تضج الأوساط السياسية بالتكهنات والتحليلات والتوقعات حيال المرحلة السياسية التي تعقب الإنتخابات الإسرائيلية. فمنها ما يذهب إلى حد توقع تغيير او تعديل حكومي وينسب ذلك تارة الى ان اجواء مسؤولين سوريين تسمح به او ان حتى سيد العهد لا يمانع فيه او انه يلمح اليه. ومنها ما يتوقع بقاء الأمور على حالها مع مزيد من التهدئة السياسية، سواء من جانب المعارضة او الحكم، حتى الإنتخابات النيابية المقبلة. في هذا الوقت تبعث دمشق برسائل سياسية عدة الى الجميع عبر الحركة التي تشهدها. يقول مصدر قيادي حليف لدمشق ان ثمة تجاذباً واضحاً في هذه المرحلة، بين التوجه الذي تدعمه دمشق والداعي الى خلق معادلة سياسية لبنانية داخلية تعزز مقدرة لبنان على الوقوف الى جانب سورية في مواجهة التطورات الاقليمية، عبر تطبيع العلاقات بين القوى المتخاصمة في الحكم والمعارضة، وتوجه يعتبر ان سياسة الحكم الواضحة في الوقوف الى جانب سورية لا تحتاج الى تعديل في المعادلة السياسية الراهنة، وأن المطلوب من القوى السياسية المعارضة ان تعدل من سياستها حيال الحكم لأن توجهاته اثبتت صحتها وأن إصراره على فتح الملفات القضائية فعل فعله الإيجابي في الإدارة وعلى الصعيدين السياسي والإداري والمالي. ويوضح المصدر القيادي الحليف لدمشق ان القيادة فيها حرصت أخيراً على إجراء مراجعة للوضع اللبناني، إنطلاقاً من متابعتها الدقيقة في الأشهر الماضية لتطوراته، انتهت فيها الى ان لملمة الصفوف اللبنانية باتت حاجة ملحّة، لأن مرحلة ما قبل الإنتخابات الإسرائيلية التي حرصت فيها على الإنحياز الكامل الى سياسة الحكم، ولو على حساب حلفاء آخرين لها، هي غيرها مرحلة ما بعد الإنتخابات التي تتطلب عدم استمرار التباعد بين الحكم وقوى سياسية عدة، لأن التطورات المرتقبة تتطلب ألاّ ينفرد أي فريق في قراءة طبيعتها وأبعادها، فتحصل أخطاء، لا يتحمل الوضع الدقيق حصولها. وفي اختصار فأن دمشق شأنها في كل مرة يمر لبنان وسورية في ظروف حرجة على صعيد المفاوضات في عملية السلام تحرص على ضمان ألاّ ينفذ الموقف الإسرائيلي، خصوصاً عندما يكون مدعوماً من الولاياتالمتحدة الأميركية، من خلال الخلافات اللبنانية الداخلية، التي بلغت ذروة كامنة وخافتة لا يستهان بها، بفعل سياسة فتح الملفات وغيرها، بعدما أُخمد الصخب الذي رافقها قبل نحو شهرين تحت عنوان التهدئة. ويشير المصدر القيادي نفسه الى ان دمشق استنتجت، بعد المراجعة التي قامت بها، ان بعض الممارسات في الحكم "أدى إلى إبعاد أصدقائنا من دون ان ينجح في تقريب خصومنا...". لكن هذا الإستنتاج، بحسب المصدر القيادي وغيره من المصادر، تم التوصل اليه تحت سقف اعتبار سيد العهد الحليف الرئيسي الواجب دعمه، والمطلوب مساعدته على تحسين أداء الحكم والحكومة. وإذ أطلق الحرص السوري على التقارب بين المعارضة والعهد، التكهنات على إمكان ترجمة ذلك في حكومة سياسية، واستند بعض هذه التكهنات الى ان بعض المسؤولين السوريين ألمح إلى أن هذا مرتبط بتوقيت لاحق، فأن أوساطاً معارضة وموالية استبعدت الأمر لأسباب عدة، على رغم