"الزمان" رائحة و"الرائحة" زمان. ليس هناك "زمان" بلا رائحة. الفجر له رائحة. وهناك رائحة ل"الظهيرة" ول"الأصيل" ول"العشاء" ول"جوف" الليل. عصر يوم الجمعة له رائحة، وضحى يوم "الأحد" له رائحة، ول"العتمة" رائحة. ل"رمضان" رائحة، وكل "وقت" في رمضان، له رائحته الخاصة. الصباح له رائحته: مذاق طعام السحور في الفم، وبقايا روائح "الأطعمة" في جنبات المنازل يصنع رائحة "الصبح" الرمضاني. ووقت "الغروب" في رمضان له رائحته: رائحة القهوة - والتمر - والطبيخ، ورائحة الترقب، والهدوء المشحون بجهد الصوم أو بروحانية "الصفاء". والليل المتأخر في رمضان له رائحته: رائحة الشبع والاكتفاء، ورائحة "الزمان" المباح، والطعام المزهود فيه ورائحة العشاء والتراويح، ورائحة الأسواق والطرقات. * تعود الناس على استحضار "الأماكن" لأنها تجسيد مادي مشهود... للأحاسيس... والمشاعر... والذكريات. لكن ليس ثمة "مكان" لا "زمان" له. أبعاد "المكان" الثلاثة... لا تكتمل... الا بالبعد الحقيقي الذي يعدونه بعداً رابعاً ولكنه البعد الأول: الزمان. * ليس ثمة "مكان" لا "زمان" له. والمكان المفرغ من "زمانه" فراغ... وخواء... رغم كل أشيائه وتجسيداته. وليس ثمة "زمان" بلا رائحة. الرائحة... تحضر "الزمان" ومعه "المكان" وأشياءه كلها. * واذا كان الانفعال للغناء - تطريب - والتطريب... استذكار، فان الانفعال... للماضي... استحضار ل"زمان" واسحضار "الزمان" تطلقه... رائحة... و"استنشاق". ومهما قيل عن سطوة "المكان" في الذاكرة، فهي سطوة ظاهرة، يكمن الزمان في عمقها الحقيقي، وتنتشر "الرائحة" في أنحائها. * "الزمان" هو السيد، والمكان "تابع"، و"الزمان" هو "الشيخ" والمكان "مريد"، و"الزمان" هو الشاعر، والمكان، راوية، فحسب. * من رداء، السيد والشيخ والشاعر تفوح رائحة مميزة تستدعيه، وتناديه... وتحضره. * لا خير في "مكان" لا "زمان" له، ولا في "زمان" عديم الرائحة. وعندما يفقد زمان رائحته، يصبح زمناً - محايداً... عدماً لا أثر فيه... ولا وجود له... مهما امتلأت ب"الأمكنة" والأحداث والأشخاص. * فلنأسر - ان استطعنا - كل مانستطيعه من شذى "زمن" عطر لعله يكون لنا زاداً - في أزمنة عديمة اللون... والطعم و"الرائحة".