لفت مراقبي تطورات الوضع السياسي الداخلي أن لبنان لا يزال يعيش تحت وطأة مفاعيل مضمون بيان المصادر الوزارية. ولم يبدل العدوان الإسرائيلي الأخير من طبيعة العلاقات السياسية خصوصاً بين الحكم والحكومة من جهة والمعارضة من جهة ثانية، على رغم الدعوة إلى رص الصفوف. الموقف اللبناني الراسخ من تلازم المسارين اللبناني - السوري في مفاوضات السلام والخطاب الرسمي، بالنسبة إلى العدوان أو إلى العلاقة مع سورية ووحدة المصير والمسار، لا يخفي الحاجة الماسة إلى مناخ سياسي يسهم في تنفيس الإحتقان، ويدعم الحوار ويؤسس لعلاقات سياسية انفتاحية. وهذا يتطلب رعاية تتجاوز لبنان إلى المسؤولين السوريين وإن كانت متابعتهم للهمّ الإقليمي مع قرب إعلان الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة إيهود باراك، في سلّم أولويات القيادة السورية. وإذا كان البعض في الدولة يتعاطى مع ما ورد في بيان "المصادر الوزارية" على أنه بمثابة حرب وقائية لمنع عودة رئىس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري إلى سدة الرئاسة الثالثة، ويعتبر ان الخلاصة الرئيسية للبيان هي شن حملة مضادة على الذين يحملون على الحكومة، ويتوقعون رحيلها فور الإنتهاء من إعداد الموازنة، فان البعض الآخر في المعارضة يعتقد أن الوضع الحكومي بالذات مسألة عابرة، قياساً إلى ما هو مطلوب لجهة إرساء علاقات سياسية طبيعية، تؤمّن الحصانة الأمنية والسياسية للبنان في مواجهة الإحتمالات الإقليمية. حتى أن البعض في الدولة لم يتردد في أن يعترف بأن بيان "المصادر الوزارية" لم يحقق أغراضه بمقدار ما أسدى خدمة مجانية إلى الذين استهدفهم، فضلاً عن أن المدة الزمنية التي أعقبت العدوان أتاحت للمراقبين التأكد من أن الجو السياسي غير صحي خصوصاً لجهة العلاقة بين رئيس الجمهورية إميل لحود والرئىس الحريري ورئىس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط. وبدّد هذا الجو بالذات ما كان يقال عن أن علاقة رئيس الجمهورية مع الحريري قطعت شوطاً على طريق التطبيع، بعدما تجاوزت الإشكالات التي خلّفها اعتذار الأخير عن عدم تأليف الحكومة، إضافة إلى أن علاقة لحود مع جنبلاط تشهد انفراجاً وأن الوسطاء أوشكوا ترتيب لقاء مصارحة بينهما. وما يعزز الإعتقاد بأن الأجواء السياسية بين لحود والحريري وجنبلاط لم تتحسّن، استحالة استعجال اللقاءات للتشاور، مع أن الحريري أبدى رغبة، إلا أن طبيعة الإجتماعات الضاغطة لرئيس الجمهورية وانشغاله - كما تردد - في استيعاب النتائج الميدانية للعدوان، كانت وراء عدم حصول أي لقاء سريع قبل أن يغادر الحريري إلى باريس. كل هذه المعطيات تشير إلى أن علاقة لحود بالحريري وجنبلاط قد لا تشهد تطوراً إيجابياً في المدى المنظور ما لم يتم إخراجها من دوامة التبديل الوزاري، الذي لن يتحقق إلا لضرورات إقليمية يمكن رصدها من خلال التطورات الناجمة عن تظهير الموقف الإسرائيلي من تحريك العملية السلمية. في هذا السياق، أكد نواب يترددون على المسؤولين السوريين "ان دمشق لا تتحدث في الوقت الحاضر عن احتمالات التغيير الوزاري، ولا تأتي على ذكره لا من قريب أو بعيد، بمقدار ما يستمعون إلى ملاحظات الزوار على الأداء السياسي للحكومة وبالتالي ينصحون بالحوار للتغلب على الأخطاء". وتابعوا "ان دمشق دعمت ولا تزال تدعم الرئيس لحود والحكومة وكانت شجعت الأطراف السياسيين، موالاة ومعارضة، على إعطاء الفرصة للحكومة الجديدة قبل إصدار الأحكام". وأضافوا "من تتبّع الطريقة التي تعاطت فيها دمشق مع المعارضة وتحديداً الحريري وجنبلاط، لم يكن في حاجة ليكتشف حجم الدعم السوري للعهد والحكومة من خلال دعوتها إلى التهدئة والإنتظار إلى حين تنتهي الحكومة من درس الملفات". ولفت النواب إلى أن المسؤولين السوريين "تعاملوا مع مآخذ المعارضة في المرحلة الأولى من زاوية ان من يعمل لا يخطئ". وأكدوا "ان انقضاء سبعة أشهر على تأليف الحكومة كان كافياً لتقويم الوضع العام، بعدما نصحت دمشق الحلفاء بالإمتناع عن تهديد الاستقرار السياسي". وأشاروا إلى ان المسؤولين السوريين "اخذوا يتفهمون بعض الملاحظات وسارعوا الى لفت عدد من الوزراء إليها، اضافة الى دعوتهم الى الانفتاح والحوار بديلاً من القطيعة السياسية التي لا تتحملها الظروف الراهنة". وأبدوا ارتياحهم الى "البشائر التي لاحت في ضوء التواصل بين رئىس الجمهورية والحريري، في موازاة بدء تحضير الأجواء لقيام جنبلاط بزيارة لقصر بعبدا، وهو أمر سرعان ما اخذ يتراجع". ورأى النواب، زوار دمشق، ان "علاقة لحود بكل من الحريري وجنبلاط لن تتغير بين ليلة وضحاها، لكن بقاء الاحتقان لن يعيد الحرارة الى الاتصالات الجارية تمهيداً لحوار على نقاط الخلاف وهذا ما اضطر دمشق الى إسداء نصائحها مرات عدة بالإبتعاد عن كل ما يسبب التشنّج في موضوع فتح الملفات القضائية، وبمعالجة هادئة لنقل تمثال كمال جنبلاط من قصر بيت الدين". وسأل زوار دمشق "إلى متى تستمر المناوشات السياسية؟ وهل يؤخذ بالملاحظات التي يتناقلها عدد من الوزراء والنواب، أم ان الخصومة السياسية ستستفحل على نحو يعمّق الخلاف؟ وكيف سيتصرف الأفرقاء، ومن يتحمل مسؤولية إطاحة الجهود لتكوين حال سياسية جديدة في مستوى التحديات؟". البعض يعتقد ان "مرحلة السماح اوشكت الانتهاء، وأن علاج الوضع السياسي يتطلب من الحكم والمعارضة مراجعة حساباتهما لتفادي الوقوع في المحظور، خصوصاً ان مستقبل البلد لم يعد يحتمل استمرار السجال الى ما لا نهاية بغض النظر عن علاقات الاشخاص في ما بينهم".