بعض مظاهر إراحة الوضع السياسي، من اللقاءات المتواصلة بين رئيس الجمهورية ورئىس الحكومة السابق رفيق الحريري، إلى اللقاء بين النائب وليد جنبلاط في حضور كتلته النيابية ونائب رئيس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر. لكن المصدر القيادي الحليف لدمشق يشير إلى أن ما توصلت إليه الأخيرة من توجهات على هذا الصعيد لا يقف عند مسألة تغيير أو توسيع حكومي. فهذا تكهن. والقيادة السورية أطلقت رسائل عدة هدفها التنبيه الى بعض الممارسات في الحكم، من باب اقتناعها ان بعض حلفائها التزموا سياسة التهدئة، وأن المطلوب انفتاح متبادل بينهم وبين العهد. وفيما رأى بعض الموالين ان الحكومة باقية لأن مهماتها باستكمال الإصلاح الإداري والتعيينات وقانون اللامركزية الإدارية والتهيئة للإنتخابات تفرض ذلك، بقيت حماسة معظم المعارضين أيضاً فاترة إزاء التغيير الحكومي. إلا أن المصدر القيادي الحليف لدمشق يشير إلى أن أهم الرسائل السياسية التي أطلقتها دمشق، استقبال الرئىس حافظ الأسد لكل من الرئيسين الياس الهراوي والحريري، وحركة العقيد الركن الدكتور بشار الأسد، من لقائه جنبلاط، الى اجتماعه مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ولقائه مع الوزير سليمان فرنجية والنائب طلال أرسلان في منزل النائب عصام فارس. وهي حركة تدل الى رغبة سورية في الإطلاع على الأمور بتفاصيلها سواء من المعارضين أو من الموالين الذين بينهم من لديه ملاحظات على بعض الأداء السياسي. ويتابع المصدر القيادي: "لا يبدو أن الفريق الحاكم يتعاطى مع الرسائل على انها موجهة اليه، من بين قوى عدة اخرى. وبعض المحيطين بالحكم ردّوا على لقاء جنبلاط - المر بالقول ان الرئاسة الأولى لا تدير الإتصالات مع المعارضة ولم تكلف اي فريق للتفاوض باسمها او بالنيابة عن العهد ولا تعتبر هذه الاتصالات همّاً يومياً وأنه ليس وارداً أن تنتج اللقاءات مصالحة لأن مشكلتها في مواقفها لا في مواقف العهد". ويعتبر المصدر القيادي الحليف لدمشق ان الفريق الحاكم يعتبر انه بسياسته "هو الذي يشكل الضمانة لسورية، فردّ على المطالبة بفريق سياسي مختلف يواجه المرحلة الإقليمية المقبلة، بمزيد من المواقف التي تؤكد التعاون مع "سورية الأسد"، وبأن المقاومة حق لا حياد عنه حتى استعادة الجنوب والجولان والتسوية بما فيها معالجة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، وبإيفاد قائد الحرس الجمهوري تقديراً لعمليات "حزب الله"، إلى أمينه العام السيد حسن نصرالله في اول خطوة من نوعها، وهي خطوات يأمل هذا الفريق، أن تؤدي إلى إبطال الرغبة السورية في تعاون بينه وبين المعارضين، في وقت عين دمشق على الحركة الأميركية في المنطقة ولبنان". وعليه، يستبعد المصدر نفسه، بفعل هذا التجاذب بين التوجهات، أن تقود الجهود السورية، قريباً، إلى جديد في العلاقات السياسية الداخلية، خصوصاً أن الفريق الحاكم ما زال يعتقد أن هناك المزيد من الملفات القضائية المفتوحة التي تحتاج الى متابعة، فضلاً عن إمكان فتح ملفات جديدة في حق الفريق الحاكم السابق.