة برموزها كافة من جهة ثانية، لكن رسو السباق على نتائج واضحة في هذا الاتجاه أو ذاك يتوقف على عامل الوقت، بحسب قول أحد أركان الفريق المحيط برئيس الجمهورية العماد أميل لحود. ويدعو الساعون الى التهدئة الى عدم التشاؤم باستمرار بعض الحملات، والى توقع المزيد من مظاهر الهدوء والحوار في المرحلة المقبلة لان المرحلة تقتضي ذلك على الصعيد الاقليمي، ولأن عدم ضبط الساحة الداخلية اللبنانية يفتح الباب على تأزم سياسي يصعب ضبطه، ويؤدي في حال إنفلاته، الى انعكاس سلبي يضعف لبنان وسورية في مواجهتهما لمفاوضات السلام وللضغوط المختلفة التي يمكن ان يتعرّضا لها عند استئنافها قريباً. ويقول أحد أركان الفريق المحيط بالرئيس لحود ان السبب الذي يدعوهم الى توقع المزيد من التهدئة، ان القيادة السورية تسعى اليها وتطلبها في إلحاح من الجميع من دون استثناء، على قاعدة مسلمتين لديها، الاولى هي دعم العهد وسيده وتأمين مقومات نجاحه والطلب من سائر الحلفاء "اعطاءه فرصة العمل لتطبيق خطته الانقاذية وعدم عرقلة مسيرته". والمسلّمة الثانية هي ان لدى سورية في لبنان حلفاء واصدقاء أساسيين "لا تقبل ان يكونوا مهمشين أو متضررين، ويجب الاستفادة من مواقع البعض منهم فضلاً ان البعض الآخر خط أحمر لديها". ويقود جهود التهدئة والحوار هذه من القيادة السورية قائد جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية في لبنان اللواء الركن غازي كنعان، من وحي رصد القيادة التفصيلي لتطورات الصراعات الداخلية اللبنانية التي اخذت منحى تصعيدياً أنذر بانفلاتها، في الاسابيع الماضية، ومن وحي الزيارة التي قام بها نجل الرئيس السوري العقيد الركن بشار الأسد للرئيس لحود، يرافقه كنعان، الاحد الماضي. ويعاونه في ذلك عدد من الشخصيات السياسية والنيابية اللبنانية الحيادية أو المتعاونة مع رئيس الجمهورية. وفي تقويم أحد أركان فريق لحود المتفائلين بأن تصل الجهود السورية الى نتائج، ان ثمة اداء خاطئاً واستنتاجات متسرّعة لدى المعارضين في تعاطيهم مع لقاءات الحوار للاسباب الآتية: - ان اللقاءين الوحيدين اللذين دار خلالهما حوار، بعد قطيعة طويلة بين كل من لحود ورئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، اعقبتهما في سرعة تسريبات أو مواقف انتقادية للعهد. وهذا ما أغضب رئيس الجمهورية الذي من طبيعته ان يختبر الفريق الآخر اذا كان سيلتزم التهدئة قبل ان يواصل حواره معه. - ان الحريري اعتبر ان حديث الرئيس لحود معه خلال اللقاء الانتقادي لمواقفه ولحملاته على الحكم والحكومة وتجييشه الإعلام ضدهما، دليلاً الى سلبية اللقاء، فيما نحن الذين نعرف شخصية لحود اعتبرنا صراحته في حديثه مع الحريري، نقطة ايجابية ودليلاً الى رغبته في الحوار والمكاشفة، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان لحود أبقى انتقاداته في صدره وخبأ موقفه لنفسه ليتصرف على أساسه. - ان هجوم جنبلاط الاحد الماضي على تصريحات نائب رئيس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر، المخالفة لروحية اتفاق الطائف في ما يتعلق بالصلاحيات، داخل مجلس الوزراء وبالنسبة الى الرئاسة الاولى، تخطى انتقاد الاخير الى هجوم على رئيس الجمهورية، الامر الذي كان له أثر سلبي، خصوصاً بعد لقاء لحود والحريري. ولو اقتصرت انتقادات جنبلاط على ما قاله المر في شأن اتفاق الطائف لما كان تسبب برد فعل مقابل. فرئيس الجمهورية لم يصدر عنه ما يشتمّ منه انه مع تعديل الطائف بل هو متمسّك به. - ان على المعارضين الا يتوقعوا ان يعدل رئيس الجمهورية موقفه حيالهم، في سرعة، أو ان يتغاضى عن حملات ضده كما كان يفعل الرئيس السابق الياس الهراوي. ويجب الاعتياد على اختلاف الطبائع والشخصيات وطريقة التفكير لدى الرؤساء. وهو أمر انساني وطبيعي. - على المعارضين ان يدركوا اننا في بداية عهد، لا في نهايته وألا يتوقعوا ضعفاً منه