يقول عدد من السياسيين والوزراء والنواب السابقين الذين أيدوا انتخاب العماد أميل لحود رئىساً للجمهورية ومشوا مع العهد عند انطلاقته وساندوا الحكومة، انهم بدأوا يراجعون مواقفهم ويقوّمون الموقف، استناداً الى تراكم بعض الثغرات في خطوات الحكم والحكومة واجراءاتهما وسياستهما. ويشير هؤلاء الى ان هذه المراجعة، على رغم حداثة تجربة الفريق الحاكم، يجريها ايضاً كبار المسؤولين السوريين الذين أخذوا يراقبون عن قرب خطوات العهد وردود الفعل عليها، من باب الحرص على نجاحه وتوفير كل اسباب قدرته على مواجهة الصعاب التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة، خصوصاً ان شعار التغيير في لبنان وقيادة الرئيس لحود له كان خياراً سورياً في الدرجة الاولى. وتسلك هذه المراجعة من قبل هذا البعض مسارات مختلفة. فهناك من يرى ان ثمة اخطاء يقوم بها العهد، وثمة من يعتقد ان الحكومة ترتكب الاخطاء وهناك فريق ثالث يرى ان المسؤولية تقع على الاثنين معاً. واذا كان البعض بدأ يعتمد سياسة الانتظار بدلاً من التأييد بعد التغيير الذي حصل في رئاسة الحكومة باعتذار الرئيس رفيق الحريري ومجيء الدكتور سليم الحص الى الرئاسة الثالثة، فغالبية الذين عدّلوا من مواقفهم التي تفاوتت بين التأييد واعطاء فرصة للتركيبة الجديدة، يتناقلون إنطباعات كالآتي: 1- ان القرارات الادارية للحكومة أخذت الصالح بالطالح وجرت الى ردود فعل خدمت المعارضين، أو من هم خارج التركيبة الحاكمة. ومع ان بعض اصحاب هذا الرأي يعتبرون ان انتقاد الاعفاءات بقي محصوراً بالمتضررين منها وان الرأي العام بقي معها لانه منحاز الى تطهير الادارة، فان هؤلاء اضطروا الى الانضمام الى منتقدي القرارات الادارية عند حصول التعيينات والتشكيلات الديبلوماسية، فاعتبروا، على رغم ايجابية ترفيع موظفين من الفئة الثانية الى الأولى من الادارة، ان ثمة مناصب لم يحل فيها الرجل المناسب في المكان المناسب، وان مبدأ استبعاد المحاصصة لم يطبّق، بل على العكس شهد توزيعاً للمناصب. ويرى الوزراء السابقون والنواب والسياسيون الذين يراجعون الثغرات، ان سكوتهم في المرحلة السابقة استند الى ان مراعاة ما وصف بالمحاصصة في الإعفاءات لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، كسباً لتأييده، قد يكون مفهوماً، على رغم ارتفاع صوت المعارضين مثل الحريري والنائب وليد جنبلاط ضدّه، لكنه لم يعد مبرراً في التعيينات التي كان أركان العهد أكدوا ان معيارها الكفاية والنزاهة وقاعدة ان لا احد من المسؤولين يريد شيئاً لنفسه. ويقول احد السياسيين ان بعض المحيطين بالعهد أقرّوا ببعض الانتقادات لهذه الناحية، بل ان المراقبة الدؤوبة للمسؤولين السوريين الذين أخذوا على أنفسهم عدم التدخل منعاً لتكرار تجارب سابقة، في صلب الامور الداخلية مثل تشكيل الحكومة والتعيينات والاعفاءات، حتى لا يحملهم أي فريق مسؤولية أي ثغرة، دفعت بهم الى القول ان من المستغرب ان يستأثر البعض بمناصب معينة. وعكس بعض الوزراء جزءاً من هذه الانتقادات حين قالوا بعد الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء "ان تأجيل المزيد من التعيينات يعود الى ملاحظات سمعناها عن التعيينات وان الأفضل التدقيق في الاسماء حتى لا نتعرّض الى المزيد من الانتقادات". بل ان مقرّبين من دمشق نقلوا عن مسؤولين فيها قولهم انهم نصحوا أركان العهد بمزيد من التدقيق تجنباً لمزيد من الانتقاد ونقلوا اليهم ما يحكى عن المحاصصة، ودعوهم الى التروّي في قرارات الاعفاء والوضع في التصرّف للمديرين العامين تلافياً للثغرات واعطاء المعارضة المزيد من الحجج. 