عكس الخطاب السوري في الايام الاخيرة اجواءً اقل تفاؤلاً ازاء سياسة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك. اذ بعدما كان المسؤولون السوريون يتحدثون عن "فرصة نادرة" لتحقيق السلام "خلال اشهر بل خلال اسابيع"، بدأت وسائل الاعلام الرسمية تتحدث عن احتمال "تضييع" باراك "فرصة السلام" وسقوطه في "أسر التسويف" كسلفه بنيامين نتانياهو. ويدل الفرق بين الموقفين على وجود مرحلتين في طريقة تعامل الخطاب السياسي مع رئيس الوزراء الجديد، تفصل بينهما زيارة باراك الى واشنطن في 19 الشهر الماضي ووصول رسالة الرئيس بيل كلنتون الى الرئيس حافظ الاسد متضمنةً الافكار التي طرحها باراك مع الادارة الاميركية بعد حصوله على صفقات اسلحة ودعم أمني. قبل ذلك نجحت الديبلوماسية السورية في جلب الانظار الى المسار السوري ليكون أولوية باراك على عكس ما كانت عليه الحال بالنسبة الى نتانياهو، واكدت دمشق رغبتها في السلام و"التحرك بسرعة" لانجاز اتفاق مع رجل "صادق وقوي" في تعامله مع السلام، كي لا تكون محط "لوم" من قبل البيت الابيض باعتبارها من يعرقل ذلك، وارسلت اشارات تتعلق بقبولها التفاوض على كل شيء بما فيها "التطبيع" وترتيبات الامن والمياه بعد حسم موضوع الانسحاب الى خطوط 4 حزيران يونيو 1967.لكن ما بدأ يقلق السوريين في غضون ذلك، حصول فوضى في ادارة التفاوض وبدء الحديث عن طلب "وقف العمل العسكري" من المعارضة الفلسطينية و"طرد" بعض القياديين، وممارسة ضغط على "حزب الله" في جنوبلبنان، وحصول مفاوضات سرية بين السوريين والاسرائيليين وتقديم "تنازلات" او "تراجع عن الموقف السوري السابق". وكان ذلك مستغرباً من قبل المحللين لما عُرف عن القيادة السورية من "اللعب قريباً الى الصدر وعدم كشف الاوراق" و"عدم التخلي عن اي ورقة مجاناً"... والاخطر قراءة "الاشارات الايجابية" السورية على انها دليل ضعف سوري بدأ الاسرائىليون يتخذون موقفاً متشدداً لأنها دمشق "مستعجلة السلام لأسباب داخلية". وتوصل المسؤولون السوريون الى هذا التحليل في ضوء مشاورات قيادية واتصالات مع عدد من الشخصيات بينهم رئيس "التجمع العربي الديمقراطي" الدكتور عزمي بشارة الذي قال ان حكومة باراك "فهمت الاشارات السورية على انها مؤشر ضعف شديد" في حين ان تحقيق السلام "في حاجة الى ضغط عربي ودولي" على باراك. بعدها وضع السوريون ما سبق في اطار "التصريحات المتناقضة" التي اعلنها مسؤولون اسرائىليون من عدم الاستعداد للانسحاب الى خط 4 حزيران يونيو مع قبول استئناف المفاوضات "من نقطة توقفها" مع وجود تفسير اسرائيلي لما تحقق في المفاوضات بين عامي 1992 و1996. ثم وصلت رسالة كلينتون عن محادثاته مع باراك، وتأكد السوريون من ان رئيس الوزراء الاسرائيلي لم يتحدث ابداً عن خط 4 حزيران، ولم يتحدث عن مبدأ "الارض مقابل السلام" بل عن "ارض مقابل السلام"، وطلب اعطاء "فرصة من الزمن" لترتيب وضعه الداخلي، واقتصر حديثه على استعداده لصنع السلام على اساس القرارين 242 و388 وفق ما أعلنه في خطابه في الكنيست، مع وجود تفسيره الخاص للقرار 242 من انه يتحدث عن انسحاب من "اراض" في الجولان وليس من "الارض" السورية.