حيالهم، مثلما يُفترض الا تتحكّم بسلوك الحريري رغبته في العودة الى رئاسة الحكومة، المتعذرة. وفيما يرى الفريق المحيط بلحود ان بعض ما ينجم عن لقاءات الحوار المطلوبة من الجانب السوري يُفسّر في شكل خاطىء، ويشبه باللغة العسكرية عملية حفر الخنادق من دون بناء العبّارات فوقها، فان أحد أركان هذا الفريق يعتقد ان لا أفق سياسياً في هذه المرحلة الا لبناء الجسور ولو في بطء. وتقول مصادر مقرّبة من دمشق واخرى من الفريق الحاكم ل"الحياة" ان مظاهر التهدئة من جانب هذا الفريق، ستظهر شيئاً فشيئاً، بناء على نصيحة سورية. فالوزير المر الذي قامت الضجة على تصريحاته في شأن الصلاحيات، سمع ملاحظات متشددة في هذا الصدد من الجانب السوري. وتفيد المعلومات ان المر سيتّبع سياسة أكثر ليونة في المرحلة المقبلة. وهو قرر مثلاً ان تقتصر استقبالاته للنواب كل ثلثاء، على معالجة المعاملات التي يتقدمون بها اليه، من دون تصوير واعلام وتصريحات لاستقبالاته لهم، كما كان يفعل عادة، ما أثار ردود فعل عند الكثير من المراجع ضد هذه الطريقة في افتعال مرجعية سياسية جديدة ضمن التركيبة الحاكمة. وتتوقع مصادر موالية ان ينعكس تقيد الوزير المر بأصول معينة ايجاباً على الصعيد السياسي وان تقابله المعارضة بايجابية. وفي المقابل، فان مظاهر التوتر السياسي المستمرة ليست بقليلة. منها ما يرتبط بالافرقاء المعنيين بالصراع القائم ومنها ما هو مستقل عنها. ويمكن تعداد بعض من هذه المظاهر كالآتي: - تصريحات وزير الزراعة والاسكان سليمان فرنجية التلفزيونية ليل الخميس الماضي عن ان أداء الحكومة "وسط" داعياً الى تغييرها من اجل حكومة سياسيين تساند الرئيس لحود الذي أكد انه يجمعه به الخط الوطني . وانتقد فرنجية التنصت والاصلاح الاداري وفتح الملفات، وغرفة الشكاوى في القصر الجمهوري منهياً كلامه بانه مرشح الى الرئاسة الأولى بعد الرئيس لحود. لكن كلام فرنجية هذا قوبل بموقف استيعابي من الرئيس لحود الذي اتصل به شاكراً له دعمه للعهد. - اعلان مصادر قريبة من رئيس الجمهورية ان الحملة الاعلامية والسياسية المستمرة من جانب المعارضين هدفها اضعاف صورة لبنان في الخارج. ودعت المصادر الحريري الى خوض الحياة السياسية في شكل طبيعي من تحت قبة البرلمان وليس من يخت في البحر في اشارة الى وجوده في سردينيا التي عاد منها ليل امس. واتّهمت المصادر نفسها المعارضة بانها "لا تملك برنامجاً بديلاً من برنامج الحكومة بمقدار ما تبحث عن ثغرة هنا وخطأ هناك بهدف حملة تشبه نقار الخشب من دون ان يدركوا ان السقف الذي يواجهون هو من حديد وليس من خشب". وكررت اتهام المعارضة بالسعي الى تهريب المستثمرين العرب من لبنان، عبر الحملة تحت شعار الحريات الاعلامية. وهي حملة سقطت خصوصاً ان سجل الحكومات السابقة مليء بالآثار السلبية. لكن رد المصادر شمل ايضاً ما قاله الوزير فرنجية عن ان "القضاء مسيس" من دون ان تسميه، اذ أكدت ان القضاء يلاحق كل الملفات التي أدت الى اهدار المال العام من دون أي تدخل والقانون سيكون فوق الجميع والعهد لا يقبل بأي تسويات على حساب القانون... - ان الوزير أنور الخليل شنّ هجوماً عنيفاً في خطاب اول من امس على الحريري وجنبلاط... راجع نصّه في مكان آخر وعلى رغم مظاهر التوتر هذه، ومع حدتها، فان الساعين الى صيغة للتهدئة، يعتقدون بإمكان التوصل الى نتائج قريبة. وهم ينقلون عن الرئيس لحود قوله للجانب السوري انه مع الحوار واستمرار التواصل مع الافرقاء. ومصادر الحريري تنقل عنه تأكيده انه لا يسعى الى العودة الى رئاسة الحكومة لأن لا مصلحة له في هذه العودة في حسابات الربح والخسارة وانه أبلغ الى الجانب السوري استعداده للتجاوب مع أي مسعى يراه مناسباً. ومصادر جنبلاط تقول ان الرسائل التي تلقاها عن الرغبة السورية في الحوار وتنفيس الاحتقان أدرك أهميتها... لكن السؤال هو كيف يتم ضبط ردود الفعل والردود عليها؟