2- غياب الحوار والتواصل بين العهد وسائر الافرقاء السياسيين. ويأخذ بعض محبي الرئيس لحود والراغبين في نجاحه عليه ان لا تواصل بينه وبين الافرقاء السياسيين في البلد، وان لا شيء يمنع تواصله مع المعارضين، من موقعه كمسؤول أول يخوّله منصبه ادارة اللعبة السياسية، لا الاكتفاء باتخاذ القرارات الاجرائية مع الحكومة. واذا كان تشكيل الحكومة على قاعدة استبعاد الاحزاب والثوابت مرّ بتأييد المؤيدين، حتى المسؤولين السوريين نظراً الى ان مفاجأة اعتذار الحريري فرضت عدم التوقف كثيراً عند الأمر، فان غياب قوى سياسية رئيسية عنها يحتاج الى تغطية انطلاقتها وقراراتها من قوى سياسية معينة في وجه المعارضين، ما يستدعي تعميق الأخذ والردّ والبحث في مواضيع مهمة مثل قانون الانتخاب، الذي نصحت دمشق بتأجيل البحث فيه، قبل تجميع الافكار في شأنه تجنباً لسلقه في شكل يظهر معه ان ثمة من يفرض شيئاً على أحد. ويأخذ بعض الذين يسجّلون انطباعاتهم عن الثغرات على العهد ارتكازه من جديد بين اعضاء الحكومة، فقط الى نائب رئيس الحكومة وزير الداخلية المهندس ميشال المر الذي كان له حظ العودة الى الحكومة دون سائر الثوابت الذين استُبعدوا، مع الوزير سليمان فرنجية الذي يؤدي دوراً خافتاً بنقيض زميله المر. فالاخير يتصرّف على انه عرّاب العهد والسياسي الوحيد الذي "يطحش" بما ينويه سيّده. ويلاحظ المعترضون ان المر استطاع ان ينال حصة لا بأس بها في التعيينات وان مبادراته تسببت للحكومة بمعارك مع الخصوم هي في غنى عنها. ومع ان بعض المعترضين يدعو الى عدم ظلم المر بتحميله وحده مسؤولية ارتباك ظهر عند الفريق الحاكم، نظراً الى ان زملاء له في الحكومة ارتكبوا بدورهم اخطاء في تصريحاتهم عن السياسة الاقتصادية، فان منتقدي المر يحيلون الموقف الى تناقض تصريحاته ومواقفه مع الحص في ما يتعلق باستعجال الاول طرح عدد من الأمور قبل انضاجها. ويؤكد مقربون من دمشق انها نصحت العهد بالانفتاح على المعارضين، بمن فيهم جنبلاط نظراً الى حرصها عليه كحليف رئيسي وزعيم لا نزاع على وزنه، ونظراً الى انها سمعت من قيادات سياسية حيادية ان ابواب الحوار مقفلة بين العهد وخصومه في شكل لا تحتمله الحياة السياسية اللبنانية، التي من تقاليدها بقاء التواصل بين المتخاصمين، في الحكم وخارجه، اياً تكن الظروف. وفيما أعاد لحود التواصل بالمعنى الاجتماعي مع الحريري اذ هنأه بعيد الفطر، فان بعض محيط الأول التقط رسالة الحوار مع جنبلاط، فزاره قبل اسبوعين ضابط كبير من فريق العهد القريب واجتمع معه ثلاث ساعات في محاولة لاستكشاف إمكانات التواصل. ويقرّ المقربون من لحود بان حملة جنبلاط المعارضة أثّرت سلباً في صورة العهد وان لقاء الضابط الكبير معه هدف الى التخفيف منها. وتطرق اللقاء الى كل اعتراضات جنبلاط العلنية والضمنية من عسكرة النظام، الى التعيينات والاعفاءات والمحاصصة ومواقف بعض الوزراء في الاقتصاد والسياسة الى قانون الانتخاب وموضوع المهجرين، الخ... الا ان هذا اللقاء لم ينعكس في اللعبة السياسية الدائرة انفراجاً، والسبب بحسب بعض المقربين من الزعيم الدرزي، ان ليس لدى العهد استعداد لتقديم أي شيء اليه، كي يعدّل من مواقفه حياله، بل على العكس بقيت المواجهة هي الطاغية على التهدئة بدليل بيانات الحزب التقدمي الاشتراكي المتواصلة. 3- ان انطباع بعض السياسيين الذين يترددون على دمشق، ان التأييد العارم الذي حصل عليه العهد والحكومة، ورفع شعار عدم التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، خصوصاً اثناء وقوع الخلاف بين الرئيس لحود والحريري، لاطلاق يد الأول في انقاذ الموقف، لا يعني ان دمشق تتغاضى عن اخطاء لان الثغرات تضعف التركيبة الحاكمة في شكل قد يضرّ بمصالحها ولم يلتقط العهد الاشارات في هذا الصدد في شكل مبكر. هذه الانطباعات وغيرها دفعت من يراجعون الموقف الى جملة استنتاجات بعضها يغالي في الوصف مثل القول ان العهد "يقترب من ان يشيخ قبل الأوان"، وبعضها أكثر موضوعية كالقول ان استهلاك "فترة السماح" أو الفرصة المعطاة للفريق الحاكم "يتم في سرعة". وينقسم مراجعو الموقف بين من يعتقد ان الحكومة بدأت تتعرّض لمشكلات تضعفها باكراً، فيرمون بالمسؤولية عليها وعلى رئيسها وهذا ما يفعله الحريصون على رئيس الجمهورية، ومن يتحدث عن مسؤولية الرئيس عن كل ذلك اذ لا يجوز تحميل الحص مسؤولية اخطاء الآخرين. وبين الاثنين، بحسب من زاروا دمشق اخيراً، يحرص مسؤولون سوريون كبار يستمعون الى جردة بالصعوبات، على القول ان رئيس الحكومة يبذل ما في وسعه وينصحون بالوقوف الى جنبه نظراً الى انه يتنكب حملاً كبيراً.